نقد

القراءة والتجربة: حول التجريب في الخطاب الروائي الجديد في المغرب

 

إن التجربة الروائية الجديدة ببلادنا بدأت تشكل ظاهرة منذ بدايات الثمانينيات ، ولقد كان قبل ذلك ، وبالأخص منذ أواسط السبعينيات (قصص التازي والمديني ،،، ) عبارة عن تجارب فردية متناثرة ، لاتمثل ما يمكن اعتباره ظاهرة . وكتجربة جديدة ، لانجدها ترتبط بالخطاب الروائي فقط ، إذ أنها تمتد إلى خطابات أخرى متعددة يحذوها جميعا هاجس الجاوز والبحث ، وإن بطرائق متفاوتة ومختلفة . يمكننا الإشارة إلى بعضها ، على سبيل المثال لا الحصرمن خلال ” الأيام ، الأيام ” كخطاب سينمائي ، وكتاب الإمتاع والمؤانسة كخطاب مسرحي ، وقصص أحمد بوزفور ، وما يمكن أن نسميه القصيدة الملحمية على مستوى الإنتاج الأدبي . كما نجد ذلك في القراءات النقدية الجديدة سواء في تحليل الخطاب الفكري (محمد عابد الجابري ، عبد الله العروي …) أو الأدبي على مستوى الشعر مع اجتهادات محمد مفتاح، أو على مستوى السرد مع عبد الفتاح كيليطو.
 
هذه التجربة الجديدة ببلادنا ، ليست معزولة عما يجري في وطننا العربي من إسهامات في هذاالسبيل .إنها جزء منها ، وتنويع على العديد من إنجازاتها في الشعر والسرد والمسرح والتشكيل والسينما .
 
من السهولة بمكان التموقف من هذه التجربة سلبا ، كما أنه من اليسير التعصب لها إيجابا ، وكم هي شاقة وصعبة قراءتها ودراستها؟ لذلك لا نكاد نعثر على مواكبة رائدة على مستوى القراءة لهذه التجربة ، لأن من أولى أوليات ذلك أن تكون القراءة جديدة : فالتجربة الجديدة تستدعي القراءة الجديدة . ولا يمكن أن تنهض القراءة الجديدة بذلك ما لم تكن هناك التجربة الأصيلة ، وأقصد الجديدة . وليست صفة الجديد هنا متصلة بالزمن ، ومستعملة كنقيض للقديم ، ولكنها مرتبطة بمدى إنتاجيتها المتميزة عن إعادات الإنتاج السائدة ، ومدى فعلها في إقرار متغيرات جديدة في ممارسة الإنتاج الأدبي والنقدي والفكري عموما .
 
إن هذا هو ما حذا بنا إلى هذه القراءة التي تشهد بتواضعها وطموحها معا . إنها محاولة للبحث في مكونات هذا الخطاب الروائي الجديد ببلادنا ، وهي مدخل لقراءة آمل أن تكون لاحقا ، أكثر شمولا واستيعابا . تروم هذه القراءة أن تكون جديدة على مستويين :
1 . البحث في مكونات الخطاب الروائي البنيوية ، وهذه القضية ما يزال نقد الرواية ببلادنا ، والوطن العربي لا يعيرها كبير اهتمام ، رغم بعض المحاولات القليلة والمتفرقة .
2 . استعمال أدوات ومفاهيم جديدة تمتح بالأخص من السرديات التي يعمل الباحثون في البويطيقا على بلورتها وتدقيقها لتصبح اتجاها متميزا في تحليل الخطاب السردي بصفة عامة . وهذه القراءة وهي تمتح من السرديات تسعى إلى الاستفادة من أهم إنجازاتها من منظور نقدي لايكمن هاجسه في إسقاط معطياتها على المتن العربي ، ونسجل كون هذا هو شكل التعاطي السائد عندنا ومختلف الاتجاهات الجديدة في تحليل الخطاب ، ولكن هاجسه يكمن في محاولة الإمساك بروح الصرامة والبحث الذي تنتهجه ، من اجل الإسهام في بلورة سرديات تتأسس على قاعدة الحوار مع / والانفتاح على ما تتم مراكمته من إنجازات في تحليل المتن الغربي ، وعلى قاعدة ما يمكن الإسهام في إضافته وإنضاجه من خلال قراءة إنتاجية للكتن العربي ، تنطلق من السؤال والسؤال النقدي .
 
