دول عدم الانحياز
تعتبر حركة عدم الانحياز، واحدة من نتائج الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، ونتيجة مباشرة أكثر، للحرب الباردة التي تصاعدت بين المعسكر الغربي (الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو) وبين المعسكر الشرقي (الإتحاد السوفيتي وحلف وارسو) حال نهاية الحرب العالمية الثانية وتدمير دول المحور، وكان هدف الحركة هو الابتعاد عن سياسات الحرب الباردة.
تأسست الحركة من 29 دولة، وهي الدول التي حضرت مؤتمر باندونغ 1955، والذي يعدّ أول تجمع منظم لدول الحركة.
وتعتبر من بنات أفكار رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو والرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس اليوغوسلافي تيتو.
وانعقد المؤتمر الأول للحركة في بلغراد عام 1961، وحضره ممثلو 25 دولة، ثم توالى عقد المؤتمرات حتى المؤتمر الأخير بطهران في أغسطس 2012. ووصل عدد الأعضاء في الحركة عام 2011 إلى 118 دولة، وفريق رقابة مكون من 18 دولة و10 منظمات.
تاريخ الحركة
أنشئت حركة عدم الانحياز وتأسست إبّان انهيار النظام الاستعماري، ونضال شعوب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وغيرها من المناطق في العالم من أجل الاستقلال، وفي ذروة الحرب الباردة. وكانت جهود الحركة، منذ الأيام الأولى لقيامها، عاملاً أساسيًا في عملية تصفية الاستعمار.
والتي أدت لاحقًا إلى نجاح كثير من الدول والشعوب في الحصول على حريتها وتحقيق استقلالها، وتأسيس دول جديدة ذات سيادة. وعلى مدار تاريخها، لعبت حركة دول عدم الانحياز دورًا أساسيًا في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
وإذا كانت بعض الاجتماعات قد عُقدت، في إطار العالم الثالث، قبل عام 1955، فإن المؤرخين يعدّون أن مؤتمر باندونغ الأفرو-آسيوي هو الحدث السابق مباشرة على قيام حركة عدم الانحياز، وكان هذا المؤتمر قد عقد في مدينة باندونغ خلال الفترة من 18-24 أبريل 1955.
وشهد تجمع 29 رئيس دولة ينتمون إلى الجيل الأول من قيادات ما بعد الحقبة الاستعمارية من قارتي إفريقيا وآسيا بغرض بحث القضايا العالمية في ذلك الوقت وتقييمها، وانتهاج سياسات مشتركة في العلاقات الدولية.
وقد تم الإعلان في ذلك المؤتمر عن المبادئ التي تحكم العلاقات بين الدول، كبيرها وصغيرها، وهي المبادئ التي عُرفت باسم «مبادئ باندونغ العشرة»، والتي جرى اتخاذها فيما بعد كأهداف ومقاصد رئيسية لسياسة عدم الانحياز.
ولقد أصبح تحقيق تلك المبادئ هو المعيار الأساسي للعضوية في حركة عدم الانحياز؛ بل إنها أصبحت تعرف بما يسمى «جوهر الحركة» حتى بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي.
وفي عام 1960، وفي ضوء النتائج التي تحققت في باندونغ، حظي قيام حركة دول عدم الانحياز بدفعة حاسمة أثناء الدورة العادية الخامسة عشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي شهدت انضمام 17 دولة إفريقية وآسيوية جديدة.
وكان رؤساء بعض الدول أو الحكومات في ذلك الوقت، قد قاموا بدور بارز في تلك العملية، وهم جمال عبد الناصر من مصر، وكوامي نكروما من غانا، وشري جواهرلال نهرو من الهند، وأحمد سوكارنو من أندونيسيا، وجوزيف بروز تيتو من يوغوسلافيا، الذين أصبحوا، فيما بعد، الآباء المؤسسين للحركة، ورموز قادتها.
