حكايات “ألف ليلة وليلة”: الانعتاق بالأحلام وإرجاء الموت المُعلَن
لكلٍّ زنزانتُه، ولكلّ منا الخيار في أن يبقى خلف قضبانها أو يكسِرها ويخرج.
هل تبلّغت شهرزاد الإشارات الوجودية وبلّغت، فاستراحت؟!
ألف ليلة – و- ليلة * ذات إشعاعات تومض في العتمة، بل تنبثق مما تكتنزه ذاكرة بطلة الليالي. خلف العنوان والحكاية الإطار والليلة الأخيرة، وخلف بنية التضمين والتشعّب للنص القصصي، ثمة إشارات وجوديّة بيّنة. إنما ما يلفت هو الترجمة الغربية لعنوان المؤلَّف الموسوم ب”الليالي العربية”؛ فعَقد المقارنة بين “الأصل” العربي في العنونة والترجمة الغربية “المهمّشة” للدلالة في عمقها الوجودي حدا بي إلى انتحاء درب بحثيّ في سيميائيّة العنوان وتفكيكيته، وتأويليته الوجوديّة؛ من غير الاكتراث إلى تاريخ المؤلَّف وصاحبه، وما ذُكر من أخبار في جمعه على مراحل، أي مرجعيته التاريخيّة وصدق أخباره، أو الوجود المرجعي الحقيقي لشخصيتي شهرزاد وشهريار؛ وذلك، إذا ما استندنا إلى الهرمينوطيقا بوصفها للغة بأنها “مكان المساءلة ومكان التكشّف، ومكان لإنتاج التخييل واللاتخييل”(67:1). وإلى ما يذهب إليه بول ريكور P. Ricoeur في أن “الخيال لا يكتمل إلا بالحياة، والحياة لا تُفهم إلا من خلال القصص التي نرويها عنها”(52:2).
فكيف إذاً، تبدّى انتظار الراوية – الشخصية ألف ليلة وليلة لحظة الحدوث/الكشف لتحطيم زمنها اللاأصيل؟ وإذ “يكمن الجواب في تلافيف السؤال”، كيف يفيض العنوان إذ ذاك، بتساؤلات الذات عن وجودها؟! وهل أن الترجمة الغربية للعنوان “الليالي العربية”، باستنطاقه، يفصح عن أبعاد ثانية وثالثة للحكايات؟ بمعنى آخر، آستطاع أن يأخذنا عبر القراءة إلى دلالات أعمق فأعمق، مقارنةً بالعنوان العربي الأصلي؟
أسئلة تذهب بالبحث بفرضية “التأسيس” و”الاختلافية” من خلال ما تفشي لنا به الحكاية الإطار في حكايات “ألف ليلة وليلة”؛ وما تنطق به خبايا أحاديث السمر المتناسلة على مدار ألف ليلة وليلة. حكايات ليست سوى اجتهادات تبتغي تأويل الحياة القابعة في طيات الكلمات؛ فتصبح شهرزاد راوية حكاياتها/ الذات الراوية هي الرواية نفسها. بحيث إننا نلمح شهرزاد قد انتظرت طويلاً وكابدت لتؤسّس ذاتها التاريخيّة وتحقّق زمنها الأعلى لأجل ذاتها ولأجل كل بنات جنسها؛ ما يؤكّد فرادتها وتمايزها. فرضية التمايز والاختلاف يرهص بها حرف العطف النحوي “و” بجمعه الليلة المفردة إلى الليالي الألف؛ ذلك ما يحاول البحث التثبّت منه من خلال الإجابة عن الأسئلة المقترحة.
يصف رومان جاكوبسون R. Jakobsonالعنوان بأنه “رسالة مسنّنة بشيفرة لغوية ذات وظيفة شاعرية أو جمالية قابلة للتفكيك والتأويل بلغة واصفة” (100:3). ويذهب جون كوهن J. Cohen إلى أنه “مسند إليه والخطاب النصّي بأفكاره مسند” (97:3). وقد أولى جيرار جينيت G.Genette العنونة أهميّة بتعيين وظائف أساسية أربع لها، وهي: الإغراء، والإيحاء، والوصف، والتعيين. ويضيف جميل الحمداوي إلى ما تقدّم الوظيفة التناصّيّة (98:3).