في قراءتنا لهذه التجربة الروائية الجديدة بالمغرب ، انطلقنا من أربع خطابات هي : الأبله والمنسية وياسمين للميلودي شغموم ـ وردة للوقت المغربي لأحمد المديني ـ رحيل البحر لمحمد عز الدين التازي ـ بدر زمانه لمبارك ربيع واختيارنا لهذه دون غيرها من الروايات ذات التجربة الجديدة لايلغي أهمية بعضها ، مثل ” مجنون الأمل ” لعبد اللطيف اللعبي ، والغربية واليتيم لعبد الله العروي ، وغير ذلك ذلك من الأ‘مال التي نأمل أن نقوم بقراءتها لاحقا . إن ما يجمع بين كتاب هذه الروايات هو كونهم جميعا كتبوا القصة القصيرة والرواية بطريقة خاصة ومغايرة منذ أواسط السبعينيات ، وبالأخص أحمد المديني وعز الدين التازي . أما الميلودي شغموم فقد كانت روايتاه الضلع والجزيرة تؤشر لهذه التجربة ، ونفس الشيء نجده في تجربة مبارك ربيع الأخيرة .
 
تتلخص طريقة تعاطينا وهذه الروايات في الانطلاق من مبدأ محوري يضبط مختلف مكونات الخطاب ويحكمها . وعلى ضوء هذا المبدأ ، وانطلاقا منه نشرع في تحليل وقراءة باقي العناصر . ولقد صدرنا هذه القراءة بمقاربة نظرية عامة حاولنا من خلالها ضبط القراءة والتجربة والعلاقة التي تربط بينهما في إنتاج الخطاب وضمنه الروائي ، وبعد انتهائنا من تحليل كل خطاب على حدة ، قمنا بتركيب موجز حاولنا من خلاله طرح أهم إشكاليات هذه التجربة الجديدة .
 
ونود أخيرا الإشارة إلى ثلاثة مفاهيم إجرائية حاولنا الانطلاق منها لإبراز المشترك بين هذه الخطابات المتناولة في هذه الدراسة ، ويرتبط ارتباط وثيقا بالتصور الذي سنطرحه في ” تجربة القراءة ، وقراءة التجربة ” في هذ النقطة .
 
هذه المفاهيم هي :
1 . الانزياح السردي 2 . الميثاق السردي 3 . الخلفية النصية.
 
إن المفهومين الأول والثاني تنويعان لمفهمي الانزياح والميثاق كما استعملهما جان كوهين وغيره في تحليل الخطاب الشعري ، وفيليب لوجون في تحليله السيرة الذاتية ، وتخصيص لهما في المجال الروائي . وأ، المفهوم الأخير استخلصناه في محاولتنا البحث في محددات القراءات واختلافاتها . هذه المفاهيم الثلاثة موظفة في سياق ما سنوضحه عن العلاقة بين الراءة و التجربة ، بين الذات والموضوع ، وفي نطاق ارتباط ذلك بالاستمرار والتقطع .
 
وأخيرا ، إن هذه القراءة تشهد بتواضعها وطموحها أيضا . إنها خطوة أولى في رحلة الألف ميل ، وهي بداية بدايات مشروع ما زلت أطرح بصدده السؤال ، ولا يمكن لأي الادعاء بأنه قادر على إنجازه وحده ، بدون تضافر الجهود ، وتآزر الفعاليات الحقيقية ، وتعاونها في فتح حوار جاد ومؤسس ونقدي يسهم في تطوير حياتنا الثقافية والفكرية ، وفي تطوير القراءة والتجربة ببلادنا .
———————–
سعيد يقطين
في فاس : 25/12/1984

سعيد يقطين

كاتب وناقد مغربي، أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، متخصص في السرديات العربية، أستاذ زائر بعدد من الجامعات العربية والغربية، حاصل على جائزة الشيخ زايد في الفنون والدراسات الأدبية، وجائزة الكويت للتقدم العلمي؛ نسخة 2023.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى