ريحة الغوالي يا ريحاري
تعرفت على صديقي “ناصر” من قرية “كفرنجد” قرب مدينة “أريحا” من خلال خدمة العلم في المحكمة العسكرية بحلب، زرته في قريته الصغيرة، و زارني في المدينة الكبيرة الشهباء مراراً خلال الخدمة و بعد التسريح، لا يفوِّت موسماً للكرز إلا و أهدى لي و لصديقنا المشترك “أبو خالد الورد” قسطاً وافراً منه،
أحياناً يزورني بنفسه مع هديته السنوية الشهية، و أحياناً يترك لي حصتي لدى أبي خالد الورد عندما لا يملك الكثير من الوقت لزيارتي في بيتي البعيد عن مركز المدينة، يتصل بي صديقي “أبو خالد الورد” و يقول لي اشتقت لك تعال زرني و خذ أمانة لك عندي من صديق عزيز، حينها أعرف بأن ناصر زاره و تذكرنا ب “طعمة” كرز حلو و الآخر من صنف “الوشنه” المميز بطعمه الحامض قليلاً.
أقول طعمة (أي عينة للتذوق) كما يسميها هو تكرماً و تواضعاً، لكن في الواقع قل عشرات الكيلووات من الكرز الفاخر الشهي، آكل منها و أُطعم أهلي و الجيران، و أصنع “مربى” لذيذ الطعم، و أطبخ أكلة “اللحمة بكرز” المميزة بجمع كل المتناقضات من حلو و حامض و مالح في صنف واحد من الطعام، آكل و أهدي من “الطعمة” و يبقى أثرها طوال العام .
أزور أبا خالد الورد في بيته مقابل ساحة سعد الله الجابري، استمتع بالزيارة و القهوة اللذيذة و الحديث الشيق، و أخرج من بيته محملاً بعبق الورد، و ريحة الود ، ورد أبي خالد الدهان و ناصر حج يوسف و مودتهما الصادقة.
لا أدري أين شلفتْهُ الحرب (أودت به) بعد أن انقطعت الاتصالات بيني و بينه، ناصر صديقي الكريم الوفي ذو وجهه البسام، بحثت عنه كثيراً و لم أعثر على خبره، أحن له و لا أنساه، ففي كل مرة تقع عيني على الكرز، أرى ناصر يبتسم لي و يقص علي حديث “الحجيات” و ليالي الأنس في سوريا، لا في فيينا كما غنّت أسمهان .
تُرى هل يعتبر الكرز نوعاً من الإرهاب في بلدي حتى يقصف بكل هذا الحقد؟
جهاد الدين رمضان
في فيينا ٢٩ تموز ٢٠١٩
*النص مُهدى لذكرى الصديق ناصر حج يوسف حفظه الله أينما كان.