لسانيات

“تشومسكي” .. مسيرة علمية حافلة

بدأ تشومسكي دراسة الفلسفة واللسانيات في جامعة بنسيلفينيا في عام 1945 بعد تخرجه من مدرسة سنترال الثانوية في فيلادلفيا. وقد حضر هناك دروس متعددة لفلاسفة مثل “وست تشرجمان” و”نيلسون قودمان” وأستاد اللسانيات “زيليج هاريس“.


ومن خلال دراسته لدى هاريس اكتشف التحولات كتحليل رياضي لبنية اللغة (حيث تكون المخططات من جهة فرعية واحدة إلى أخرى في نفس المجموعة من الجمل). وأشار تشومسكي لقواعد الصيغ الصرفية في أطروحته للماجستير في عام 1951 بعنوان “الصيغ الصرفية في العبرية” حول التحولات تبعاً لمفهوم كارناب لقواعد التحولات في عام 1938 مقابل قواعد التكوين

وتبعاً لذلك إعادة تفسير مفهوم التحولات النحوية بطريقة مختلفة عن هاريس حين تكون عمليات الإنتاج في النحو المستقل context – free grammer المستمدة من أنظمة بوست للإنتاج.


وكان لآفكار هاريس السياسية دور فعال في تشكيل آراء تشومسكي. حصل تشومسكي على درجة البكالوريس في عام 1949 والماجستير في عام 1951.


وخلال زياراته لمدينة نيويورك كان تشومسكي يتردد لمكتب الصحيفة الأناركية للغة اليديشية Freie Arbeiter Stimme ليصبح مفتوناً بأحد مساهميها وهو النقابي الأناركي لرودولف روكر (1873-1958).

ولاحظ تشومسكي لاحقاً أن أعمال روكر هي من هدته بداية إلى الصلة بين الأناركية والليبرالية الكلاسيكية والتي قام بالتعمق فيها أكثر بعد ذلك.


ومن المفكرين السياسين الذين قرأ لهم تشومسكي في تلك الفترة دياغو دي اباد سانتيلان والديموقراطي الاشتراكي جورج أورويل وبرتراند راسل ودويت ماكدونالد وأعمال أخرى من كتاب غير ماركسيين مثل كارل ليبكنشت وكارل كورش وروزا لوكسمبورغ.


وكان لقراءاته دور في اقتناعه بالمجتمع الأناركي النقابي حيث أصبح مبهوراً بتلك الجماعات التي أُنشئت خلال الحرب الأهلية الأسبانية والتي تم توثيقها في كتاب أورويل تحية إلى كاتلونيا (1938).


وأصبح قارئاً متعطشاً لمجلة “السياسة” اليسارية والتي نشرت من قبل ماكدونالد من 1944 حتى 1949. وعلى الرغم أنها في بدايتها كانت ملتزمة بالآراء الماركسية إلا أنها في عام 1946 تخلت عن هذا الاتجاه. وأوضح تشومسكي لاحقاً أن تلك الصحيفة أجابت وطورت اهتمامه فيما يختص بالأناركية.


وفي العشرينات، أصبح تشومسكي قارئاً لدورية “Living Marxism (الماركسية الحية)” والتي نُشرت في شيكاغو من قبل المفكر الماركسي بول ماتيك (1904-1981). وتقيم المجلة بشكل ناقد الوضع في الاتحاد السوفيتي في وقت جوزيف ستالين وتطورات الحرب العالمية الثانية.


وبالرغم من رفضه لأساس نظرياتها الماركسية إلا أن تشومسكي تأثر بشدة بالحركة الشيوعية بعد قراءته لمقالات انتوني بانيكوك وكارل كورش في “Living Marxism (الماركسية الحية)”.


عرف تشومسكي ماتيك شخصياً ولكنه وصفه لاحقاً بأنه ” ماركسي أرثوذكسي جداً بالنسبة لي”. وكان له اهتمام كبير بالنظريات السياسية حول “المارلينيتس” وهم مجموعة غامضة من الماركسين المعارضين الستالينية بقيادة جورج سبيرو والذي وحدها تحت الرابطة اللينينية.


وقد زعم المارلينتين بأن الحرب العالمية الثانية كانت “زائفة” لأنه كان ورائها الرأسماليين الغربيين ورأسماليي الدولة الذين كانوا يحكمون الاتحاد السوفيتي لسحق الطبقة العاملة في أوروبا، وهي وجهة نظر وافقها تشومسكي.


دخل تشومسكي في علاقة عاطفية مع زميلته كارول دوريس كاتس وهي طالبة في مدرسة بإسرائيل والذي كان على معرفة بها منذ كانوا صغاراً وتزوجها في عام 1949. وبقيا متزوجين لمدة 59 عاماً حتى توفت جراء مرض السرطان في ديسمبر 2008. ورزق الزوجان بإبنتان وهما أفيفا (1957) ودايان (1960) إضافة إلى ابن يدعى هاري (1967).


وعاش تشومسكي مع زوجته في هازورا، كيبوتس في إسرائيل خلال عام 1953. وحين سُئل إذا ماكان قد أصيب بالخيبة خلال بقائه هناك أجاب تشومسكي “كلا. فقد أحببتها، ولكني لم أستطع تحمل الجو الأيدولوجي هناك والحماسة القومية” وخاصة وأن ستالين في بداية الخمسينات كان يدافع عنه من خلال العديد من أعضاء كيبتز ذو الميول اليسارية والذين اختاروا أن يرسموا صورة وردية من التوقعات المستقبلية والواقع المعاصر في الاتحاد السوفيتي.


وذكر تشومسكي أنه رأى العديد من العناصر الإيجابية في مجتمع كيبتز حيث كان الآباء والأطفال يعيشون سوية في منازل منفصلة، وحين سُئل فيما إذا كان هناك “دروس من الممكن لنا أن نتعلمها من تاريخ كيبتز” أجاب “في بعض النواحي فستجد أنهم كانوا أقرب للأناركية المثالية أكثر من أي محاولة أخرى لم تستمر لأكثر من لحظات قبل أن تتدمر وفي تلك النواحي، فقد كانوا جذابين وناجحين للغاية ولو صرفنا النظر عن الحوادث الشخصية فلربما كنت سأعيش هناك .. إلى متى؟ من الصعب تخمين ذلك.”


ومُنح تشومسكي درجة الدكتوراة في اللغويات من جامعة بنسيلفينيا في عام 1955. وقد أدار جزءاً من أبحاثه خلال الأربع سنوات في جامعة هارفارد كزميل في الجامعة. وفي أطروحته بالدكتوراة طور تشومسكي بعضاً من أفكاره اللغوية وتوسع بها في كتابه الذي صدر عام 1957 بعنوان “التراكيب النحوية” والذي يعد من أشهر كتبه في مجال اللغويات.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى