سينما ومسرح

“إسماعيل ياسين” .. المضحك بأمر السلطة !

لم يكن مشهد النهاية في حياة “إسماعيل ياسين” سارا أو مبهجا أو متوقعا بأي حال، لكن بعد مرور كل هذه السنوات وإعادة قراءة تاريخه وتحولاته نجد أن ما أضرّ “الإنسان” إسماعيل ياسين فعلا هو تحويله من “مونولوجست” إلى “ممثل” ثم “نجم” يتسابق عليه المنتجون بينما لم تكن موهبته تتجاوز موهبة مونولوجست.


واستمر الإيهام بتفاعل سلطة يوليو معه بسلسلة أفلام جعلت منه شخصا مرضيّا عنه، وبالتالي تم الترويج له باعتباره نجم المرحلة. لكن الوعي الشعبي بطبيعة الممثل وانفتاح الجمهور ووعيه في المرحلة التالية وتوقف الدعم من “حكومة يوليو” كشف عن حجم موهبة لا تتجاوز عدة مشاهد في أي عمل درامي.


إنها الأزمة الأبدية لمن تضعهم المصادفات أحيانا في المقدمة لفترة مؤقتة تنتهي فيسقطون حزانى في فخ إحساس الضحية، ويقتاتون ليلهم ونهارهم على مجدهم الضائع بينما لم يكن في حقيقته سوى مصادفة منحتهم مساحات تفوق قدراتهم.

لو فهم إسماعيل ياسين حجم موهبته وقدراته من البداية لاستطاع أن يعيش سعيدا وينهي مشهده الحياتي وهو راض عن نفسه وعن الآخرين، لكن إغراء المال والنجومية كان أقوى منه بكثير.

ويعتقد البعض أن مصادفة لقاء الكبار أو أصحاب السلطة نوع من حسن الحظ لا يلقاه إلا من كتبت له السعادة، لكن الحقيقة التي أكدها تاريخ من التقى بهؤلاء “الكبار” -وخاصة القادة السياسيين- أن من يرتبط بهم يتورط في متاهة يصبح من المستحيل له الخروج منها.

وهكذا يبقى يدور كفارّ محبوس حتى تأتي النهاية إما على الشكل الذي انتهى إليه إسماعيل ياسين، أو إلى الشكل الذي انتهت إليه سعاد حسني، أو ما هو أكثر حيث الاختفاء الذي يشبه التلاشي بلا أثر.

 

  • الضباط الأحرار.. كيف سخّرت الثورة نجومها؟

وقد أدرك ضباط يوليو 1952 أهمية السينما في حياة المجتمع فكانت على قمة أولوياتهم، وذلك بهدف تحويلها إلى آلة دعاية للنظام السياسي، وكان من نتائجها مجموعة من الأفلام التي تحدثت عن إرهاصات الثورة، ولعل أبرزها فيلم “رد قلبي” الذي تحول بمرور الأيام إلى وثيقة عن ثورة 23 يوليو، وهو من أفضل الأفلام التي تناولت فساد الحكم الملكي الذي كان سببا قويا لقيام الثورة بقيادة الضباط الأحرار.

كما تم الترويج لأهداف الثورة وتمهيد المجتمع للمرحلة الجديدة بمجموعة من الأفلام منها: “القاهرة 30″ و”الأيدي الناعمة” و”شروق وغروب” و”الأرض”، وأفلام مناهضة للاحتلال الإنجليزي مثل “في بيتنا رجل” و”لا وقت للحب”. والمعروف أن جمال عبد الناصر طلب بعد العدوان الثلاثي من الفنان فريد شوقي عمل فيلم عن العدوان، فأنتج فيلم “بور سعيد” الذي يرصد مسألة المدينة ضد العدوان الثلاثي عليها.

اختارت ثورة يوليو أبناءها البارين الذين كانوا مندوبين للسلطة وسياساتها لدى الشعب المصري، وبينهم عبد الحليم حافظ الذي ظل حتى وفاة عبد الناصر هو الطفل المدلل للثورة، وفي كل عام تقام حفلات إحياء ذكرى قيامها ليلة 23 يوليو فيكون حليم هو الاختيار الأول ومن ثم يأتي بعده الآخرون.

عرف عبد الناصر كيف يستفيد من إسماعيل ياسين كنجم يملك شعبية كبيرة، وكانت أفلامه خير دعاية للجيش والشرطة في وقت من الأوقات


أما في مجال التمثيل فقد تفتق ذهن ضباط يوليو عن فكرة تقديم سلسلة إسماعيل ياسين الشهيرة: أفلام إسماعيل ياسين في الجيش وفي البحرية وفي الطيران.. والتي كانت تهدف بالأساس إلى تحسين صورة الجيش وخلق عقيدة شعبية تجعل من الجيش مجالا للفخر.

وقد عرف عبد الناصر كيف يستفيد من إسماعيل ياسين كنجم يملك شعبية كبيرة، وكانت أفلامه خير دعاية للجيش والشرطة في وقت من الأوقات. وفي يوم 10 يناير 1955 أقيم عرض خاص لفيلم “إسماعيل ياسين في الجيش” في سينما “ديانا” بمنطقة وسط البلد، وذلك بحضور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبدعوة من صاحب شركة الهلال للإنتاج السينمائي الذى توجّه بالشكر للجيش في تتر الفيلم. اصطفت فرقة موسيقى الجيش على جانبي الطريق.

وفور وصول “ناصر” إلى الحفل عُزفت بعض المقطوعات الموسيقية، كما ألقت فرقة الأوبرا الأمريكية للزنوج أغنية تحية للرئيس وفقًا لما جاء في صفحات كتاب “الملك والكتابة” للكاتب محمد توفيق، والتُقطت له صورة شهيرة وبجواره الفنان إسماعيل ياسين، وبعد انتهاء الفيلم هنأ عبد الناصر صناع الفيلم الذي رأى أنه شرّف صناعة السينما المصرية.

كان إسماعيل ياسين يعشق أغاني الموسيقار محمد عبد الوهاب ويرددها منذ نعومة أظافره


  • النشأة الأولى.. من طفل ميسور إلى مشرد

ولد إسماعيل ياسين في 15 سبتمبر/أيلول 1912، وهو الابن الوحيد لصائغ ميسور الحال في شارع عباس بمدينة السويس، وتوفيت والدته وهو لا يزال طفلا يافعا، والتحق بأحد الكتاتيب، ثم تابع في مدرسة ابتدائية حتى الصف الرابع الابتدائي. عندما أفلس محل الصاغة الخاص بوالده نتيجة لسوء إنفاقه ثم دخل والده السجن لتراكم الديون عليه؛ اضطر الفتى للعمل مناديا أمام محل لبيع الأقمشة.

فقد كان عليه أن يتحمل مسؤولية نفسه منذ صغره، ثم اضطر إلى هجر المنزل خوفا من بطش زوجة أبيه ليعمل مناديا للسيارات بأحد المواقف بالسويس. كان إسماعيل ياسين يعشق أغاني الموسيقار محمد عبد الوهاب ويرددها منذ نعومة أظافره، ويحلم بأن يكون مطربا منافسا له.

 

  • “نوسة” و”بديعة”.. هل حققتا حلمه؟

في بداية الثلاثينيات عمل صبيا في أحد المقاهي بشارع محمد علي وأقام بالفنادق الصغيرة الشعبية، ثم التحق بالعمل مع الأسطى “نوسة” التي كانت أشهر راقصات الأفراح الشعبية في ذلك الوقت، ولأنه لم يجد ما يكفيه من المال تَرَكها ليعمل وكيلا في مكتب أحد المحامين للبحث عن لقمة العيش أولا.

ثم عاد يفكر مرة ثانية في تحقيق حلمه الفني، فذهب إلى “بديعة مصابني” بعد أن اكتشفه توأمه الفني وصديق عمره وشريك رحلة كفاحه الفنية المؤلف الكوميدي الكبير “أبو السعود الإبياري” الذي كوّن معه ثنائيا فنيا شهيرا وكان شريكا له في ملهى بديعة مصابني ثم في السينما والمسرح، وهو الذي رشحه لبديعة مصابني حتى تقوم بتعيينه بفرقتها، وبالفعل انضم إلى فرقتها لإلقاء المونولوجات في ملهاها.

استطاع إسماعيل ياسين أن ينجح في فن المونولوج، وظل متألقا في هذا المجال لعشر سنوات  (1935-1945) حتى أصبح يلقي المونولوج في الإذاعة مُقابل أربعة جنيهات عن المونولوج الواحد شاملا أجر التأليف والتلحين، والذي كان يقوم بتأليفه دائما توأمه الفني أبو السعود الإبياري.

كوّن إسماعيل ياسين فرقة تحمل اسمه بشراكة توأمه الفني وشريك مشواره الفني المؤلف الكبير أبو السعود الإبياري


  • الفم الكبير مفتاح النجاح!

في عام 1944 جذبت موهبة إسماعيل ياسين انتباه “أنور وجدي” فاستعان به في معظم أفلامه، ثم أنتج له عام 1949 أول بطولة مطلقة في فيلم “الناصح” أمام الوجه الجديد ماجدة.

استطاع ياسين أن يكون نجما لشباك التذاكر الذي تهافتت عليه الجماهير، وكانت الأعوام (1952-1954) عصره الذهبي، حيث مثل 16 فيلما في العام الواحد، وهو رقم لم يستطع أن يحققه أي فنان آخر.

وعلى الرغم من أن إسماعيل ياسين لم يكن يتمتع بالوسامة والجمال، وهي الصفات المعتادة في نجوم الشباك في ذلك الوقت، فإنه استطاع أن يجذب الجماهير إليه عندما كان يسخر من شكله وكبر فمـه في معظم أعماله. وهكذا استطاع أن يقفز للصفوف الأولى وأن يحجز مكانا بارزا مما دفع المنتجين إلى التعاقد معه على أفلام جديدة، ليصبح البطل الوحيد الذي تقترن الأفلام باسمه حتى وصل القمة.

وفي عام 1954 ساهم إسماعيل ياسين في صياغة تاريخ المسرح الكوميدي المصري، وكوّن فرقة تحمل اسمه بشراكة توأمه الفني وشريك مشواره الفني المؤلف الكبير أبو السعود الإبياري، وظلت هذه الفرقة تعمل على مدار 12 عاما حتى 1966 قدم خلالها ما يزيد على 50 مسرحية بشكل شبه يومي، وكانت جميعها من تأليف أبو السعود.

قدّم إسماعيل ياسين سلسلة من الأفلام مع المخرج فطين عبد الوهاب، ثم تبعها بمجموعة أفلام إسماعيل ياسين في البوليس وفي الطيران


  • الثورة تستثمر في ممثل

بداية من عام 1955 كوّن إسماعيل ياسين هو وتوأمه أبو السعود ومع المخرج فطين عبد الوهاب ثلاثيا من أهم الثلاثيات في تاريخ السينما المصرية وتاريخ ثلاثتهم أيضا، فقد عملوا معا في أفلام عديدة.

ويذكر أن 30% من الأفلام التي قدمها نجم الكوميديا كان وراءها المخرج فطين عبد الوهاب، وكانت تحمل أغلبها اسم إسماعيل ياسين، حيث أنتجت له الأفلام باسمه بعد ليلى مراد، ومن هذه الأفلام إسماعيل ياسين في متحف الشمع، وإسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة، وإسماعيل ياسين في الجيش، وإسماعيل ياسين في البوليس، وإسماعيل ياسين في الطيران، وإسماعيل ياسين في البحرية، وإسماعيل ياسين في مستشفي المجانين، وإسماعيل ياسين طرزان، وإسماعيل ياسين للبيع، وكان معظم هذه الأفلام من تأليف أبو السعود.

ولازمه في هذه الأفلام الممثل رياض القصبجي الشهير بالشاويش عطية، حيث كانت مشاهدهما محطة هامة في تاريخ الكوميديا التي يستمتع بها الجمهور حتى الآن بسبب المفارقات العجيبة والمواقف الطبيعية والمقالب التي يدبرانها لبعضهما البعض، كما شاركهما التمثيل في بعض هذه الأفلام عبد السلام النابلسي.

والتقت شادية بإسماعيل ياسين في حوالي 23 فيلما ما بين عامي (1949–1954) أي بمعدل لا يقل عن ثلاثة أفلام في العام الواحد. وكان أول لقاء بينهما في فيلم “كلام الناس”، ثم التقيا مرة أخرى في فيلم “صاحبة الملاليم”، وكان لنجاحهما معا أكبر الأثر مما جعل المنتجين والمخرجين يجمعون بينهما، فكان لإسماعيل ياسين دور بارز في أفلام شادية حتى ولو لم يكن هو البطل الرئيسي للفيلم.

ومن الأفلام التي جمعتهما أيضا “في الهوا سوا” و”‌حماتي قنبلة ذرية” و”مغامرات إسماعيل يس” و”الظلم حرام” و”إلحقوني بالمأذون”. ويعتبر فيلم “الستات ما يعرفوش يكدبوا” آخر فيلم جمع بينهما عام 1954 وذلك بالاشتراك مع شكري سرحان و‌زينات صدقي.

مثّل إسماعيل ياسين مع الكثير من الممثلين والمطربين، فقد قضى مدة طويلة في دور الرجل الثاني أو مساند البطل حتى واتته الفرصة فأصبح بطلا، وقام ببطولة الكثير من الأفلام التي تبدأ باسمه، وشاركه في أكثر هذه الأفلام أصدقاء عمره رياض القصبجي وزينات صدقي وحسن فايق وعبد الفتاح القصري وعبد السلام النابلسي.

 

  • إسماعيل ياسين في مشاهد لا تُنسى

ولإسماعيل ياسين مشاهد لا تُنسى سواء في أفلام قام ببطولتها أو قدم الدور الثاني فيها، ومنها فيلم “الآنسة ماما” لحلمي رفلة (1950) حيث قدم مع محمد فوزي و‌صباح نموذجا بديعا لفن “البيرلسك” أو المحاكاة الكاريكاتورية الساخرة لمشاهد شهيرة، وكان هذا في إسكتش عنوانه “أبطال الغرام”، ويتضمن ثلاثة مواقف كلاسيكية: “قيس وليلى” و”أنطونيو وكليوباترا” و”روميو وجولييت”.

وفي “دهب” الذي أخرجه أنور وجدي عام 1953، قدّم إسماعيل ياسين مشهدا صامتا من فن البانتوميم (الحركات الإيحائية) عندما اندمج في أكل المعكرونة الوهمية، وشرب الشوربة التي لا وجود لها. وفي الفيلم نفسه قدم مع الطفلة فيروز عدة استعراضات غنائية تُضاف إلى الثروة الهائلة التي خلفها في هذا المجال.

ويكتسب فيلم “الآنسة حنفي” لفطين عبد الوهاب (1954) قيمة فريدة سواء بكشفه عن خصائص الرجل الشرقي المُصرّ على حقه في الهيمنة على المرأة (إسماعيل ياسين قبل أن يتحول إلى الآنسة حنفي)، أو بكشفه عن إصرار المرأة على انتزاع حقوقها (إسماعيل بعد تحوله إلى آنسة). وبلمسات إسماعيل ياسين الساحرة وبأدائه “الكاريكاتوري” خصوصا في مشاهد الحمل والولادة، ما زال الفيلم قادرا على إثارة الضحك حتى الآن.

استغل المخرج يوسف معلوف نجومية إسماعيل ياسين الساحقة، وقدّم فيلم “مغامرات إسماعيل ياسين” عام 1954


  • صراع حول ممثل رديء

شهدت فترة الخمسينيات أيضا ظاهرة الأفلام التي تحمل اسمه الحقيقي، وكانت البداية من خلال المخرج يوسف معلوف الذي استغل نجومية إسماعيل ياسين الساحقة في تلك الفترة وقدّم فيلم “مغامرات إسماعيل ياسين” عام 1954.

وفي العام التالي قدمه المخرج حسن الصيفي في فيلم “عفريتة إسماعيل ياسين”، ثم كانت سلسلة الأفلام التي قدمها إسماعيل ياسين مع المخرج فطين عبد الوهاب تقديرا للجيش ودوره في ثورة يوليو، وكانت البداية في فيلم “إسماعيل ياسين في الجيش”، ثم تبعها بمجموعة أفلام إسماعيل ياسين في الطيران والبوليس الحربي والأسطول والبوليس، وكانت آخر الأفلام التي حملت اسمه “إسماعيل ياسين في السجن” عام 1960.

كانت مرحلة الستينيات الأسوأ في تاريخ إسماعيل ياسين، حيث شهدت تراجعا في عدد الأفلام التي يقدمها ودون سبب واضح، فبعد أن كان يقدم 15 أو20 فيلما في العام الواحد، أصبح مقتصرا على فيلمين أو ثلاثة فقط، ففي عام 1961 قدّم فيلمين، وفي العام الذي يليه قدم العدد نفسه، أما في 1963 فقدم فيلما واحدا، وهذا ما حدث أيضا عام 1965.

ولم يقتصر التراجع على السينما فقط، فمسرحياته أيضا لم تحقق النجاح المعتاد وانصرف الجمهور عن متابعتها. ولأن المصائب لا تأتي فُرادى، فوجئ إسماعيل ياسين بأن مصلحة الضرائب تطالبه بسداد مبلغ طائل عن أرباحه التي حققها منذ عام 1955، وتقوم بالحجز على حسابه في البنك، والعمارة التي يمتلكها بالزمالك، وذلك لتسديد الضرائب المستحقة عليه.

لم يتحمل إسماعيل ياسين كل هذه المصائب، فهاجمته أمراض النقرس والرئة، وبقي في المستشفى شهرين للعلاج، ومع إصابته بالأمراض وتراكم الديون اضطر لإغلاق فرقته المسرحية، مما تسبب في زيادة حُزنه.

 


  • الهجرة إلى لبنان ثم العودة لمصر

ازدادت الأوضاع سوءا بعد وقوع نكسة 1967، فقرر إسماعيل ياسين السفر إلى لبنان للعمل هناك كغيره من الفنانين الذين استقروا في بيروت نهاية الستينيات. لم يختلف الوضع كثيرا عند سفره إلى لبنان، وفوجئ بأن الأدوار التي تعرض عليه صغيرة جدا ولا تليق بمكانته الفنية، لكنه اضطر لقبولها،

فشارك في أفلام مثل “كرم الهوى” و”طريق الخطايا” و”عصابة النساء”، كما عاد مرة أخرى لإلقاء المونولوجات في الحفلات والملاهي بعد أن كان قد مرّ حوالي 20 عاما على اعتزاله العمل بها، حتى الإعلانات التجارية قدمها.

ومع بداية السبعينيات، عاد إسماعيل ياسين إلى مصر متوقعا أن الحال قد تغير، وأن المخرجين والمنتجين سيستعينون به في أعمالهم، ولكن هذا لم يحدث مما تسبب في زيادة أحزانه وآلامه. وفي حوار له عبّر إسماعيل ياسين عن غضبه الشديد من حالة التجاهل قائلا “هل من المعقول أن يتحول إسماعيل ياسين إلى شخص يقرع باب عبد الحميد جودة السحار (كان حينها يشغل منصب رئيس هيئة مؤسسة السينما) ليسأله أن يتيح له فرصة عمل في السينما،

أو أتصل بالمسؤولين في المسرح من أجل فرصة عمل بمسارح الهيئة! إنني أفضل الموت جوعا على أن ألجأ إلى أبواب المسؤولين، لقد قررت تحويل مسكني إلى مطعم لبيع الفول بدلا من دقّ الأبواب”.

رحل إسماعيل ياسين متأثرا بإصابته بأزمة قلبية في 24 مايو/أيار 1972 عن عمر يناهز 60 عاما


  • مانح السعادة يرحل بصمت

في عام 1972 بعد فترة طويلة من التجاهل، فوجئ إسماعيل ياسين بأن المخرج “أحمد ضياء الدين” يعرض عليه دورا في فيلم الرغبة والضياع، فوافق على الفور. وعند ذهابه لموقع التصوير، فوجئ بدفء وحرارة الاستقبال، فلم يتمالك دموعه وظل يبكي لأكثر من نصف ساعة، متأثرا بتصفيق العمال والفنانين داخل موقع التصوير. كان الدور الذي قدمه إسماعيل ياسين صغيرا لا يليق باسمه وتاريخه، حتى اسمه على الأفيش كان الخامس بعد هند رستم ورشدي أباظة ونور الشريف وهياتم.

لم تؤد مشاركته في الفيلم إلى تحسن حالته النفسية بل ازدادت سوءا، فنصحه الطبيب بالذهاب للإسكندرية. بقي أسبوعا هناك وبعد عودته بيوم رحل إسماعيل ياسين متأثرا بإصابته بأزمة قلبية في 24 مايو/أيار 1972 عن عمر يناهز 60 عاما، ليرحل الفنان الذي منحنا السعادة ولا يزال يمنحنا إياها بأعماله الفنية التي لا تُنسى.


الجزيرة الوثائقية

أسامة صفار

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى