فكر وفلسفة

أجراس الوباء: الأناركية الاصطناعية وإعادة تكوينِ العالَم

الكتاب: “أجراسُ الوباء: الأناركيَّة الاصطناعيَّة وإعادةُ تكوينِ العالَم”.

المؤلف: مجموعة من المؤلفين بإشراف/ نوري الجرّاح.

الناشر: دار المتوسط.

عدد الصفحات: 679 صفحة.

قد لا يذكر التاريخ الحديث ظاهرة كونية ولّدت تساؤلاتٍ بحجم ما فعلته جائحة “كوفيد – 19″، ربما لأن أزمات عديدة باتت تدفع بإنسان القرن الحادي والعشرين إلى طريق مسدود؛ توحُّش الرأسمالية إلى حدود أن لا يجد عشرات الملايين حول العالم طعاماً يسدّد جوعهم، وتفشّي أوبئة العنصرية والتشدّد والنزعات اليمنية المتطرفة، تُضاف إليها الحروب والكوارث البيئية.

مشهد فارق يعبّر عنه كتاب جماعي بعنوان “أجراسُ الوباء: الأناركيَّة الاصطناعيَّة وإعادةُ تكوينِ العالَم” الصادر حديثاً عن “منشورات المتوسط” بإشراف وتقديم الشاعر السوري نوري الجرّاح، الذي يشير في استهلاله إلى أنّ مقالات الكتاب تطمح أن “تُشكِّل أساساً لنقاش فكري حُرٍّ، يتعلَّق بجملة من القضايا والإشكاليات المطروحة على الفكر في منعطف وجودي، هو الأخطر، حتَّى الآن، في عصرنا الحديث”.

صدر المؤلّف باللغَتَيْن العربية والإيطالية بدايةً، ولاحقاً بالإنكليزية، بحسب الاستهلال ذاته الذي يشير إلى أنه “في ظلال اللحظة الحاضرة الكئيبة التي أخذ يُمليها علينا انتشار وباء مهول، ما تزال تداعياته الكارثية وأثره الدَّماريُّ على مستقبل البشر في المطالع، والمواجهة معه مفتوحة على احتمالات كارثية، تقتضي منَّا التَّفكُّر فيها على مستويَيْن فكري وأخلاقي، خصوصاً في مواجهة الحصار المضروب على البشر من قبَل الكلبية الرَّأسماليَّة، والوحشية الإمبريالية، والدولة الشمولية، وأنظمة الطغيان الشَّرقيِّ والآسيوي المقنَّع بالدولة القوية”.

شارك في الكتابة مجموعة من المؤلِّفين من سورية، وفلسطين، وتونس، والعراق، ومصر، والجزائر، والمغرب، وتركيا، وإيطاليا، وهم: نوري الجرّاح، وأحمد برقاوي، وأبوبكر العيادي، ولطيفة الدليمي، وإبراهيم الجبين، وخلدون الشمعة، وفخري صالح، ونادية هناوي، ومحمد آيت ميهوب، ومفيد نجم، ونهلة راحيل، ويوسف وقّاص، ومحمّد صابر عبيد، وممدوح فرّاج النابي، وهيثم حسين، وحميد زناز، والمتوكّل طه، وفارس الذّهبي، ومخلص الصغير، وحاتم الصكر، وعمر أزراج، ومصطفى الحدّاد، وبلال سامبور، وإيمانويل بوتاتسي غريفوني، وعبد الرحمن بسيسو.

في مقاله “أبناء نوح وطوفان الوباء”، يتساءل الجرّاح: “هل أفلس الفكر، ولم يعد مفكِّرو العصر وفلاسفته بقادرين على تجديد أطروحاتهم للإجابة عن أسئلة العصر، وتوليد أسئلة جديدة، تُجيب عن السؤال الكبير، وتوابعه من الأسئلة الناجمة عن وباءٍ، دهم الأرض؟”.

مضيفاً: “اليوم، وبينما الوحش الوبائي الغامض يفتك بالبشر، لا بدَّ أن ثمَّة مَنْ يتفكِّر لا يمكن تَرْك العالَم، وتَرْك الإنسان على سطح هذا الكوكب يستفرد به صُنَّاع الحرب وأهل الشَّرَهِ الاقتصادي. بينما أهل الفكر يتماحكون في ما بينهم على شاكلة ما كان يفعل المتبارون في السؤال عن جنس الملائكة”.

ويرى برقاوي في مقالته “يقظة الضمير” بأن “الرَّأسماليَّة المتعولمة تحرق الحياة، وتسعى لأن تحطِّم الإرادة الإنسانية، تُعلن موت الإنسان حقَّاً. ولهذا فإن مهمَّة اليسار الآن أن يُعلنَ مرَّة أخرى ولادة الإنسان، ويجب أن يعلن ولادة الإنسان، والعودة إلى مركزية الإنسان، لتنتصر على مركزية الثروة كسلطة مطلقة”.

تحت عنوان “احتضار العولمة بين جائحتين”، يكتب الشمعة “توضح لنا المقتلة السُّوريَّة المَنسِيَّة عولمياً في صدامها مع النظام الجملوكي السائد أن النزاع ليس مع الرأسمال الذي تحتاج إليه البلاد، بل مع الجائحة الإنسانية السابقة على الجائحة المَرَضِيَّة.

هذه الجائحة المدمِّرة للبشر والحجر التي تمثِّل أكبر أزمة إنسانية وسياسية في القرن الواحد والعشرين تثير قَدْراً غير قليل من الاستغراب. فلماذا يتجاهل بعض مناهضي العولمة بمحمولها المعرفي الدِّيمقراطيِّ مقتلةً، راح ضحيَّتها ملايين السُّوريّيْن؟”.

أما النابي، فيوضّح في مقاله “كأن العالم يسير نحو العدم” بأن “الجائحة كشفت عن انتهازية السلطات، حيثُ سعت إلى استغلال الجائحة لتعزيز الكثير من سلطاتها التي فقدتْها من قبل، وهي تُعزِّز قبضتها الأمنية من ناحية، بسبب حالات التَّمرُّد والمعارضة التي أظهرتْها الشعوب للكثير من جرَّاء سياساتها التي لم تكن على قَدْر تطلُّعاتهم”.

الأناركية الاصطناعية.. رؤية إيطالية” عنوان مقالة غريفوني الذي يقول فيه: “في الواقع، بعد وباء السارس عام 2003، خطَّطت الحكومة المركزية بعناية لاستجابة متماسكة.

لذلك في عام 2020، تمكَّنت من استغلال “مزايا” النظام الاستبدادي لإبقاء الفيروس تحت السيطرة، ضمن حدودها. منطق الأسوأ يفرض نفسه بعد فوات الأوان، وفي هذه المرحلة تصبح حالة الاستثناء حَتْمِيَّة، مع عواقب وخيمة على الحُرِّيَّات الفردية”.

ويؤكد سامبور في مقاله “هل هناك مستقبل للبشرية بعد جائحة كورونا؟” بأن “الإنسان كائنٌ أخلاقي أوَّلاً وأخيراً، فلا يمكننا تجاهل معاناة وموت إخواننا من البشر، لأننا لسنا كائنات معزولة. لا بدَّ أن نهتمَّ ببعضنا البعض، وليس بالولايات المتَّحدة الأمريكية أو أيِّ قوَّة أخرى تريد أن تعطي الأولوية لنفسها فقط، لتكون “أمريكا أوَّلاً”.

تتزايد اليوم الحاجة للتضامن الإنساني والتعاون والتعاطف على نحو متجاوز لأعلام الدول وعابر لحدودها. تعتمد حماية حاضر ومستقبل البشرية على تعزيز شعورنا بأننا ننتمي إلى إنسانية واحدة متضامنة”.

خاص لمجلة فكر الثقافية

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى