الحكمة وأولويات الإنسان: قراءة في مراتب الفضائل
- التسلسل القيمي في بناء الشخصية
تُعد هذه المقولة نموذجا راقيا للفكر الفلسفي العميق، حيث تقدم تدرجا منهجيا في القيم والصفات التي تعزز مكانة الإنسان في المجتمع، ابتداء من العقل وانتهاء بالصمت، ثم الموت كآخر الحلول. الحكيم هنا لا يعدد مزايا عشوائية، بل يرتبها وفقا للأهمية والتأثير، مما يعكس فهما دقيقا لطبائع البشر وأولويات الحياة.
1. العقل: الأساس الأول للحياة الرشيدة
عندما سُئل الحكيم عن أفضل ما يمكن أن يمتلكه الإنسان، أجاب: “عقل يعيش به”. وهذا يشير إلى أن العقل هو الأساس الذي تقوم عليه كل الفضائل، فهو الذي يمكن الإنسان من اتخاذ قرارات صائبة، وفهم الحياة بعمق، والتصرف بحكمة في مواجهة التحديات. فبدون العقل، يصبح الإنسان تائها، غير قادر على توجيه حياته أو اتخاذ القرارات التي تصب في مصلحته.
2. الإخوان: الدعم الاجتماعي والغطاء النفسي
لكن ماذا لو لم يُمنح الإنسان عقلا راجحا؟ هنا ينتقل الحكيم إلى البديل الثاني: “إخوان يسترون عليه”. فالصداقة والعلاقات الاجتماعية الجيدة يمكن أن تشكل تعويضا عن بعض القصور العقلي، حيث يساعد الأصدقاء الأوفياء الإنسان في تجاوز المحن، ويقدمون له النصح والمساندة.
3. المال: وسيلة للتأثير والتقرب من الناس
إذا لم يمتلك الإنسان عقلا راجحا أو إخوة مخلصين، فإن الحل الثالث هو “مال يتحبب به إلى الناس”. فالمال يمنح صاحبه القدرة على كسب القلوب وتشكيل علاقات اجتماعية من خلال السخاء والإحسان، وإن كان ذلك حلا أقل قيمة مقارنة بالعقل أو الأصدقاء الحقيقيين.
4. الأدب: زينة الإنسان وأداته للبقاء في المجتمع
في حال افتقد المرء العقل، والدعم الاجتماعي، والمال، يبقى لديه خيار آخر: “أدب يتحلى به”. فالأدب، بما يشمله من أخلاق وحسن تعامل، يمكن أن يمنح الإنسان فرصة للعيش الكريم، حتى لو لم يمتلك مقومات النجاح المادي أو الذكاء الحاد.
5. الصمت: الملاذ الأخير لمن فقد كل شيء
أما إذا لم يكن لديه أي من الخيارات السابقة، فإن الحكيم يوصيه بالصمت، قائلا: “فصمت يسلم به”. فالصمت قد يكون أحيانا أفضل من الكلام غير الحكيم، حيث يجنب الإنسان الوقوع في المشكلات، ويمنحه فرصة للتأمل والتعلم بدلا من الانغماس في نقاشات غير مفيدة.
6. الموت: النهاية المحتومة لمن لا يملك شيئا
في النهاية، إذا افتقد الإنسان كل هذه العناصر (العقل، الإخوان، المال، الأدب، الصمت)، فإن الحكيم يرى أن الموت هو الحل، قائلا: “فموت يريح منه العباد والبلاد”. هذه الخاتمة القاسية تعكس فلسفة صارمة تجاه الحياة، حيث يصبح الوجود بلا قيمة إذا كان الفرد مجرد عبء على نفسه وعلى الآخرين.
- الرسالة الفلسفية في هذه الحكمة
هذه الحكمة تعكس نظرة براغماتية للحياة، حيث يتم تقييم الإنسان بناء على قدراته وإسهاماته. فالإنسان الذي لا يمتلك عقلا، ولا دعما اجتماعيا، ولا وسيلة لكسب القلوب، ولا حتى القدرة على التزام الصمت، يتحول إلى كيان غير منتج، لا يجلب سوى الأذى لنفسه وللمجتمع.