جائزة “الشيخ حمد للترجمة” .. صلة للعربية مع ثقافات العالَم
جائزة قطرية عالمية تمنح سنوياً للمترجمين من العربية وإليها، تأسست عام 2015.
- ما القيمة المادية التي تمنحها الجائزة؟
مليونا دولار لكل فئات الجائزة سنوياً.
- ما أهمية وجود جائزة عربية للترجمة؟
صلة تواصل بين العالم العربي وعموم الثقافات في الشرق والغرب.
تساهم الجوائز الثقافية العربية، خصوصاً المتصلة منها بفنون الأدب والشعر والنقد والترجمة، في دعم اللغة العربية ونشرها بشكل أكبر بين الأجيال الجديدة التي تعيش بعالم صغير متقارب بسبب وسائل الاتصال وإدراك هذه الأجيال لعدة لغات في آن واحد.
وللجوائز الثقافية دور بارز في نشر الأعمال الأدبية عالمياً، وتحقق شهرة واسعة بين المهتمين بالثقافة ودورها الإنساني في إحياء الشعوب كذاكرة وتأريخ.
ورغم أن الجوائز المهتمة بالجوانب الثقافية قليلة مقارنة بالموجودة في الغرب؛ فإن عدة دول خليجية، بينها قطر، أولت خلال السنوات الماضية اهتماماً واسعاً للمجال الثقافي العربي، وقدمت دعماً واسعاً لتأسيس عدة جوائز مهتمة بالرواية العربية والشعر العربي والترجمة وفنون الخطابة وغير ذلك.
تلك الجوائز زادت من إقبال الأدباء والروائيين على تقديم جهود أكبر في نتاجهم الأدبي، وشجعت العاملين في المجالات الثقافية على تحسين أعمالهم بأفضل ما يكون، خاصة بوجود من يقيم هذا الجهد الإبداعي والخلاق.
ولعل من أهم الجوائز التي بات لها صداها في العالم “جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي”، التي تأسست منذ خمس سنوات تقريباً.
وكانت الترجمة على مر العصور في العالم الإسلامي نافذة لنقل المعرفة من العربية إلى اللغات الأخرى والعكس، خصوصاً مع بدايتها في بيت الحكمة ببغداد واستمرارها فيما بعد بالقاهرة وصولاً إلى الأندلس.
مواصلة حضارية
واستكمالاً لتلك الحقب الغابرة من تاريخ العرب والمسلمين، تأسست جائزة الشيخ حمد للترجمة عام 2015 في العاصمة القطرية الدوحة، بالتعاون مع منتدى العلاقات العربية والدولية، لتكون جائزة عالمية يشرف عليها مجلس أمناء مستقل، ولجان تحكيم محايدة، ولجنة تسيير احترافية تشكلت لهذا الغرض.
وتقدم إدارتها مجموع جوائز يقدر بمليونَي دولار سنوياً، تتوزع على ثلاث فئات؛ الأولى: جوائز الترجمة في اللغتين الرئيسيتين (الكتب المفردة)، وتشمل الترجمة من العربية إلى الإنجليزية والعكس، ومن العربية إلى لغة أجنبية أخرى والعكس، بواقع 200 ألف دولار لكل جائزة من الجوائز الأربع، وتليها جائزة الإنجاز في اللغتين الرئيسيتين بواقع 200 ألف دولار لكل فائز.
كما تمنح كذلك جائزة الإنجاز في اللغات الخمس المختارة، وتشمل الترجمة بين كل من اللغات العربية والبشتو والبنغالية والسويدية والكورية والهاوسا، والعكس، بواقع 100 ألف دولار لكل جائزة من الجوائز العشر ضمن هذه الفئة.
وتطورت الجائزة على مدار السنوات الثلاث الماضية، حيث اتسعت عام 2017 لتضم جائزة الإنجاز في خمس لغات تختار في كل عام، وذلك تقديراً لإنجازات الترجمة من اللغة العربية وإليها في اللغات الخمس التي تم اختيارها.
وأخيراً جائزة التفاهم الدولي، وتمنح تقديراً لأعمال قام بها فرد أو مؤسسة، وأسهمت في بناء ثقافة السلام وإشاعة التفاهم الدولي.
ويتكون مجلس أمناء الجائزة من خمسة إلى عشرة أعضاء، يُختارون من جنسيات متعددة لمدة سنتين قابلتين للتجديد، ويقدم المجلس النصح والمشورة، ويسهم في اختيار اللغات الأجنبية المخصصة للجائزة كل عام، ويشارك في تقويم الأداء الإداري والعلمي للجائزة.
وتشرف لجنة التسيير على أعمال الجائزة المتنوعة وتضمن شفافيتها، منظمة للفصل التام بين عمليات الإدارة وبين اختيار الأعمال المرشحة وتحكيمها ومنحها الجوائز، ولا يحق لأي من أعضاء مجلس الأمناء أو لجان التحكيم أو لجنة التسيير الترشح للجائزة.
كما تمنح الجوائز تبعاً لتوصيات لجان تحكيم دولية مستقلة تختارها لجنة تسيير الجائزة بالتشاور مع مجلس الأمناء، ويمكن زيادة أو إنقاص عدد أعضاء كل لجنة حسب الحاجة، أو الاستعانة بمحكمين ذوي اختصاصات محددة لتقييم الأعمال في مجالات اختصاصاتهم.
وأخذت الجائزة على عاتقها منذ موسمها الأول تشجيع الترجمة من اللغة العربية وإليها بأكثر من لغة، معتمدة لغة عالمية كل عام إلى جانب اللغة الإنجليزية، فاختيرت اللغة التركية في العام الأول ثم الإسبانية في العام الثاني، والفرنسية في العام الثالث، والألمانية للموسم الرابع، واختيرت الروسية للموسم الخامس.
وفتحت الجائزة باب الترشح لموسم 2020 ابتداء من 15 فبراير 2020، وحتى 15 أغسطس من العام نفسه (تم تمديده بعد وباء كورونا)، وقد وجهت الجائزة اهتمامها هذا العام إلى اختيار اللغة الفارسية كلغة رئيسية ثانية إلى جانب الإنجليزية.
وتسعى قطر من خلال هذه الجائزة العالمية لتقريب ثقافات البلدان العربية والإسلامية من ثقافات البلدان الأخرى في العالم، وتناقل المعارف الإنسانية فيما بينها.
الترجمة في زمن كورونا
ولم تمنع أزمة وباء كورونا المستجد المتفشي في أنحاء العالم إدارة الجائزة من تنظيم ندوة افتراضية؛ استعرضت خلالها تجارب مجموعة من الفائزين في النسخ الخمس الماضية من الجائزة.
ويبرز التنوع الدولي الواسع بين المشاركين بالندوة، التي عقدت في (11 يونيو 2020)، حيث شاركت “إخلاص القنانوة من الأردن، وجمال شحيد من سوريا، ومايكل كوبرسون من الولايات المتحدة الأمريكية، ومحمد جليك من تركيا، فيما انضم أيضاً شوي تشينغ قوه من الصين، ومعاوية عبد المجيد من فرنسا، وحسن حلمي من المغرب”.
وبحثت الندوة مواضيع مختلفة قدمها الفائزون، مثل “الترجمة بين الشغف الذاتي والرسالة الإنسانية، بالإضافة لمسؤولية المؤسسات العلمية تجاه العمل المترجم، وقيمة الفوز بجائزة عالمية، وكذلك معايير وصعوبات اختيار الكتاب المترجم، والأثر المتصل بمسيرة المترجم العلمية، وصولاً إلى الأثر المعنوي لزيادة الإنتاج الفكري”.
المترجم معاوية عبد المجيد، وأحد الفائزين السابقين بجائزة حمد للترجمة، قال لـ “الخليج أونلاين”: إن “الترجمة في العالم العربي ضعيفة وتحتاج إلى روية في اختيار المترجمين وتدريبهم قبل ذلك، وإعدادهم من قبل أساتذة متمكنين؛ تلزمنا النية لفعل ذلك”.
وبيّن عبد المجيد أن الترجمة من الناحية الشكلية “لا بد أن تكون لغتها سلسة بعيدة عن النحت والتقعير اللغوي، وأن تكون قريبة من القارئ بعيداً عن المطبات اللغوية، وينبغي أن تكون اللغة مفهومة للقارئ المبتدئ، وأن يراعي المترجم كل مستويات القراء”.
أما من ناحية المضمون فأوضح: “نسعى دائماً لترجمة كتب تحمل بين طياتها موضوعات مشتركة، وذلك لتناقل التجربة الإنسانية لمواجهة أزمات سياسية واجتماعية وثقافية، وإعطاء فرصة للقارئ العربي لكي يخوض تجربة التأمل الفرداني، لقراءة هذه الأزمات والاطلاع على التجارب الإنسانية الأخرى”، لافتاً إلى أن هناك أنواعاً من الكتب المترجمة تكون معتمدة على الذائقة والمتعة شرط أن تكون راقية ودسمة، وهذه المعايير تؤثر في الكتاب المترجم وشعبيته”.
وحول جديده القادم قال المترجم السوري: “سأتفرغ في عام 2021 لترجمة بقية روايات الكاتب الإسباني كارلوس زافون التي لم تنقل بعد إلى العربية، وقد تصدر رواياته الأخرى تباعاً مع العام القادم وهي أربع روايات تحمل عناوين ثلاثية الضباب وماريانا”.
وعبد المجيد، أحد أبرز المترجمين في السنوات الأخيرة، حاصل على شهادة الماجستير في الثقافة الأدبية الأوروبية، وله عشرات الترجمات عن الإيطالية من أبرزها “الشعلة الخفيّة للملكة لوانا” لأمبرتو إيكو، و”صديقتي المذهلة” لإيلينا فيرّانتي، و”ابنة البابا” لداريو فو، وغيرها الكثير.
وترجم من الأدب الإسبانيّ رباعيّة “مقبرة الكتب المنسيّة” للكاتب كارلوس زافون: “ظلّ الريح، لعبة الملاك، سجين السماء، متاهة الأرواح”، بالإضافة لقصص الأطفال.
وحاز، إضافة إلى جائزة الشيخ حمد للترجمة عام 2018، الجائزة الدولية “جيراردو دا كريمونا” لتعزيز دور الترجمة في البحر المتوسّط، في دورتها الرابعة، بإيطاليا بذات العام.