الدراسات الثقافية

“القُليعة” مدينة “المُوريسكيّين” في الجزائر

كان قدَر مدينة القُليعة، الواقعة وسط الجزائر، أن تستقبل أفواجا من الفارّين من إسبانيا منتصف القرن الـ16 ميلادي، بعد سقوط غرناطة، وهم الذين عُرفوا تاريخيا بـ”الموريسكيّين”، هؤلاء المهاجرون كانت لهم بصمتهم الخاصة على مدينة حملوا إليها أشواقهم.


في كتابه “الشتات الأندلسي في الجزائر والعالم”، يروي الباحث والصحفي الجزائري فوزي سعد الله، قصة هؤلاء، ويذكر أن القُليعة في تلك الأيام كانت أرضا بلا إسم، تُطل على ضفاف وادي ماء زعفران قرب مدينة البُليدة (40 كلم غرب العاصمة).

  • 300 عائلة موريسكية

وحسب سعد الله فإنّ الموريسكيّين أطلقوا على مَهجرهم الجديد اسم القُليعة، و”يعود سبب التسمية إلى النزعة الأندلُسية في تصغير أسماء الأشياء”، فاسم المدينة هو تصغير لكلمة القلعة.

قُدّر عدد الوافدين إلى القليعة بحولي 300 عائلة، استنادا إلى المؤرخ الإسباني لويس مارمول كاربخال، الذي عاصر فترة الهجرة الموريسكية، ثم ارتفع هذا العدد بمرور السنين.

غلاف كتاب "الشتات الأندلسي في الجزائر والعالم"
غلاف كتاب “الشتات الأندلسي في الجزائر والعالم”

غلاف كتاب “الشتات الأندلسي في الجزائر والعالم”

​​وكتب المؤرخ المذكور عن القُلَيْعَة قائلا “إنها مدينة بناها حسن باشا منذ فترة قصيرة (…) على ضفاف الوادي “أَزَفْرَانْ” (أيْ ماء الزَّعْفَرَانْ وتحيط بضفاف هذا الوادي غابات من أشجارِ مختلفِ الفواكه والتوت. ويوجد في البلدة أكثر من 300 ساكن (أو 300 عائلة؟ من مُدَجَّني قشتالة وإقليم الأندلس وثغريِّي مملكة بلنسية، وتتزايد أعداد سكان هذه المستوطنة يوما بعد يوم” .


  • نُسخة أندلسية

بنى الموريسكيون القُليعة وحولوها إلى “حاضرة مزدهرة اقتصاديا بصنائعها وحِرَفها وزراعتها الوفيرة وبنسيجها العمراني المستوحَى من النماذج التي تعلّمها وكبر في أحضانها هؤلاء المدجّنون، الذين كان الشوق يعتصرهم لديارهم البلنسية والقشتالية في فردوسهم المفقود فأعادوا إنتاج أجوائها في مهجرهم الجزائري القُلَيْعِي”.

حصن بناه الأندلسيون في مدينة القلية
حصن بناه الأندلسيون في مدينة القلية

حصن بناه الأندلسيون في مدينة القلية

​​ويكشف الباحث فوزي سعد الله أن المدينة صار فيها 5 آلاف بيت وأكثر من 30 ألف نسمة، مع بداية القرن 17م “استفادت السلطات المركزية في مدينة الجزائر من نمو وازدهار هذه المدينة الأندلسية الموريسكية الحليفة، لأنها أصبحتْ مركزا متقدما لـ: “دار السلطان” (العثمانيون)، يساعد على فرض الطاعة على بعض قبائل المنطقة التي بقيتْ متمردة نسبيا في جبال الشَّنْوَة والتي كثيرا ما دَخَلَتْ في نزاعات وتوترات مع أندلسيي القليعة منذ بدايات استقرارهم في المنطقة “.


  • عطرٌ إيبيري

تتنفّس القليعة عطر شبه الجزيرة الإيبيرية، وفق كتاب “الشتات الأندلسي في الجزائر والعالم”، حيث يقول سعد الله “ما زال عطر الأندلس منبعثا في هذه البلدة الموريسكية من خلال هندسة الديار القليعية العتيقة الإيبيرية الروح، الشبيهة بديار وقصور قَصَبَات الجزائر وقسنطينة وشرشال وتلمسان بأفنيتها وشبابيكها وأبوابها.. المستنسَخة تقريبا من ديار وقصور إشبيلية وقرطبة وغرناطة وبلنسية”.

​​​​ويضيف سعد الله، متحدّثا عن المدينة “ينبعث هذا العطر الإيبيري أيضا من ضيعاتها وجنانها ومن العادات والتقاليد والطُّقوس الاجتماعية العريقة التي أتى بها اللاجئون الرُّواد والتي تبرز في أساليب الاحتفال بالمولد النبوي والأعهياد الدينية، وفي فنون الطبخ والحلويات المحشوة باللوز والجوز وتلك التي تُسْقَى بالعسل، وفي الصناعات اليدوية، وكذلك في أساليب الطَّرز والنشاطات العائلية المنزلية وفي إدارة شؤون البيت.. والتي ما زالت الأُسَر المنحدرة من الأندلس في القليعة شديدة التمسك بها والحرص على إدامتها عبْر الأجيال إلى اليوم”.


المصدر: أصوات مغاربية

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى