تاريخ النبوة توراتيا – 1
- توطئة:
كانت معرفتي بالكتاب المقدس الأول لدى اليهود العبرانيين، والوحيد لدى اليهود السامريين؛ معرفةً مبكرة، قبل الولوج إلى مرحلة الأسئلة الملحة، والإشكاليات المعرفية والمفاهيمية؛ فى تلك الفترة؛ كانت المعرفة تشكل لدي غاية فى ذاتها، لا وسيلة من وسائل الترقي.
لذلك لم يقع اختياري على عنوان هذه السلسة من المقالات حول تاريخ وأشكال ومراحل النبوة، كما تبسطه التوراة بشكل اعتباطي وارتجالي، بل هو عنوان فرضتُه ظروف البحث والواقع _حسب رؤيتي _لكليهما.
لذا؛ وقبل أن نتقدم معاً فى هذه السلسة، أتصور انه لابد من توطئة، نطوف من خلالها سريعاً حول مفهوم كل من النبوة والتوراة والتاريخ. فى محاولة متواضعة لتقديم صورة أكثر وضوحاً لمن سيشرفني بمتابعة هذه السلسة، آمل أن تمكنه من الوصول لفهم أعمق، فما هي النبوة وما هي التوراة وما هو التاريخ؟
- أولاً : النبوة :
النبوة لغة : من الفعل نبا؛ حيث يذهب البعض إلى أنها ما ارتفع من الأرض، حيث كان النبي يقف على تل أو جبل كما هو الحال مع المسيح عليه السلام فى موعظة الجبل، أو جذع نخلة، كما هو الحال مع النبي محمد صل الله عليه وآله وسلم، مشرفاً على المخاطبين بدعوته.
النبوة اصطلاحاً : هي الإنباء والإخبار عن الله تعالى، ويسمى الإنسان المُخبر عن الله تعالى “بالنبي” وذلك بغير واسطة بشر، كأن يكون الإبلاغ عن طريق ملكٍ من الملائكة.
وهذا ما يتبادر إلى الأذهان _فى سياق فهمنا لمعنى النبوة _ وذلك فى سياق العقيدة الإسلامية.
بيد أن الأمر مختلف فى سياق فهم آخر لمعنى النبوة وهنا أعني النبوة فى التوراة، وهى تعني ” النداء من الإله” وبالتالي؛ يكون النبي هو المُنادى من قبل الإله، وتستخدم التوراة عادة كلمة “نابي وجمعها نابيم”.
ومعناها المنبَّئ وطريقة الوحي للنبي كما تبسطها التوراة ليست واحدة، بل شديدة التنوع، فهي تحدث عن طريق الحدس عند النبي عاموس أو الرؤية المنامية كما هو الحال، مع النبي الشاعر “إشعيا” أو الكلمة المباشرة من الإله للنبي كشأن النبي”إرميا” العانثوثي أو عن طريق أحد الملائكة، بل وعن طريق ظهور الإله للنبي مثلما وقع للنبي “حزقيال”.
- ثانياً : التوراة :
هي كلمة عبرانية تعني الشريعة أو الناموس و هي بالعبرية “تورا”
وتتألف التوراة ” تورا” مما يلي :
1_ أسفار موسى الخمسة: التي يعتقدُ أن موسى كتبها وهي تعرف أيضاً “بالبانتاتوك” وهي كلمة يونانية من “بانتا” وتعني خمسة، وهي تتخذ من موضوعات شتى مادة لها، كبدء الخلق والأباء المؤسسين والشريعة والخروج من مصر، و التي تبدأ بسفر التكوين وتنتهي بسفر التثنية.
2_ الأسفار التاريخية: وهي ثلاثة عشر سفراً تبدأ بسفر يشوع وتنتهي بسفر يونان. وتتحدث عن تاريخ اليهود بعد موسى إلى ما بعد “السبي البابلي”.
3_ أسفار الإنبياء الكبار والصغار: وتتألف من خمسة عشر سفراً تبدأ بسفر إشعيا وتنتهي بسفر ملاخي، وهي أسفار ذات طابع رؤيوي نبوئي.
4_ أسفار الحكمة والشعر : وهي خمسة أسفار تبدأ بسفر أيوب وتنتهي بسفر مراثي إرميا.
5_ سفر المزامير : وهو المنسوب إلى داود وهو سفر ابتهالات وادعية.
- ثالثاً : التاريخ :
لا تقع تعريفات علم التاريخ تحت حصر، لذا انتخبتُ من هذه التعاريف الذي ظننت أنه يخدم البحث الذي أتصدى له محاولاً، تقديم صورة من زاوية مختلفة عن زاوية نظرتنا لظاهرة النبوة وتاريخ الأنبياء الذي تقدمه التوراة في سياق عقيدة وفهم وتاريخ؛ يختلف عن فهمنا لها.
والتعريف الذي انتخبه يذهب إلى أن علم التاريخ هو ؛ “دراسة الماضي بالتركيز على الأنشطة الإنسانية، وكل ما يمكن تذكره من الماضي أو تم الحفاظ عليه بصورة ما، يعد سجلاً تاريخيا”.
وتاريخ الجماعات اليهودية كما تبسطه التوراة؛ هو تاريخ تمرحل، فهو يتألف من مراحل متعددة هذه المراحل اتخذت الجماعات اليهودية خلالها أسماء وأنماط متعددة من الأطوار التاريخية، وهو ما سوف نفرد له مبحثاً خاصاً نظراً لأهميته _ حسب تصوري_ قبل أن نشرع فى سرد قصة النبوة توراتياً.
والله أعلم.