الدراسات الأدبية

البنيوية – Structuralism

البنيوية أساسا منهج بحث مستخدم في عدة تخصصات علمية تقوم على دراسة العلاقات المتبادلة بين العناصر الأساسية المكونة لبنى يمكن أن تكون: عقلية مجردة، لغوية، اجتماعية، ثقافية. وبالتالي فإن البنيوية تصف مجموعة نظريات مطبقة في علوم ومجالات مختلفة مثل الإنسانيات والعلوم الاجتماعية والاقتصاد.

 لكن ما يجمع جميع هذه النظريات هو تأكيدها على أن العلاقات البنيوية بين المصطلحات تختلف حسب اللغة/الثقافة وأن هذه العلاقات البنيوية بين المكونات والاصطلاحات يمكن كشفها ودراستها.

وبالتالي تصبح البنيوية مقاربة أو طريقة (منهج) ضمن التخصصات الأكاديمية بشكل عام يستكشف العلاقات الداخلية للعناصر الأساسية في اللغة، أو الأدب، أوالحقول المختلفة للثقافة بشكل خاص مما يجعلها على صلة وثيقة بالنقد الأدبي وعلم الإنسان الذي يعنى بدراسة الثقافات المختلفة.


تتضمن دراسات البنيوية محاولات مستمرة لتركيب “شبكات بنيوية” أو بنى اجتماعية أو لغوية أو عقلية عليا. من خلال هذه الشبكات البنيوية يتم إنتاج ما يسمى “المعنى” (meaning) من خلال شخص معين أو نظام معين أو ثقافة معينة. يمكن اعتبار البنيوية كاختصاص أكاديمي أو مدرسة فلسفية بدأت حوالي 1958 وبلغت ذروتها في الستينات والسبعينات.


  • تاريخ البنيوية

برزت البنيوية في بدايتها في مطلع القرن التاسع عشر ضمن حقل علم النفس، لكن نجمها سطع فعلا في منتصف القرن العشرين حين لاقت شعبية منقطعة النظير مخترقة جميع أنواع العلوم والتخصصات. ظهرت البنيوية كمنهج ومذهب فكري على أنها ردة فعل على الوضع (الذري) (من ذرة: أصغر أجزاء المادة) الذي ساد العالم الغربي في بداية القرن العشرين، وهو وضع تغذى من وأنعكس على تشظي المعرفة وتفرعها إلى تخصصات دقيقة متعددة.

تم عزلها بعضها عن بعض لتجسد من ثم (إن لم تغذ) مقولة الوجوديين حول عزلة الإنسان وانفصامه عن واقعه والعالم من حوله، وشعوره بالإحباط والضياع والعبثية، ولذلك ظهرت الأصوات التي تنادي بالنظام الكلي المتكامل والمتناسق الذي يوحد ويربط العلوم بعضها ببعض، ومن ثم يفسر العالم والوجود ويجعله مرة أخرى بيئة مناسبة للإنسان.


ولا شك أن هذا المطلب مطلب (عقدي) إيماني، إذ أن الإنسان بطبعه بحاجة إلى (الإيمان). ولم يشبع هذه الرغبة ما كان وما زال سائدا من المعتقدات الأيديولوجية، خاصة الماركسية والنظرية النفسية الفرويدية، فقد افتقرت مثل تلك المذاهب إلى الشمول الكافي لتفسير الظواهر عامة.

وكذلك إلى (العلمية) المقنعة، ظهرت البنيوية (ولعلها ما زالت) كمنهجية لها إيحاءاتها الإيديولوجية بما أنها تسعى لأن تكون منهجية شاملة توحد جميع العلوم في نظام إيماني جديد من شأنه أن يفسر علميا الظواهر الإنسانية كافة، علمية كانت أو غير علمية. من هنا كان للبنيوية أن ترتكز مرتكزا معرفيا (إبستيمولوجيا).


فاستحوذت علاقة الذات الإنسانية بلغتها وبالكون من حولها على اهتمام الطرح البنيوي في عموم مجالات المعرفة: الفيزياء، والرياضيات، والانثروبولوجيا، وعلم الاجتماع، والفلسفة والأدب. وركزت المعرفة البنيوية على كون (العالم) حقيقة واقعة يمكن للإنسان إدراكها.

