النقد القصصي عند الدكتور “محمد مندور” في كتابه “نماذج بشرية”
ينطلق الدكتور (محمد مندور) فى كتابه النقدي الهام (نماذج بشرية): من فكرة المنهج الاستقصائي والتحليلي لعدة نصوص أدبية معروفة ومشهورة للغاية في أفاق الواقع الأدبي العالمي ، وإن كان ذلك النقد والتحليل يحمل قاسم مشترك في توضيح وتحليل هذه النصوص الأدبية الرفيعة المستوى والقيمة.
حيث يبدأ الكتاب بإهداء إلى زوجته الأديبة التي تجيد النثر والشعر لما يحمل لها كاتبنا الكثير من المحبة والوفاء والثقة الشديدة بذوقها الأدبي الذي أدركه ، وهي لا تزال بعد طالبة بكلية الأداب، فقد كان هذا الذوق دائما خير عون له ؛ وقد تناولت الزوجة الوفية والمثقفة النماذج بالمراجعة قبل جمعها في الكتاب الحالي الذي نشر عن (دار المعرفة).
وقد تم إعادة طبع الكتاب بعد أن نفذت الطبعتان الأولى والثانية منه، وهذه الطبعة الجديدة ضم إليها المؤلف نماذج جديدة ؛وقد أصبح ناقدنا الكبير (د. محمد مندور) بفضل كفاحه المستمر، وإخلاصه لرسالته من أبرز أعلام الفكر، والأدب، والنقد، في عالمنا العربي كله.
يبدأ الكتاب بمقدمة السيدة (ملك عبد العزيز) زوجته ؛ وهي تقدم مقدمة ثرية ونافذة عن مدى قيمة وأهمية الكتاب حيث تشير: أن مؤلف نماذج بشرية قد درس جملة من عيون الأدب الغربي. حيث رسم لنا أوضح شخصياتها كما رسبت بنفسه وحدثنا عن أسرارها ، كما أوحت بها إليه؛ فنماذج بشرية تحتوي على دراسة شاملة يحيط فيها المؤلف بتاريخ الكتاب ، وبملابسات ما كتبوا من الأراء المختلفة في فهم شخصياتهم والحكم عليها.
فهو مخلص لنماذجه يتابعها جزءً، أو جزئين، أو ثلاثة ؛ كفاوست، وقصة وإثنتين كفيجارو، بل ينتقل معها قرونا كأوليس، يعاصر هوميروس في القرن التاسع ق.م. ثم سوفوكل في الخامس ق.م. ثم ننيسون، وجويس في العصور الحديثة، فهو عالم بها ملم بأطوارها إلى حد كبير.
هذا الكتاب: نماذج بشرية، للدكتور/ محمد مندور يتضمن في طبعته الثالثة: عدد من النماذج التي يتسلل فيها المؤلف إلى نفوس نماذجه؛ من خلال أنفسها ومن خلال خالقيها، ويعرض مختلف الأراء فيها لينفذ إلى ما يراه الحق، وليصورها في الصورة التي أوحت بها إليه.
مثل حكاية البطل جفروش في رائعة فيكتورهوجو (البؤساء) ؛ وقد تناول في جملة ما تناول روايتي (إبراهيم الكاتب) أيضا، ومسرحية الكاتب الإيطالي بيراندللو في (ستة شخصيات تبحث عن مؤلف) يبرزها للوجود ، وهذا هو معنى الخلق في الأدب، وكم من شخصية لا تزال غامضة حائرة ، حتى يتاح لها مؤلف يجمع أشتاتها ويوضح معالمها.
فإذا هي أبقى على الزمن من البشر، مثال نماذج عديدة في الأدب لازالت حية نابضة بمخزونها الأسطوري والفلسفي والمعرفي، ك: الملك لير، وهاملت ، ودون كيشوت، وأوليس…إلخ.
تلك النماذج التي يقدمها (مندور)؛ ليستخرج منها المعاني والقيم والأفكار التي هي من خلق الأدباء والمفكرين. تكاد تصنع دليلاً يقدمه لنا مفكرنا الكبير؛ ليشرح تاريخ تطور العقل والفكر الإنساني من اليونان القديمة حتى الأداب الحديثة .
هدى توفيق
14/10/ 2015م