لماذا تبيع الحكومة المصرية بعض أصول شركاتها لدول خليجية؟
صفقة تلو الأخرى تعلن عنها الحكومة المصرية لبيع حصص لها في شركات تجارية إلى دول في الخليج، تحيط تفاصيلها السرية، لكن الحكومة تؤكد بها سياستها نحو الاستثمار الأجنبي المباشر، وسط أزمة اقتصادية تفاقمها الديون وانتقادات بالتفريط في أصول وعوائد شركات ناجحة.
فقد أعلنت مصر قبل أيام استحواذ صندوق الاستثمارات السعودي على حصص أقلية مملوكة للدولة المصرية في أربع شركات رائدة ومدرجة بالبورصة بقيمة 1.3 مليار دولار، وأتى ذلك بعد أربعة أشهر من إعلان القاهرة بيع حصص في خمس شركات للصندوق السيادي الإماراتي مقابل 1.8 مليار دولار، وسبقها بيع حصص مصر في شركتين أخريين للصندوق الإماراتي.
وقالت وزيرة التخطيط المصرية، هالة السعيد، في بيان إعلان الصفقة الأخيرة “إنها تأتي وفق أهداف تحقق أعلى استفادة للدولة المصرية وتعظم من استغلال الأصول المملوكة لها وتضمن حقوق الأجيال القادمة”.
- مبادلة الديون بالأصول
ويرى الرئيس السابق لجمعيتي الاستثمار المصرية والعربية، هاني توفيق، أن “البيع كان اضطراريًا للسعودية والإمارات لحاجة مصر إلى تسديد أقساط وفوائد ديونها المستحقة”.
لكن توفيق يشيد في حديث مع بي بي سي، باختيار نوعية الشركات التي يتم بيعها، قائلًا: “لا تندرج ضمن قائمة الشركات الاستراتيجية التي قد تتعلق بالأمن القومي المصري مثل شركات السلاح أو البنى الأساسية”.
ووصل الدين الخارجي لمصر إلى نحو 158 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الحالي، مرتفعًا بنحو 13 مليار دولار خلال ثلاثة أشهر.
وتحتاج مصر إلى نحو 35 مليار دولار لتغطية عجز الحساب الجاري وتسديد فوائد وأقساط الديون خلال العام المالي الجاري 2022/ 2023، وفقا لرئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، فخري الفقي.
ويأتي ذلك في وقت تراجعت فيه موارد النقد الأجنبي من الصادرات والسياحة وخرجت فيه ما تعرف بالأموال الساخنة، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
لكن عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، وليد جاب الله، يختلف مع ذلك ويقول إن السعودية جددت ودائعها لدى مصر، وأودعت خمسة مليار دولار جديدة، ما يعني أن هناك مرونة بين البلدين وأن الصفقات الأخيرة لا تتعلق بالديون وحسب.
- دور القطاع الخاص
ويوضح جاب الله لبي بي سي قائلًا: “الحكومة المصرية تواجه ضغوطًا من مؤسسات اقتصادية دولية للتخلي عن سيطرتها على جانب كبير من النشاط الاقتصادي في مصر”.
وطرحت الحكومة المصرية قبل أشهر مسودة ما سمتها “وثيقة ملكية الدولة” التي تعلن من خلالها التخارج من بعض الأنشطة الاقتصادية في البلاد، وتوسعة دور القطاع الخاص في الناتج الإجمالي القومي.
ويقول الرئيس السابق لمجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية، مدحت نافع، إن الفيصل بين اختيار بيع الأصول لتسديد الديون أو المحافظة عليها لتحقيق العوائد هو حسابات دقيقة لم تعلن وتتعلق بقيمة الأصول والطلب على المنتجات وفرص توسعها المستقبلية وزيادات أسعار الطاقة، بالإضافة إلى إمكانية إيجاد بدائل تسديد أعباء الديون”.
ويوضح نافع لبي بي سي قائلًا: “قد يصبح بذلك البيع أكثر فائدة إذا كانت الظروف لن تصب في صالح مستقبل الشركة، أو نجد أن الديون التي ستسقط أقل بكثير من عوائد الشركة المتوقعة إذا تم الاحتفاظ بها”.
ويلفت نافع إلى أهمية التنوع في الدول التي تبيع إليها الحكومة المصرية حصصها، خشية أن “تتقلب بعض العلاقات مع مصر، أو تمر دول منها بظروف اقتصادية صعبة”.
وتستهدف مصر استثمارات أجنبية بقيمة 10 مليار دولار خلال العام المقبل، في خطة تقوم على جذب عدد من الصناديق السيادية العربية، في الإمارات والسعودية وقطر والبحرين، وجهات أخرى، بحسب وزيرة التخطيط المصرية.
- سياسة الخصخصة
وينتقد المدير السابق لمركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، عبد الخالق فاروق، قلة الشفافية في الإعلان عن تفاصيل الصفقات التي تبين مدى عدالتها، بالإضافة إلى اعتراضه على ما سماها “سياسة تخصيص وبيع ممتلكات الدولة لسداد الديون الممتدة إلى تسعينيات القرن الماضي”.
ويوضح فاروق لبي بي سي أن هناك خيارات أخرى تتمثل في “إعادة تنشيط الشركات الحكومية لزيادة الإنتاج والإيراد، والإصلاح الضريبي، وإعادة النظر في الإنفاق على مشروعات كبرى بلا أولوية”.
وتوسعت مصر خلال السنوات الماضية في بناء المدن الكبرى ومشروعات الطرق والبنى الأساسية، بتكلفة قدرت بأكثر من ستة تريليون جنيه (320 مليار دولار).
- الاستثمار الحقيقي
ويعد نقص الدولار المطلوب في مصر هو عرض لمشكلة أساسية تتمثل في ضعف ما يسمى بالاستثمار الأجنبي والمحلي الحقيقي الذي يعتمد على الزراعة والصناعة والتصدير.
ولطالما تحدث خبراء عن أن ذلك يرجع إلى “البيروقراطية وارتفاع الضرائب وأسعار الطاقة ومنافسة الحكومة للقطاع الخاص”.
ويأتي الإعلان عن الصفقة الأخيرة بين مصر والسعودية، التي شملت شركات أبو قير للأسمدة والكيماويات ومصر لإنتاج الأسمدة والإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع وإي فينانس للاستثمارات المالية والرقمية، في إطار الاتفاق المبرم في يونيو/ حزيران الماضي للتعاون بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي وصندوق مصر السيادي.
وتأسس صندوق مصر السيادي قبل نحو ثلاث سنوات لتنقل إليه ممتلكات الدولة غير المستغلة لتنميتها، وتقدر ممتلكاته الآن بعشرات المليارات من الدولارات.
وتبرم صفقات بيع حصص الحكومة في الشركات في وقت تراجع فيه الاحتياطي النقدي المصري إلى نحو 33 مليار دولار في يونيو/ حزيران الماضي، وتجري مصر مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد، بعد أن اقترضت منه ما يقارب عشرين مليار دولار منذ عام 2016.
ومنذ الإعلان عن هذه الصفقات والجدل الذي امتد إلى مواقع التواصل الاجتماعي لا يتوقف حول ما إذا كان ذلك هو الاستثمار المطلوب الذي يضيف إلى الاقتصاد.
ويتوقف الأمر على مدى الإضافة التي تحققها الصفقات، في زيادة رأس المال مثلًا أو تبني تكنولوجيا أحدث في التشغيل، بحسب خبراء، وهي أمور لم يعلن عنها حتى الآن، بينما يجمعون أن إقامة مشروعات من العدم هو استثمار أكثر جدوى.