الساميات واللسانيات المقارنة – دراسة في النحو والدلالــة
المقدمة:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات, والصلاة والسلام على صفوة رسله, وخير خلقه أجمعين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد, وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين, وصحبه الزاكين..
ثمة قناعة علقت بذهبي منذ زمن ليس بالقليل – ومازالت راسخة – بأن الدرس اللغوي العربي القديم – على الرغم من حسناته الكبيرة – به حاجة الى مراجعة علمية جادة ليس الهدف منها محاكمة التراث, وتقويمه في ضوء المنجز اللغوي الحديث المنبسط من مرحلة ما قبل البنيوية الى ما بعدها, فليس هذا هدفنا وغايتنا, لإيماننا بأن كلا من المنجزين له سياقاته التاريخية, والثقافية, وخلفه مسيرات أيديولوجية, وله غايات معرفية واسعة النطاق بسعة ما يحمله فكر منتجه, فإذا كان هذا التباين حاصلا – لاريب – بين القديم, والحديث فليس من النصفة الحقة ان يتبنى مثل هذا المنهج عند الدارسين..
ولما كانت غاية الدراسات اللغوية الموضوعة دراسة اللغة – أي لغة كانت – دراسة علمية بعيدة في معالجاتها, وما يصدر عنها من معايير يحتكم اليها في مضماري الدراسة والاستعمال – عن الاحتمال والظن اللذين لا يغنيان عن الحق شيئا, كان من الواجب على الدارسين الذين لا ينشدون غير ضالة المعرفة ان يشرعوا بدراساتهم اللغوية من منظور ما جاد به العقل الانساني في رحلة اكتشافاته المضنية التي كشفت الغطاء عن كثير من المعارف التي انطوى عليها الحرف الانساني منذ ان بزغت شمس الحضارات القديمة في سومر, وأكد, وامتد شعاعها الفكري ليصل الى ما وصل اليه من بقاع العالم القديم ليسهم في بناء حضارات عريقة ما زلنا نسمع بها ونقرأ عنها, ويغمرنا السرور كلما جد لنا شيء من حقائقها الدفينة منذ آماد زمنية بعيدة..
ليست هي الناستولوجيا (الحنين الى الماضي وتعظيمه) ما يدفع الى تبني هذه الرؤية اللسانية في دراسة اللغة منذ ان بدأ اللغويون في أوربا يلتفتون اليها إبان الحدث التاريخي الكبير في تاريخ الدراسات اللغوية الحديثة وهو اكتشاف اللغة البراهمية السنسكريتية الذي يعود فضله الى علماء, ومترجمين انجليز في نهاية القرن الثامن عشر.
بل هي الضرورة العلمية التي افصح عنها ما ال اليه هذا الحدث العظيم من اكتشاف مفهوم الاسر اللغوية الذي نقل الدرس اللغوي من حدود اللغة الواحدة الى مجال ارحب في دارسة انظمتها, وظواهرها في ضوء جميع اللغات التي تعود معها الى أرومة لغوية واحدة مما جعل نتائج البحوث المقارنة اكثر سعة, ودقة عما كانت عليه فيما مضى من تاريخ الدراسات اللغوية ولهذا لم يكن باحثونا من المعنيين في دراسة العربية أو شقيقاتها في العراق, أو في وطننا العربي بمنأى عن الافادة من هذا النظر اللساني الذي يعد من اقدم الانظار اللسانية في دراسة اللغات العالمية, سواء أكان في اقسام اللغة العربية ام في اقسام اخرى كأقسام اللغات السامية, وأقسام الآثار, وقد اظهرت هذه الدراسات نتائج علمية باهرة دمغت حجج المعادين, وفندت مزاعمهم في عصمة المنجز اللغوي العربي القديم وأبطلت دعوتهم الى الاكتفاء به والركون اليه وحده, ولو استدللنا بما كتبه الاستاذ طه باقر عن المعرب والدخيل في العربية, وما كتبه الدكتور خالد اسماعيل علي في القاموس المقارن لكفانا في بيان ما اختلط أمره, وانحرفت دلالته عند الدارسين العرب القدماء, بسبب جهلهم باللغات السامية التي لم يكشف الغطاء عنها الا في منتصف القرن التاسع عشر, لذا هم معذورون في جهلهم بها, بيد اننا لا نعذر اللغويين المعاصرين في إحجامهم عن تعلم شيء من هذه اللغات – بتعاون جاد بين المختصين بها والمختصين في العربية – ينفع في اجراء مقاربات لسانية مقارنة بين العربية وشقيقاتها الساميات, ولاسيما في القضايا المشكلة التي بقي اشكالها عالقا في الدرس اللغوي القديم دون حل علمي مقنع بذريعة ان ما ذكره القدماء من علماء العربية كاف لدراسة ظواهرها اللغوية, أو لوصف نظامها..
ومن هنا جاءت دراستنا هذه مساهمة معرفية في معالجة ثلاث قضايا لغوية مشكلة في النحو والدلالة حاولت جاهدا ان اسلط الضوء فيها على مالم يستطع البحث اللغوي القديم ان يقدم فيه حلا لغويا مقنعا, أو ما اختلط امره, واضطربت نتائجه عند الدارسين للغات السامية محاولا ان اعالج كل هذا معالجة موضوعية مشفوعة بأدلة علمية ما وفقت الى ذلك ..
الأولى منها كانت عن بادئة التعريف في العربية واللغات السامية, والثانية افعل التفضيل في العربية مشكلاته ودلالاته مقاربة لسانية من النحو المقارن الى النحو التقابلي, والثالثة الكني والالقاب في القرآن الكريم دراسة دلالية مقارنة.
وانا اذ اقدم هذا العمل المتواضع الذي انفقت فيه من الوقت والجهد ما احتسب اجره عن ربي اتمنى ان اتبعه بأعمال اخرى في النحو, والصوت, والصرف, والبلاغة في هدي اللسانيات المقارنة وهي منجزة بنسب متفاوتة آمل ان اتفرغ لإكمالها في الوقت القابل بمشيئة الله تعالى وعونه, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.