ليلة سقوط العدالة والتنمية !!
بالقدر الذي كانت فيه النتائج التي حققها حزب العدالة والتنمية في الاستحقاق الانتخابي لسنة 2016 مفاجئة للحزب وخصومه، حيث تمكن من تصدر المشهد بعدد مقاعد في البرلمان لم يسبقه إليه سابق ومن تسيير معظم المدن الكبرى، كانت نتائجه في اقتراع يوم 8 أيلول (سبتمبر) الحالي مفاجأة مدوية لم يكن أحد يتخيل حجم فداحتها.
فأن يفقد الحزب مهمة تسيير المدن الرئيسية، وقبلها أكثر من مائة مقعد بالبرلمان، حيث جاء متذيلا لترتيب الأحزاب “الكبرى” بإثني عشر مقعدا يتيما لا تسمح له بتكوين فريق برلماني، صدمة حقيقية وزلزال سياسي. فلا استخدام المال ولا تدخل السلطة ولا ترهيب الناخبين والمرشحين ولا العقاب الانتخابي ولا التزوير نفسه ولا أية ادعاءات أو تبريرات أخرى يمكنها أن تحول حزبا، يفترض أن له امتدادات وجهازا حزبيا قائما على الأرض، من 125 مقعدا إلى دزينة من الممثلين في غرفة البرلمان الأولى.
الخلاصة أن المغرب ودولته العميقة تمكن، مرة أخرى، من تسجيل “الاستثناء” بالتوافق مع التوجه الإقليمي والدولي المعلن في طي صفحة “حكم الإسلاميين” دونما حاجة لانقلاب دموي أو دستوري أو أية أداة خشنة أخرى كالتزوير الفج ولو إلى حين.
لفهم ما وقع لا بد من العودة إلى ما تلا نتائج انتخابات 2016، حيث ارتكب عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة وقتها، المزهو بنتائجه غير المتوقعة، خطأ فادحا بعدم الإسراع بتشكيل الحكومة مع حلفاء أبدوا الرغبة في إنهاء الموضوع، وفضل انتظار “انتخاب” عزيز أخنوش رئيسا لحزب التجمع الوطني للأحرار، ليدخل معه في عملية مد وجزر استمرت شهورا وانتهت بإبعاده وتكليف نائبه في الحزب سعد الدين العثماني.
كانت الفرصة سانحة وقتها لتسجيل موقف تاريخي بالانسحاب إلى المعارضة. لكن مباركته لخليفته أدخلت الحزب في دوامة من الاستنزاف والتوريط الواعي من الدولة وأجهزتها. استنزاف أتى على ما تبقى من رصيد الحزب لدى المواطنين والمتعاطفين والأعضاء العاملين.
لقد كان شعار الحزب محاربة الفساد والتحكم والاستبداد. لكنه تحول مع مرور السنوات إلى “رفيق” درب مهادن لثلاثية ما يسميه الفساد والتحكم والاستبداد، في غياب مرجعية سياسية ومذهبية واضحة تؤطر مساره وتوجه مبادراته وعمله في الميدان.
لم يكن سهلا على “المتصيدين” إحراج الحزب من خلال تعداد وتسريب عددا من الملفات التي “تدين” بعضا من رموزه التي لَانَتْ عزيمتها وانكسر “إيمانها” فسارت في درب البحث عن “الغنيمة”، واعتبرت العمل السياسي غاية ووسيلة للترقي الاجتماعي بعد أن كانت تعتبره وسيلة للضرب على أيدي المفسدين.
ولأن الدعاية الإعلامية، سواء أكانت عن حق أو تقصدا، فعلت فعلتها في صفوف المواطنين والأتباع، فقد كانت سياسة إفراغ “الأطراف” من الوجود الحزبي المؤثر وتقديم المركز/الرباط غاية يبتغيها المناضلون، مساهما رئيسا في أن يكون حجم الرد على التسريبات باهتا إن لم يكن تأثيره سلبيا على الكتلة الناخبة المرهونة للحزب.
نجاح الدولة في خلق أوليغارشية حزبية خائفة من فقدان المنافع، أو ربط قيادات الصف الثاني بالمركز بعيدا عن القواعد الحزبية، أدى في نهاية المطاف إلى غياب الرؤية الناظمة للعمل ومن ثم ترهل الجهاز الحزبي، خصوصا مع تعمق الحاجز الفاصل بين الحزب وذراعه الدعوية، التي لم تسلم بدورها من التشويه والاختراق، ومع أطراف “إسلامية” أخرى كجماعة العدل والإحسان التي كانت تعتبر التصويت على مرشحي الحزب، مع تبني الدعوة للمقاطعة إعلاميا، ضررا أخف من الامتناع الفعلي.
وعندما يفقد الحزب الحبل السري الذي يربطه بالكتلة الناخبة في وقت لا يتمكن فيه من استقطاب ناخبين من أوساط أخرى تصبح الهزيمة قدرا محتوما.
ما حدث في الثامن من أيلول (سبتمب)ر دليل آخر لمن لا يزال في حاجة إلى بيان أن الخارج له تأثير كبير في مجريات الأحداث بالداخل، وأن لا أحد يمكنه السير خارج التوجه الإقليمي والدولي.
سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالرباط هنأت المغرب على “نجاح انتخابات 2021” وأضافت السفارة بالقول: “التزامنا المشترك بالإجراءات الديمقراطية يعزز شراكتنا لـ 200 عام”.
القدر المحتوم ذاك كان وجبة يومية للإعلام الجديد منه والقديم. وهي ساحة فشل الحزب في تدبيرها أو التأثير فيها واستكان لخدمة “وكلاء” في مواقع التواصل الاجتماعي يثرثرون لكنهم لا يصوتون.
وفي ذات الوقت، كان الترويج لخطابات الطمأنة من القيادة نوعا من “التنويم المغناطيسي” حتى اللحظات الأخيرة حين اضطر عبد الإله بنكيران إلى الخروج من “سباته الشتوي” تحت الضغط، حيث بدا باهتا وخارج السياق.
لقد كانت خرجته الفيسبوكية طعنة إضافية في حظوظ الحزب حيث وزع الاتهامات يمينا وشمالا بشكل ما كان يليق برئيس وزراء. في انتخابات 2016، كانت مسيرة “ولد زروال”، التي نظمها حزب الأصالة والمعاصرة ضد بنكيران، وصمة عار يتندر بها المغاربة حتى اليوم.
لكن ضحية الأمس كرر الخطأ نفسه في خرجته الفيسبوكية وقدم غريمه / حليفه عزيز أخنوش بمظهر الضحية الذي لم يسلم من الغدر والطعنات منذ خمس سنوات.
إن محاولة تسويق الهزيمة الساحقة على أنها تدبير سلطوي للدولة مجرد هروب إلى الأمام. فقد امتلك حزب العدالة والتنمية كل أسباب الهزيمة من الداخل بعد عشر سنوات من المشاركة في تدبير الشأن العام. وبعد أن كان الحزب يمارس سياسة التحجيم الذاتي في إطار تفاهمات مسبقة مع السلطة، صار التحجيم داخليا من خلال استبعاد بعض الأسماء وإحجام أخرى قيادية عن الترشح بل عن دعم الحزب والدعوة إلى التصويت لفائدة مرشحيه نكاية في قيادة يمثلها سعد الدين العثماني.
وكم كانت الأنا المتضخمة لدى التيار “المعادي” له في الحزب مؤثرة في دعم عملية التخريب الداخلي. كان أصحاب الدفع إلى التخريب يعتقدون أن الهزيمة مهما عظمت ستبقي على الحزب لاعبا رئيسيا في تشكيل المرحلة القادمة قبل أن يستيقظوا على ما بعض ما جنته أنانيتهم من سقوط.
صحيح أن الدولة لم تكن رحيمة بالحزب لدرجة الإمعان في “إهانته” بتذيل الترتيب. لكن المخزن لا ينسى خدامه وقد تكون الإدارات العمومية والسفارات ملجأ للقيادات التي “تفانت” في الخدمة وأبدعت.
سينفض كثيرون عن الحزب فالسنوات الخمس القادمة عجاف. وسيشمت في قيادته كثيرون من الإخوة في الإقليم وفي المشرق العربي ويقدمون تجربته قربانا لفلسطين بعد أن امتدت يد أمينه العام للتوقيع على إعلان التطبيع مع الاحتلال.
لكن ما حدث في الثامن من أيلول (سبتمبر) دليل آخر لمن لا يزال في حاجة إلى بيان أن الخارج له تأثير كبير في مجريات الأحداث بالداخل، وأن لا أحد يمكنه السير خارج التوجه الإقليمي والدولي.
سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالرباط هنأت المغرب على “نجاح انتخابات 2021” وأضافت السفارة بالقول: “التزامنا المشترك بالإجراءات الديمقراطية يعزز شراكتنا لـ 200 عام”. انتهى الكلام.
طارق أوشن – خاص لصحيفة العربي 21