وبعد مؤتمر باندونغ بستة أعوام تم تأسيس حركة دول عدم الانحياز على أساس جغرافي أكثر اتساعًا، أثناء مؤتمر القمة الأولى الذي عُقد في بلغراد خلال الفترة من 1-6 سبتمبر 1961، وقد حضر المؤتمر 25 دولة هي: أفغانستان، والجزائر، واليمن، وميانمار، وكمبوديا، وسريلانكا، والكونغو، وكوبا، وقبرص، ومصر، وإثيوبيا، وغانا، وغينيا، والهند، واندونيسيا، والعراق، ولبنان، ومالي، والمغرب، ونيبال، والمملكة العربية السعودية، والصومال، والسودان، وسوريا، وتونس، ويوغوسلافيا.
وكان مؤسسو حركة عدم الانحياز قد فضلوا إعلانها كحركة وليس كمنظمة، تفاديًا لما تنطوي عليه الأخيرة من آثار بيروقراطية.
وتوضح معايير العضوية التي جرت صياغتها أثناء المؤتمر التحضيري لقمة بلغراد (والذي عقد بالقاهرة 1961)، أن الفكرة من وراء الحركة ليس القيام بدور سلبي في السياسة الدولية، وإنما صياغة مواقفها بطريقة مستقلة بحيث تعكس مواقف الدول الأعضاء فيها.
وعلى هذا، ركزت الأهداف الأساسية لدول حركة عدم الانحياز، على تأييد حق تقرير المصير، والاستقلال الوطني، والسيادة، والسلامة الإقليمية للدول؛ ومعارضة الفصل العنصري، وعدم الانتماء للأحلاف العسكرية المتعددة الأطراف، وابتعاد دول حركة عدم الانحياز عن التكتلات والصراعات بين الدول الكبرى.
والكفاح ضد الاستعمار بكافة أشكاله وصوره، والكفاح ضد الاحتلال، والاستعمار الجديد، والعنصرية، والاحتلال والسيطرة الأجنبية، ونزع السلاح، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، والتعايش بين جميع الدول، ورفض استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية.
وتدعيم الأمم المتحدة، وإضفاء الطابع الديمقراطي على العلاقات الدولية، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي، فضلا عن التعاون الدولي على قدم المساواة.
ومنذ بداية قيام الحركة، بذلت دول عدم الانحياز جهودًا جبارة بلا هوادة لضمان حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال والسيطرة الأجنبية، في ممارسة حقها الثابت في تقرير المصير والاستقلال.
وإبّان عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لعبت حركة دول عدم الانحياز دورًا أساسيًا في الكفاح من أجل إنشاء نظام اقتصادي عالمي جديد، يسمح لجميع شعوب العالم بالاستفادة من ثرواتها ومواردها الطبيعية، ويقدم برنامجًا واسعًا من أجل إجراء تغيير أساسي في العلاقات الاقتصادية الدولية، والتحرر الاقتصادي لدول الجنوب.
وأثناء السنوات التي تناهز الخمسين من عمر حركة دول عدم الانحياز، استطاعت الحركة أن تضم عددًا متزايدًا من الدول وحركات التحرير التي قبلت- على الرغم من تنوعها الأيديولوجي، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي- المبادئ التي قامت عليها الحركة وأهدافها الأساسية.
وأبدْت استعدادها من أجل تحقيق تلك المبادئ والأهداف. ومن استقراء التاريخ، نجد أن دول حركة عدم الانحياز قد برهنت على قدرتها على التغلب على خلافاتها، وأوجدت أساسًا مشتركًا للعمل، يفضي بها إلى التعاون المتبادل وتعضيد قيمها المشتركة.
الهيكل التنظيمي والعضوية
تنبع الحركة من الرغبة في عدم الاصطفاف ضمن هيكل جيوسياسي / عسكري وبالتالي ليس لديها هيكل تنظيمي صارم للغاية.
تم تحديد بعض الأساسيات التنظيمية في وثيقة قرطاجنة لعام 1996 حول المنهجية مؤتمر القمة لرؤساء دول أو حكومات دول عدم الانحياز هو «أعلى سلطة اتخاذ القرار». تتناوب الرئاسة بين الدول وتتغير في كل قمة لرؤساء الدول أو الحكومات إلى الدولة المنظمة للقمة.
تتطابق متطلبات العضوية في حركة عدم الانحياز مع المعتقدات الرئيسية للأمم المتحدة. المتطلبات الحالية هي أن الدولة المرشحة قد عرضت ممارسات وفقًا «لمبادئ باندونغ» العشرة لعام 1955:
1- احترام حقوق الإنسان الأساسية، وأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
2- احترام سيادة جميع الدول وسلامة أراضيها.
3- إقرار مبدأ المساواة بين جميع الأجناس، والمساواة بين جميع الدول، كبيرها وصغيرها.
4- عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى أو التعرض لها.
5- احترام حق كل دولة في الدفاع عن نفسها، بطريقة فردية أو جماعية، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.
6- أ- عدم استخدام أحلاف الدفاع الجماعية لتحقيق مصالح خاصة لأيّ من الدول الكبرى. ب- عدم قيام أي دولة بممارسة ضغوط على دول أخرى.
7- الامتناع عن القيام، أو التهديد بالقيام، بأي عدوان، والامتناع عن استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة.
8- الحل السلمي لجميع الصراعات الدولية، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة.
9- تعزيز المصالح المشتركة والتعاون المتبادل.
10- احترام العدالة والالتزامات الدولية.
السياسات والأيديولوجيا
كان رؤساء حركة عدم الانحياز يضمون شخصيات متنوعة مثل سوهارتو، العسكري المناهض للشيوعية، ونيلسون مانديلا، الإشتراكي الديمقراطي والناشط الشهير المناهض للفصل العنصري. تتكون حركة عدم الانحياز من العديد من الحكومات ذات الأيديولوجيات المختلفة إلى حد كبير.
وهي موحدة من خلال التزامها المعلن بالسلام والأمن العالميين. في القمة السابعة التي عقدت في نيودلهي في مارس 1983، وصفت الحركة نفسها بأنها «أكبر حركة سلام في التاريخ». تضع الحركة نفس القدر من التركيز على نزع السلاح.
إن التزام حركة عدم الانحياز بالسلام يسبق إضفاء الطابع المؤسسي الرسمي عليها في عام 1961. أقر اجتماع بريوني بين رؤساء حكومات الهند ومصر ويوغوسلافيا في عام 1956 بوجود صلة حيوية بين النضال من أجل السلام والمساعي من أجل نزع السلاح.
خلال السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي، رعت حركة عدم الانحياز أيضًا حملات لإعادة هيكلة العلاقات التجارية بين الدول المتقدمة والنامية، ولا سيما النظام الاقتصادي الدولي الجديد (ان أي إي أو)، ونسله الثقافي، نظام المعلومات والاتصالات العالمي الجديد (ان دبليو أي سي أو).
أطلق هذا الأخير، من تلقاء نفسه، مبادرة عدم الانحياز بشأن التعاون في مجال الاتصالات، وهي مجموعة وكالات أنباء عدم الانحياز، التي تم إنشاؤها في عام 1975 وتحولت لاحقًا إلى شبكة أخبار حركة عدم الانحياز في عام 2005.
تتبنى حركة عدم الانحياز سياسات وممارسات التعاون، لا سيما تلك المتعددة الأطراف والتي توفر المنفعة المتبادلة لجميع المعنيين. العديد من أعضاء حركة عدم الانحياز هم أيضا أعضاء في الأمم المتحدة. كلتا المنظمتين لديها سياسة معلنة للتعاون السلمي.
ومع ذلك فإن النجاحات التي حققتها حركة عدم الانحياز مع الاتفاقيات متعددة الأطراف تميل إلى تجاهلها من قبل الأمم المتحدة الأكبر والغربية والمتقدمة التي تهيمن عليها الأمم المتحدة. ارتبطت المخاوف الأفريقية بشأن الفصل العنصري بالمخاوف العربية الآسيوية بشأن فلسطين وحقق التعاون متعدد الأطراف في هذه المجالات نجاحًا معتدلًا.
لعبت حركة عدم الانحياز دورًا رئيسيًا في مختلف الأيديولوجية صراعات طوال فترة وجودها، بما في ذلك المعارضة الشديدة لحكومات الفصل العنصري ودعم حركات حرب العصابات في مواقع مختلفة، بما في ذلك روديسيا وجنوب إفريقيا.