“الجريمة والعقاب”: عمق النفس البشرية في أوج معاناتها
يُعدّ الأدب الروسي من أغنى أنواع الأدب في تحليل النفس البشرية، ولا سيما في أعمال الكاتب العبقري فيودور دوستويفسكي، الذي قدّم في روايته الخالدة “الجريمة والعقاب“ واحدة من أعظم المحاولات الأدبية لفهم دوافع الإنسان، حين يقف على حافة الأخلاق واليأس والفقر.
في هذه الرواية، نُتابع رحلة راسكولينكوف، الشاب الجامعي الذي يرتكب جريمة قتل بدافع فكري واجتماعي، ظنا أنه “أعلى” من الأخلاق العامة، لكنه ينهار نفسيا تحت وطأة تأنيب الضمير. تسبر الرواية أعماق الاضطراب النفسي، والقلق، والاغتراب، وتطرح تساؤلات فلسفية مريرة عن العدالة، الجريمة، والجزاء.
دوستويفسكي لا يكتفي بسرد قصة، بل يحلل بدقة دهشة دوافع شخصياته كما لو كان يكتب سيرة داخلية لهم. نلمس ذلك في شخصية ميرلادوف الذي يسقط في هاوية الإدمان، وفي سونيا التي تُجبرها الظروف على التضحية بكرامتها من أجل إعالة أسرتها، مما يكشف لنا الجوانب المظلمة للواقع الاقتصادي والسياسي في روسيا القيصرية.
إنها رواية خالدة، لا تفقد معناها مع مرور الزمن، وتجعل القارئ يعيد النظر في مفاهيم الخير والشر والعدالة من جديد.