دراسات إسلامية

“علم الكلام” بين الكراهة والتحريم

 برزت طائفة من العلماء نادت بمنع الخوض في علم الكلام كراهة أو تحريماً، مثلما هو مذهب بعض الفقهاء وأهل الحديث الذين عللوا ذلك بأنه مثار للشبهات والفتن، وطريق للابتداع، ومن أبرزهم:


أبو حنيفة حظر على طلابه الانخراط في الكلام، واصفا أولئك الذين يمارسونه بأنهم «المتخلفين منها».
مالك بن أنس الذي أشار إلى الكلام في الدين الإسلامي بأنه «مكروه»، وأشار إلى أن أيا كان من «يسعى إلى معرفة الدين من خلال الكلام أنه منحرف».


الشافعي قال إنه لا علم له بأن الإسلام يمكن الحصول للفائدة من كتب الكلام، والكلام «ليس من المعرفة» وقال «لأن يلقى الله العبد بكل ذنب إلا الشرك خير من أن يلقاه بشيء من الأهواء».


أحمد بن حنبل تكلم أيضا بقوة ضد الكلام، مشيرا إلى أنه: «لا تكاد ترى أحدا نظر في هذا الرأي إلا وفي قلبه دغل». حتى ذهب لما هو أبعد من ذلك حتى أنه حظر الجلوس مع أناس يمارسون الكلام حتى لو كانوا يدافعون عن السنة، حيث أنه أرشد طلابه للتحذير ضد أي شخص رأوه يمارس الكلام.


في القرن الحادي والعشرين، انتقاد الكلام أيضا يأتي من الحركة السلفية.


  • المحايدون

ونجد فريقا آخر توسط بين المعارضة المطلقة والتأييد المطلق لعلم الكلام وهؤلاء يميزون بين موضوعات علم الكلام، فمنه الكلام المحمود ومنه الكلام المذموم، وأيضا من حيث المشتغلين به والممنوعين من الاشتغال به.


والكلام المحمود هو المباحث الخاصة بإثبات الواجب لله تعالى وصفاته والنبوة والمعاد على قانون الإسلام.


وهذه المسائل أصل العلوم الشرعية وأساسها وهي تفصيل الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر على الإيقان والإتقان.


وهذه المباحث المذكورة لتقوية الكتاب والسنة لا لمخالفتها فلا حرمة ولا كراهة فيها، بل هي فرض، فمعرفة هذه المباحث على وجه الإجمال فرض عين على كل مسلم وعلى وجه التفصيل من فروض الكفاية.


وأيضا فيه حراسة العقيدة على العوام، وحفظها عن التشويشات المبتدعة وهذه من فروض الكفايات، ولقد رأى الغزالي أن دراسة علم الكلام من فروض الكفايات كالقيام بحراسة الأموال وسائر الحقوق كالقضاء والولاية وغيرهما، وليس في مجرد الطباع كفاية تحل شُبه البدعة ما لم تتعلم.


فينبغي أن يكون التدريس فيه من فروض الكفايات، لكن ليس من الصواب تدريسه على العوام كتدريس والفقه والتفسير فإن الكلام مثل الدواء، والفقه والتفسير مثل الغذاء، وضرر الغذاء لا يحذر وضرر الدواء محذور.


أي أن علم الكلام مباح عند الحاجة إليه في إزالة الشكوك في أصول العقائد والدفاع عن الدين ضد شبه المبتدعين ورد حججهم والكشف عن أمور مخالفة للسنة فلهجوا بها، وكادوا يشوشون عقيدة أهل الحق على أهلها.


فأنشأ الله طائفة المتكلمين وحرك دوافعهم لنصرة السنة المأثورة بكلام مرتب يكشف عن تلبيسات أهل البدعة المحدثة على خلاف السنة المأثورة، فمنه نشأ الكلام وأهله.


وعلى هذا فإن علم الكلام مباح عند الحاجة، ويجب أن يؤخذ منه بقدر الحاجة وأن يقتصر فيه على الجلي الظاهر وعدم التعمق في الأبحاث والتفريعات.


أما المذموم من علم الكلام فهو الكلام المخالف للكتاب والسنة كإدخال مسائل لا توافق الكتاب والسنة أو إثبات مسائل على وجه لا يوافق الكتاب والسنة.


ويذكر سعد الدين التفتازاني في شرحه على العقائد النسفية طوائف أربعة تمنع من الاشتغال بعلم الكلام وهي تمثل الكلام المذموم:


من هو متعصب يقصد به ترويج مذهبه فيحرم لذلك تحقيق الحق في مطالبه.
من لم يرزق فطنة تفي بتحصيل اليقين فنظره في مباديه يفضي إلى التشكيك في قواعد الدين فعليه أن يتسم بسمة العاجز، ويتدين بدين العجائز.


من هو معوج في الدين مخطئ طريق اليقين، مغرضه من الاشتغال بمقاصده والتمكن من إبطاله ورده.
من يتوغل في الخوض في الحكمة فيقع في ظلمات الفلسفة فربما يعجب بفكره ورأيه والحق من ورائه.


وعلى هذا فإن علم الكلام عند هؤلاء ليس محموداً لذاته أو مذموماً لذاته بل هو كما يقول الغزالي: «إن فيه منفعة وفيه مضرة فهو باعتبار منفعته في وقت الانتفاع حلال أو مندوب إليه أو واجب كما يقتضيه الحال وهو باعتبار مضرته في وقت الاستضرار ومحله حرام».

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى