منبرُنا

المال وحده كفيل بتحقيق السعادة القصوى

يعتقد كثير من الناس أن المال وحده كفيل بتحقيق السعادة القصوى، فيما يعتقد البعض الآخر أن السعادة التي يحققها المال؛ سعادة لحظية نسبية.

فإلى أي حد يمكن ربط المال بالسعادة؟

وهل هناك أوجه أخرى للسعادة أكثر رحابة؟

صحيح أن المال سبيل لتحقيق نوع من السعادة؛ لأن بواسطته نستطيع إشباع حاجيات الجسم من مأكل ومشرب وملبس ومركب ومسكن. وتعديها إلى الانغماس في الكماليات وتوفير كل سبل الراحة المادية؛ من سفر وسياحة واستجمام ورفاهية وملذات. إلا أن كل هذه الحاجيات لا تعدو كونها جزءا من السعادة؛ إنها سعادة نسبية وليست السعادةَ كلَّها، إذ السعادة أعم وأشمل وأوسع. فالسعادة عند المريض شفاؤه من سقمه.

فكم من غني لم يغن عنه ماله من سقمه شيئا ولم يشتر له علاجه ولم يردَّ عليه صحتَه. وقس على ذلك..، فالسعادة عند السجين أن ينال حريته، والطالب بأن يظفر بالنجاح ويُحصّل أعلى الدرجات، والعاطل لبُّ سعادته في عمل يستر فاقتَه، ويملأ وقته، ويحجب ألسنة الناس عنه. والمتشرد المتخلى عنه؛ سعادته في مأوى يأويه من برد الليل وحر النهار. وسعادة الجائع؛  في لقمة يقذفها في جوفه يسد بها رمَقَه، ويسكن بها جوعتَه.

شأن الخائف الذي أقصى أمانيه أن ينال مأمنه، ويطمئن قلبُه، ويسكن خلعُه. ومنه؛ فإن سعادة المال سعادة لحظية تنتهي بإشباع الغرائز. وقد تنقلب هذه السعادةُ إلى تعاسة أو هلاك إذا لم يضبطها ضابط الوعي. ونلمح هذا أكثرَ ما نلمحه في الآفات التي يُفضي إليها المالُ، من قلق دائم  من فقدان المال، وآفة الملل التي تعقب الاكتفاء التام.

وبالتالي فإن سعادة المال مقيدة، لحظية، وغير ممتدة. وللسعادة أوجه أخرى كثيرة لا علاقة للمال بها. وهي تلك التي ندركها بالقناعة والرضا الدائمين، وتكبر هذه السعادة وتثمر كلما استطعنا إيصالها إلى الآخرين.  فإسعاد الناس جزء من سعادة الفرد، حيث يتم تجاوز المفهوم الضيق للسعادة والمرتبط بإشباع متطلبات النفس إلى العمل على إسعاد الآخرين من خلال خدمتهم وتقديم المساعدة لهم معنويا.

إن مساعدة الناس وتسهيل سبل عيشهم ورفع الأذى عنهم لهو أرقى نماذج السعادة؛ ممتدة الأثر عبر الأزمان. ولنا في التاريخ نماذج خالدة لأناس قدموا خدمة الناس على خدمة جيوبهم،  واستحقوا سعادة الدنيا والآخرة وخلدوا أسماءهم في صفحات التاريخ المشرف.

فهذا ( سُولك) مخترع لقاح شلل الأطفال، رفض تسجيل براءة اختراعه وجني الملايين، وآثر جعل اللقاح متاحا للبشرية بالمجان، على أن يبيعه فيغتني منه وتغتني معه شركات الأدوية،  ويعاني بعد ذلك فقراء العالم للحصول عليه، فسعد هو بسعادة الأجيال التي تنشأ بفضل اكتشافه العظيم.

إن كبح غرائز الجسم وملذاته،  وإشباع فضول العقل ونهم الفكر وجوع المعرفة لهو السعادة بعينها، سعادة ترفع الإنسان من دركات الغرائز ووحول الشهوات والارتقاء في درجات الوعي والسمو بالنفس نحو بلوغ مراتب الحكمة. قال تعالى: ” ومن يُؤت الحكمةَ فقد أوتي خيرا كثيرا”. سورة البقرة 269.

ماي ميلي

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى