كتاب “على مرتفعات اليأس” إميل سيوران
أجهل أي معنى قد يمتلكه ذهن ارتيابي، من بالنسبة إليه هذا العالم، لاشيء فيه مُصَمَّم، النشوة، الأشدُّ كشفا، الأكثر غنى، الأشدّ تعقيدا والأكثر خطرا، نشوة الأسس المكتملة للحياة.
لن يجعلك هذا النوع من الانتشاء تظفر لا بيقين بيِّن ولا معرفة محددة غير أنّه سيتوفر على احساس مكثف بالمشاركة الفعالة يتجاوز كلّ حدود المعرفة العادية وأصنافها.
فكما لو أنّه في عالم الحواجز هذا، البؤس والتنكيل، ينفتح باب على المركز الأساسي للوجود وفي استطاعتنا أن نمسك به في أبسط الرؤى وأكثرها جوهرية وفي أروع النّقلات الميتافيزيقية.
سوف نعتقد وقتها أننا بصدد متابعة انهيار الطبقة السطحية التي صنعها الوجود وأشكال متفردة للانفتاح على مناطق أكثر عمقًا. فهل من الممكن تَحَقُّق هذا الإحساس الحقيقي الميتافيزيقي للوجود من دون إلغاء هذه الطبقة السطحية؟
وحده؛ وجود مُطهَّر من هذه العناصر المحتملة هو ذو طبيعة تسمح بولوج المنطقة الجوهرية. فالشعور الميتافيزيقي بالوجود له طابع انتشائي. وكلّ ميتافيزيقا تضرب بجذورها في شكل مخصوص من النشوة. من العيب أن لا نرى ذلك إلا في التنويعة الدينية.
ففي الحقيقة، توجد أشكال متعدّدة، مشدودة إلى مظهر ذهني مخصوص أو مزاجي لا تؤدي إلى التّسامي. لماذا ليس هناك نشوة بالوجود الصافي، بالجذور الملازمة للحياة؟ لا تكتمل في تعمق يمزق الحجب السطحية ليسمح بولوج مركز الوجود؟
فإمكانية ملامسة جذور هذا العالم، تحقيق السُّكر المطلق، تجربة الأصلي والجوهري، فذلك هو تأكيد للشعور الميتافيزيقي النابع من الانتشاء بالعناصر الأساسية للذات.
النشوة بوصفها إثارة ضمن التلازم، الهيجان، رؤيا جنونية لهذا العالم – فهذي قاعدة للميتافيزيقا-صالحة حتى للحظات الأخيرة… النشوة الحقيقية خطيرة؛ تشبه المرحلة الأخيرة من مسارة العجائب المصرية، حيث عبارة :«أوزيريس لغز أسود» تعوض المعرفة الجلية والنهائية.
بعبارة أخرى يظل المطلق قائما كما هو مستحيل النفاذ إليه. لست أجد في نشوة الجذور الأخيرة غير شكل من أشكال الجنون وليس المعرفة. ولا يمكن خوض هذه التجربة إلا خلال العزلة، والتي تمنحك انطباع التحليق فوق العالم.
أليست العزلة إذا هي الميدان المناسب للجنون؟ أليس من المميز أن الجنون لا يحدث إلا عند الشخص الأشد ارتيابية؟ ألا تظهر نشوة الجنون بشكل جلي من خلال الحضور الأغرب لليقينيات والرؤيا الأكثر جوهرية القائمة على الريبة واليأس؟
لا أحد في الحقيقة بإمكانه إدراك الحالة الانتشائية دون تجربة مسبقة في اليأس، ذلك لأنهما الاثنان يتضمنان عمليات تطهير، واللذان رغم الاختلاف في المحتوى، فهما بنفس الأهمية.
جذور الميتفيزيقا أشدّ تعقيدًا من جذور الوجود.