افتراضي
ترسم الكاتبة اليمنية حياة عامل وحيد، لم يلمس امرأة برغباته وأحلامه وبؤس حياته، وتجليات شهوته على الفراش والمكان وعلاقته بأصدقاء عالمه الافتراضي الذين يتصورونه شاباً يافعاً حسب ما ثبته من تاريخ الميلاد.
ها هو صديقي الوفي يذكرني بأن اليوم ذكرى مولدي، وها هو يستعد ليحتفل معي، بل لقد اختار لي قالب جاتو مزين بقطع من الفاكهة المجففة، ومحشو بألذ المكسرات، أجل أن هذا التاريخ افتراضي وضعته عند تسجيل دخولي هذا العالم الافتراضي. يقول لي أني بلغت سن السابعة والعشرين عاما، مسكين ذلك الصديق لا يعلم أني ومنذ فترة أطفأت الشمعة السادسة والثلاثين من عمري، وكالمعتاد لم أتلقَ أي هدية، غير تجاعيد حفرها الزمن على بشرة وجهي.
أزيح بطانية يعلوها التراب، وتعج برائحة سجائري، ومائي الذي أقذفه في بعض المساءات الحالمة، ألج الحمام الذي لا يتسع لغسل قدماي إلا وقوفاً. أشذب شعيرات دقني أمام مرآة متصدية، أكل الدهر من معالمها، هي الوحيدة في هذه الغرفة التي تشبه علبة الكبريت، رائحة نشادر تفوح من هذا القمع الذي يدع حمام، تصيبني بالغثيان، أنهي حلق دقني بسرعة، أعود إلى غرفتي اليتيمة، العارية من أي أثاث ما عدا موكيت بهت لونه، وسرير تأكل خشبه، طاولة وكرسي قابعة في إحدى زواياها، أمارس عليها غوايتي في كتابة أشعاري التي تظل حبيسة أوراقي، أو منسية في أحد ملفات الورد في مجلد ما عدت أذكر اسمه.
أصوات عشوائية تصدح من شارع يعج بأطفال بذرتهم العشوائية، وتفتش عن جذور لها، قبل ذهابي إلى عملي، امارس بعض التمارين الرياضية الخفيفة لأحافظ على لياقتي، وحرق الدهون المتراكمة من زيوت قلي الطعمية والشبس الذي يعتبر وجبة فطوري اليومي، أشعر بعيون جارتي تخترق ستارة نافذتها التي تتوارى خلفها، بخبث أسدل ستارة نافذتي، أدرك خيبة جارتي المتلصصة، المنتظرة لحظة خلعي بجامتي التي هجرتها رائحة الصابون، ولبسي قميص بلون التراب، وبنطلون جينز أقرب إلى لون البحر، المحشوات بداخل حقيبة مصنوعة من الحديد هي كل ما ورثته من جهاز عرس أمي.
في الطريق أتعثر بأكياس قمامة وبقايا علب منثورة على جنبات الطريق، علقت بعض روائحها على ثيابي. وصلت إلى محل بيع البهارات الذي أعمل فيه وبكل فخر محاسب، حقا أني لم ارقا إليه إلا بعد تدرج طويل من حمال إلى محاسب، وخاصة عند معرفة صاحب المحل أني وبكل فخر أحمل شهادة محاسبة من كلية التجارة.
في المساء أعود إلى غرفتي، أفتح بريدي الإلكتروني، أتصفح صفحتي وصفحات بعض الأصدقاء الافتراضيين، ما زال صديقي يحتفل بذكر مولدي، أرد على بعض التهاني التي وصلتني منهم، أغلق جهازي المحمول.
بعد رحلة عمل منهك وتحمل مزاج الزبائن المختلفة حق لي أن أضع رأسي فوق مخدتي وأتقلب على طرفي سرير يحن إلى رائحة أنثى، نار تشعل خلايا جسدي، جدران غرفتي تضيق علي، تراودني عن نفسي، تحاول جرح عذريتي، أحاول استدعي جسد امرأة ما زال طيفها يراودني من زبائن المحل، تكتمل ملامح الصورة في مخيلتي على فراشي أرسمه، وأغوص في أحضانه.
20/2/2017م
عن مجلة الكلمة الأدبية والفكرية – عدد 143 / مارس 2019