فماذا في العنوان من إشارات وإحالات وجوديّة؟
ألف ليلة – و- ليلة على طريقة مارتن هايدغر M. Heidegger وجان بول سارتر J.P. Sartre أكتب هذه “العتبة النصّية” أو المفتاح للولوج إلى الحكايات، غير أن العتبة تشير إلى مكان نطئه، والمفتاح يقتضي قفلاً لباب مكان يفكّه. بينما يحيل هذا العنوان إلى الزمان، والأمد المتواصل بامتياز في التكثير من الليالي: “ألف ليلة” مضافة إليها ليلة مفردة. وإذا كان الزمان سيرورة وحركة تفترض صيرورة، وهو لفظ مجرّد، ومطلق/غير محدّد ومذكّر، فإن التحديد في العدد “ألف” والتعيين الزمني في اللفظ المؤنث “ليلة”، والجمع بين ألف ليلة – و- ليلة أو المقابلة تضميناً بين الجمع/ الضمّ والإفراد ليس كل ذلك سوى إشارات نتتبّعها كي نستنطقها.
تفكيكيّة حرف العطف الواو – و – وتأويليّته:
يتعيّن المعنى النحوي لحرف العطف – و- في أنه ينوب عن تكرار عامل المعطوف عليه مع المعطوف، كما يفيد اشتراك المتعاطفين لفظاً ومعنى. والواو هو حرف لمطلق الجمع بين المتعاطفين. غير أن في هذا العنوان غياباً للعامل وغياباً للجملة الاسمية، وإن تشكّل من مركّب إضافي: ألف ليلة/ عدد ومعدود – مميّز مجرور- مضاف إليه اسم مفرد مؤنّث: ليلة.
نحن إذاً، أمام ظاهرة زمنية خواصها الضم والجمع؛ ويمكننا إضافة دلالة “التأكيد” المستشَفّة من فعل الجمع المعبّر عنه بحرف الواو، بإضافة ليلة على الليالي الألف. وهو تأكيد على الفرادة والتمايز والاختلاف لهذه الليلة المفردة عن باقي الليالي في تكثيرها. في هذا الجمع تمايز وتفريق، وهدم لمعنى الجمع والعطف النحويين، وبناء دلالة تنبعث من رحم الانتظار الطويل في الليالي.
الليلة والليالي: الوجود الفرد – في – العالم – مع الآخرين:
بالارتكاز إلى الليلة الأولى والليلة الأخيرة من ليالي شهرزاد – الشخصية المحوريّة- يتبدّى وجودها الحركي المتسائل عن كينونتها، على ما يعرّف هايدغر “الوجود الإنساني الفردي أنه قدرة على الوجود، صيرورة” (32:4). وأن وجود الذات الفردية يرتبط بوجود العالم ككل. فيرهص العنوان بفردية هذا الكائن الأنثوي المأزوم /الليلة إزاء هذا الكل – الآخرين /ألف ليلة.
مأزقية شهرزاد هي مأزقية إنسانية وجودية تطال وجودها الفردي الأصيل، وتنسحب على كل امرأة في زمن ذكوري سلطوي يتمثّل في شخص شهريار الذي يجمع كل أشكال القوة القاهرة: الاجتماعية والسياسية والعائلية؛ إذ إنه الزوج /الرجل والحاكم. والسؤال البدهي: كيف فهمت شهرزاد وجودها؟ لئن تفترض التأويلية أن “كيف نفهم هو الوجود على نحو ما” (54:5).
في الاستهلال اختارت الموت، قرّرت الذهاب إليه بدلاً من أن يختارها وهي في حالة انتظار قلِق لمجيﺀ دورها حين يسمّيها شهريار عروسه، فيعلن تالياً، موتها. ذهبت إلى الموت قاصدةً الحياة، على دلالة ما يعبّر أبو نواس في شعره مناجياً ربّه:
أفرّ إليك منكَ.. وأين إلاّ *** إليك يفرّ منك المستجيرُ
تطلب وجودها الأصيل في كلتا الحالتين – الموت والعيش – في موتها اختيار، في حياتها اختيار، وفي اختيارها حرية ووجود.
وفي البداية اختارت السرد مطلباً خلاصيّاً لمأزقها الوجودي ولـتأكيد هويتها؛ فكان سرد الحكايات المتناسلة على مدار ألف ليلة مشروعها لإيجاد ذاتها وتصوّرها لمعنى العالم، بوصف “الإنسان شمولاً وتاريخاً مستمرّاً” (6:710-712) على ما يعبّر سارتر؛ كما أن لا مشروع من أجل الذات يفك ارتباطه بالآخر وبالعالم. بحيث إن النهاية تكشف البعد الاجتماعي لمشروعها الفردي، كما تكشف تحقّق أمر من اثنين: الموت المعلَن أو الحلم المضمَر.
الليلة والليالي: حضور الكلام وإرجاء الموت:
في الأغلب، نجد الإنسان يناضل ضد النسيان في سرد حكاياه، ومن أجل إنصاف الذاكرة؛ غير أن شهرزاد قد اختارت هوية سردية بوصفها “صورة الذات المتحركة التي لا تتحقّق إلا بالسرد”(2 :28و260). على ما يذهب بول ريكور. فحملت مشروعها إلى الكلام وسكنت حكاياتها/ لياليها.
إنما كلامها لم يكن سيلاً متّصلاً، ولياليها كانت بمنزلة المنفصل بالمتّصل؛ إذ لا يمكن إغفال دور الصمت/السكوت عن الكلام لإعلان نهاية الحكاية، أي تأجيل النهاية، في إرجاء الموت، قرابة نهاية كل ليلة/حكاية تعلنها العبارة المكرّرة:” وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح”. فتتّضح إذ ذاك فاعلية شهرزاد في حضورها الذي باستطاعتنا اختزاله في الترسيمة العاملية التي اقترحها ألجيرارد غريماس Greimas لتنظيم العلاقات بين العوامل وإظهار مسعى الذات الفاعلة ممثّلة بشهرزاد وانتقالها من المستوى الإدراكي إلى المستوى البراغماتي، بامتلاكها مشروعاً سرديّاً يبني التحولات. تأتلف العلاقات بين العوامل في ثلاثة محاور: محور الرغبة (علاقة الذات بالموضوع)، ومحور التواصل (علاقة المرسل بالمرسَل إليه)، ومحور القدرة (علاقة الصراع بين المساعد والمعاكس) (63-68:7).
شهرزاد المختلفة: لعبة الكلام والصمت / الفارماكون:
كانت شهرزاد سيدة الكلام والصمت حيث تكمن لعبة الحياة والموت. والرغبة في الامتلاء- الوجود هو باعث الرغبة في كلا الفعلين: البوح والإحجام عنه. من هنا، فإن الصمت ليس اللافعل والسكون، إنما هو سكوت في أوقات معلومة تقرّرها الراوية نفسها بالتآزر مع دورة الزمن في تواتر الليل والنهار اليوميّ. والتوقّف عن الإمساك بقانون هذه اللعبة: الكلام والصمت، أي التوقف عن الفعل، يعدل الموت أو التوقف عن الوجود؛ لأن “الوجود بالنسبة إلى الإنسان هو الفعل… والموجود الإنساني نقص ووجود الرغبة دليل عليه” 584:6) و619و737 ).
و”الفارماكون” عقار ملتبس يعني السمّ والدواء معاً، أو إنه “ليس دواءً ولا سُمّاً، ليس كلاماً ولا كتابة، لا يقتل ولا يشفي، هو قادر على إحداث النتيجتين. كمية كبيرة منه يمكن أن تكون مميتة، وقدر معقول منه يمكن أن يشفي”(269:1) . وإن كان ثمة طغيان للكلام/الأصل بوصفه “إطاراً للحضور والهوية والبداهة، وهو حضور لا متناهٍ للزمن المتجسّد في الكلام” (126:8)، فللصمت الغائب عن النص /المهمّش فاعلية “التكملة” إذا ما استعرنا هذا المصطلح من مبتدعه جاك دريدا، وهي “ليست زيادة ولا نقصاناً، وليست خارجاً ولا تتمّة لداخل ما..” (107:1). في الكلام والصمت التباس بين الواقع واللا واقعي، حيث إن في الكلام خروجاً على الواقع ودخولاً في فضاء الحكاية، وفي الصمت عودة إلى الواقع. كما أن “الصمت محايث للكلام فهو يتلو سلاسل الكلام المتعاقبة التي يسبقها ويتخلّلها السكوت”(41:9).
الليلة والليالي: متاهة المرايا المتشظّية:
ألف ليلة وليلة، ألف كلمة وكلمة. والليالي تحيل إلى الأنس والسمر والحلم كما تحيل إلى الوحشة والاغتراب والخشية؛ إلى الحب والأمل كما القلق والألم. يضجّ فيها الكلام كما الصمت مؤسّسة نمطاً في مقاومة التشيّؤ والتدجين في ظل سلطة النفي؛ وبرفض السكوت رفض للمسكوت عنه. وكانت عبقرية شهرزاد “المخرج الذي ابتدعته في موقف يائس”(253:10). وذلك عبر تخليق عوالم غرائبية حالمة توسّع الآفاق. عوالم يمكن أن” نفهم منها وجودات حالمة ببقاء أبدي في مكان أبدي”(41:9) . هاربةً من واقعها المأزوم بأفقه الضيّق ولا منطقيته حد الاختناق، بابتداع صور لا منطقية عابثة تردّ على عبثية الحياة والموت اللذين يقبض عليهما شهريار اللامنطقي المسكون بكراهية النساء. و”كل هرب هو مشروع”(258:10)، فانتقلت إلى الخلق الجمالي وسعت أن تعيش وجودها حلميّاً، ودلالة هذا الخلق هي العبور من الوجود – في – ذاته إلى الوجود لأجل – ذاته.
في كل ليلة حكاية/ شظية مرآة بمنزلة حجر يُلقى في صفحة ماء العتمة الكثيفة الظلال والساكنة سكوناً عميقاً ينغلق على كل أمل، فتتضاعف دوائرها وتتّسع، وتعكس وعي الأنا المتمرئية شقاءً. عوالم متخيّلة لا تنفك تتحلّل في زمنها اللا أصيل، ليالٍ طويلة ” لأن الحقيقي الذي يجب أن يقع لا يُعدّ بليلة إنما يتطلّب حياةً بشرية”(216:10). هذه الليالي لم تكن “ثرثرة” إنما انتظار مكابد وإبحار في الزمان، ورحلة صوب الغياب، لانكشاف الكينونة.
تعدّدية الفضاءات المتخيّلة وصورها المستحضرة تكشف تفكّكاً وانتشاراً وتشظّياً مكانيّاً، بوصفها دروباً في منعرجات الأحلام وإبحاراً إلى اللامكان، إلى زوايا النفس القصيّة لإقصاء الواقع الأليم. أو كما يصف هنري لوفيفر الفضاء المطلق بأنه “لا يوجد في أي مكان لأنه يجمع كل الأمكنة ولا يملك إلا وجوداً رمزيّاً”(379:11).
حضور الحوار في غيابه عن النص القصصي: حدوث الحقيقة وإخصابها:
تصف الهرمينوطيقا الفهم أنه “فن ترجمة حقائق التراث وتوظيفها”(59:5). هذا الوصف يلفت إلى الكم من التراث المسرود في حكايات شهرزاد وأحاديث السمر، وينبّه إلى رجاء الراوية، عبر توظيفها للتراث، في حث شهريار على فهم معنى وجوده من خلال رموزية الأخبار والرحلات والعوالم والشخصيات؛ وإن كان العديد من الفضاءات والشخصيات والأحداث غير واقعي/ عجائبي، فإن لا واقعيته، أي غيابه عن الواقع، هو غياب تأسيسي لأنه الأكثر حضوراً في فاعليته. وعلى الرغم من حضور السرد المكثّف فإن الحوار – في غيابه – ماثلٌ إذا ما استنطقنا النص القصصي. يقول هايدغر:”إن اللغة تحدث في الحوار، وهذا الحدوث هو كينونتها. إننا حدوث اللغة، هذا الحدوث زمني، هو بداية الزمن التاريخي الخاص بالإنسان”(218:10).
إذاً، الحوار الأساس كان حوار الحب (حب شهرزاد) مع الكراهية (كراهية شهريار للنساء) التي تظلّلها عقدة/ صدمة شهريار نتيجة خيانة زوجته له. توسّل هذا الحوار استحضار عالم عجائبي وأخبار من واقع آخر لإقصاء واقع شهريار المأزوم، ولتغييب، تالياً، أحقاده. وضمناً، إبعاد شبح الموت والخراب عن منزل الزوجية. والحوار الموازي له هو حوار الحب والحرية في صراعهما الجدلي لدى شهرزاد كما يتوضّح عند سارتر: فعلاقات الحب تسعى للقبض على الحرية – الوجود “خاصتي” عند الآخر الذي يحاول بدوره في علاقة الصراع – الحب أن يقبض على حريته عندي. غير أن المسألة عند شهرزاد/ المرأة أبعد من أن تكون في القبض على حريتها، إنما الإبقاء على حياتها، وإعتاق رقاب بنات جلدتها من سيف شهريار المأزوم. وبغَوصنا في طبقات النص العميقة ينكشف الحوار الذي تكلّم عليه أفلاطون في وصفه للحقيقة “بأنها حوار الروح الصامت مع النفس”(125:8). في الكلام والإصغاء في سكون الليالي ثمة حوار بين روح شهرزاد ونفس شهريار أخصب تحوّلاً جذرياً في واقع الاثنين معاً.
في هذا الحوار إخصاب يتجلّى في ثلاث ولادات:
- ولادة روحية – انبعاث – لشهريار مختلف بعد خروجه من مأزقه الوجودي المكبّل بالكراهية والقتل.
- ولادة أنطولوجية لشهرزاد بخلقها عالماً مختلفاً وواقعاً اجتماعياً وسياسياً أكثر إنسانية وحكمةً لها ولنساء زمانها، وللحاكم والرعيّة على حد سواء. أي تحقق الوجود الأصيل من أجل ذاتها- مع الآخرين.
- ولادة/ إنجاب ثلاثة أبناء ذكور لشهريار، أي إنتاج جيل جديد.
أما فاعلية الإخصاب/ الولادة فمرهونة بحركيّة الذات المهمّشة اجتماعيّاً وسياسياً بوصفها المرأة- الزوجة، ومن الرعية، إزاء شهريار الأصل بوصفه الرجل والحاكم. فالتبست إذ ذاك الأدوار وغدت منقلبة المواقع، وأضحى المهمّش أصيلاً والأصل مهمّشاً/ متلقّياً. إنما في إصغاء شهريار وانتظار شهرزاد حوارٌ غايته حدوث حقيقة الوجود الأصيل، وتحقّق الزمن الأعلى لروحين خلّدتهما الذاكرة العربية والعالمية.
“الليالي العربية”، ليست ليالي أنس وحب وسمر، وليست رحلة حكايات في عوالم عجائبية وإبحاراً في الحلم، وليست ليالياً عربية صِرف، فيما تحيلنا إليه الترجمة الغربية لعنوان المؤلَّف في تأطيرها المكاني والزمني؛ إنما هي ليالي انتظار حدوث الحقيقة عبر حوار صامت قد أخصب تاريخاً وانحفر في ذاكرتنا. ألف ليلة – و – ليلة عنوان شديد الالتباس في وضوحه وبساطته. إنه الفارماكون: ألف ليلة/كلمة منقوشة “خارج العالم” تروح وتجيء في محاولة لتغييب قيد المكان الحاضر، وكي تستحضر رحابة الأحلام المغيَبة فتنتج واقعاً اختلافياً. هي ليالي الحكايات وحكاية ليالٍ تنقش ذات – سيدة وجودها – شهرزاد.
__________________
الهوامش والمراجع
*تمّ اعتماد كتاب ألف ليلة وليلة بأجزائه الأربعة. بيروت، دار الكتب العلميّة.
1- سلفرمان، ج.هيو.نصّيّات بين الهرمنيوطيقا والتفكيكية. ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح. الدار البيضاء وبيروت، المركز الثقافي العربي. ط1، 2002م.
2- ريكور، بول. الوجود والزمان والسرد. ترجمة وتقديم سعيد الغانمي. الدار البيضاء وبيروت، المركز الثقافي العربي. ط1، 1999م.
3- حمداوي، جميل. “السيميوطيقا والعنونة “. مجلة عالم الفكر. الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون.عدد 3، مجلد 25، 1997 م، ص 79.
4-Heidegger, Martin. L’Etre et le temps.Gallimard,Paris,1964
5- الزين، محمد شوقي. تأويلات وتفكيكات- فصول في الفكر العربي المعاصر. الدار البيضاء وبيروت، المركز الثقافي العربي. ط1، 2002م.
6- سارتر، جان بول. الكينونة والعدم. تر. نقولا متيني. بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية. ط 1، 2009م.
7- Courtés, J. Introduction à la Sémiotique narrative et discursive . pr de A J Greimas .Paris, Hachette 6e. 1976
8- إبراهيم، عبد الله وسعيد الغانمي، و عواد علي.معرفة الآخر- مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة. بيروت، المركز الثقافي العربي. ط1، 1990م.
9-الهويدي، معاذ. أنسي الحاج:”الصمت العابر كالفضيحة”، مجلة كتابات معاصرة. بيروت، عدد 91،آذار-نيسان 2014.
10-أيوب، نبيل. نص القارىء المختلف (2). بيروت، مكتبة لبنان.ط1، 2011م.
11- سويدان، سامي. بيروت في الرواية الرواية في بيروت. مؤتمر. الجامعة اللبنانية، بيروت، دار الآداب. لاط، 2010م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلّة كتابات معاصرة – العدد 93- المجلد 24-ت1 وت2 2014.