ولذلك توجهت البنيوية توجها شموليا إدماجيا يعالج العالم بأكمله بما فيه الإنسان. أبرز من عمل ضمن اطارها وعمل على تطويرها: فريديناند دي سوسير وكلود ليفي شتراوس.


  • مفاهيم البنيوية:

تستند البنيوية إلى مجموعة من المصطلحات والمفاهيم الإجرائية في عملية الوصف والملاحظة والتحليل وهي أساسية في تفكيك النص وتركيبه كالنسق والنظام والبنية والداخل والعناصر والشبكة والعلاقات والثنائيات وفكرة المستويات وبنية التعارض والاختلاف والمحايثة والسانكرونية والدياكرونية والدال والمدلول والمحور التركيبي والمحور الدلالي والمجاورة والاستبدال والفونيم والمورفيم والمونيم والتفاعل، والتقرير والإيحاء، والتمفصل المزدوج.

وهذه المفاهيم ستشتغل عليها فيما بعد كثير من المناهج النقدية ولاسيما السيميوطيقا الأدبية والأنتروبولوجيا والتفكيكية والتداوليات وجمالية القراءة والأسلوبية والموضوعاتية.


  • أنواع البنيوية:

إذا تأملنا البنيوية جيدا وبعمق دقيق باعتبارها مقاربة ومنهجا وتصورا فإننا سنجد بنيويات عدة وليس بنيوية واحدة: فهناك البنيوية اللسانية مع دوسوسور ومارتنيه وهلمسليف وجاكبسون وتروبوتسكوي وهاريس وهوكيت وبلومفيلد.، والبنيوية السردية Narratologie مع رولان بارت وكلود بريمون وجيرار جنيت.

والبنيوية الأسلوبية stylistique مع ريفاتير وليو سبيتزر وماروزو وبيير غيرو، وبنيوية الشعر مع جان كوهن ومولينو وجوليا كريستيفا ولوتمان.، والبنيوية الدراماتورجية أو المسرحية Dramaturgie مع هيلبو. أو البنيوية السينمائية مع كريستيان ميتز.،

والبنيوية السيميوطيقية مع غريماس وفيليب هامون وجوزيف كورتيس.، والبنيوية النفسية مع جاك لاكان وشارل مورون، والبنيوية الأنتروبولوجية خاصة مع زعيمها كلود ليڤي شتراوس الفرنسي وفلاديمير بروب الروسي، والبنيوية الفلسفية مع جان بياجيه وميشيل فوكو وجاك دريدا ولوي ألتوسير.


  • البنيوية التكوينية (Genetie Structuralism)

 البنيوية التكوينية، أو التوليدية، فرع من فروع البنيوية نشأ استجابة لسعي بعض المفكرين والنقاد الماركسيين للتوفيق بين طروحات البنيوية، في صيغتها الشكلانية، وأسس الفكر الماركسي أو الجدلي، كما يسمى أحيانا، في تركيزه على التفسير المادي الواقعي للفكر والثقافة عموما.

أسهم عدد من المفكرين في صياغة هذا الاتجاه منهم المجري جورج لوكاش، والفرنسي بيير بورديو. غير أن المفكر الأكثر إسهاما من غيره في تلك الصياغة هو الفرنسي الروماني الأصل لوسيان غولدمان.

وكانت طروحات غولدمان نابعة وبشكل أكثر وضوحا من طروحات المفكر والناقد المجري جورج لوكاش الذي طور النظرية النقدية الماركسية باتجاهات سمحت لتيار كالبنيوية التكوينية بالظهور وعلى النحو الذي ظهرت به، في الوقت الذي أفاد فيه أيضا من دراسات عالم النفس السويسري جان بياجيه.


وقد أشار غولدمان إلى تأثير بياجيه تحديدا في استعماله لمصطلح (البنيوية التكوينية): (لقد عرفنا أيضا العلوم الإنسانية الوضعية، وبتحديد أكثر المنهج الماركسي بتعبير مماثل تقريبا (استعرناه، علاوة على ذلك، من جان بياجيه)، هو البنيوية التكوينية.

بالعربيّة

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى