بوريس توماشفسكي _ Boris Tomashevsky
يعد بوريس توماشفسكي ـ 1890-1957 م ـ (Boris Tomashevsky) من أهم الشكلانيين الروس الذين اهتموا بتاريخ الأدب الروسي من جهة، وبالأسلوبية والعروض وعلم السرد من جهة أخرى. وقد كان عضوا في الحلقة اللسانية بموسكو أو ما يسمى أيضا بأبوياز (OPOJAZ.).
وقد خلف لنا مجموعة من الكتب القيمة، مثل: (عن النظم)، و(النظم الروسي)، و(نظرية الأدب)، و(الكاتب والكتاب)، و(الشعر واللغة)، و(الأسلوبية والعروض)…
انتشرت نظرياته السردية في أوساط البنيويين والسيميائيين الفرنسيين منذ الستينيات من القرن الماضي، بعد أن ترجمها تزيتيفان تودوروف (T.Todorov) ضمن كتاب (نظرية الأدب) ، فتمثلها كثير من الدارسين والباحثين، مثل: رولان بارت (R.Barthes)، وكلود بريمون (C.Bremond)، وجيرار جنيت (G.Genette)، وتودوروف (T.Todorov)، وگريماص (Greimas)، وجوزيف كورتيس (J.Courtés)، وفيليب هامون (P.Hamon)، وفرانسوا راستيي (F.Rastier)، وغيرهم…
- اختيار الأغراض:
يرى بوريس توماشفسكي بأن النص أو العمل الأدبي يتكون من غرض أساسي بارز أو من مجموعة من الأغراض. وهي بمثابة أفكار أو تيمات أو موضوعات.
ويمكن الحديث عن الغرض الكلي أو الغرض الجزئي. أي: يتضمن النص مجموعة من التيمات الدلالية التي تتحكم في متوالية أو مقطع سردي ما. وفي هذا الإطار، يقول توماشفسكي:” خلال السيرورة الفنية، تتمازج الجمل المفردة فيما بينها، حسب معانيها، محققة بذلك بناء محددا، تتواجد فيه متحدة بواسطة فكرة أو غرض مشترك.
إن دلالات العناصر المفردة للعمل تشكل وحدة هي الغرض (الذي تتحدث عنه).وإنه من الممكن أن نتحدث سواء عن الغرض العام للعمل، أو عن أغراض أجزائه. ما من عمل قد كتب في لغة لها معنى إلا ويتوفر على غرض. أما العمل غير العقلي، فلا غرض له، نظرا لأنه ليس سوى تدريب تجريبي، أو تدريب مختبري بالنسبة لبعض المدارس الشعرية.
ويتميز العمل الأدبي بوحدة، عندما يكون قد بني انطلاقا من غرض وحيد، يتكشف خلال العمل كله.
نتيجة لذلك، تنتظم السيرورة الأدبية حول لحظتين هامتين: اختيار الغرض وصياغته .”
اضف إلى ذلك، أنه من الضروري أن يختار الكاتب غرضا مهما ليراعي أفق المتلقي. ويعني هذا أن صورة المتلقي حاضرة في ذهن الكاتب، ولو كانت مجردة ومفترضة.
بمعنى أن الكاتب يكتب للقارئ، وينبغي احترامه.لذا، عليه أن يقدم له أحسن ما لديه، فيختار المواضيع الإنسانية الخالدة والمتميزة، مثل: الحب والكراهية، والحياة والموت، والسعادة والشقاء، والخير والشر، والفضيلة والرذيلة…ويبتعد ، قدر الإمكان، عن المواضيع الواقعية الراهنة، أو المشاكل اليومية والاجتماعية المؤرقة للإنسان ، أو قضايا المرحلة (الثورات)، أو تناول مواضيع إيديولوجية التي تموت بانتهاء القضية والمرحلة الثورية… وبالتالي، فكثير من النصوص الأدبية الروسية كانت تمجد الثورة الاشتراكية، لكنها سرعان ما اضمحلت هذه النصوص بفشل هذه الثورة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وتاريخيا وثقافيا.
وفي هذا السياق، يقول توماشفسكي:” إن الوضع اليومي هو الشكل الأولي للراهن.غير أن أعمال الراهن لاتبقى عند زوال الاهتمام الوقتي الذي ابتعثها. ولذلك، فأهمية هذه الأغراض تتضاءل نظرا لأنها تتلاءم وتنوع الاهتمامات اليومية للمستمعين.
خلافا لذلك، فكلما كان الغرض مهما وذا أهمية باقية ، كلما تم ضمان حيوية العمل. وباطراحنا، على هذا النحو، حدود الراهن، يمكننا أن نصل إلى الاهتمامات الكلية (مشاكل الحب والموت) التي لاتتبدل، في العمق، على امتداد التاريخ البشري.ومع ذلك، فهذه الأغراض الكلية يجب أن تثرى بمادة ملموسة.فإذا لم تكن هذه المادة متصلة بالراهن، فإن وضع تلك المشاكل يغدو إجراء لاجدوى منه.”
وليس يكفي اختيار غرض مهم، بل يجب تدعيم تلك الأهمية بإثارة المتلقي واستفزازه وشد انتباهه، فالأهمية تجذب، والانتباه يستبقي. ومن هنا، فالعنصر” الانفعالي يساهم مساهمة واسعة في لفت الانتباه.ولهذا، فليس عبثا كون المسرحيات الموجهة إلى التأثير مباشرة في جمهور واسع تصنف، حسب خصيصتها الانفعالية، إلى كوميديات ومآس، فإثارة انفعال معين هو أفضل السبل لجذب الانتباه.”
ومن هنا، لاتتمثل راهنية العمل الأدبي في الحديث عن مشاكل الحياة المعاصرة بكل تناقضاتها الجدلية ، سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية أم تاريخية أم نفسية أم دينية أم حضارية ، أو التعبير عن مواضيع الساعة – مثلا- ، فهذا يسمى بوهم الحداثة أو وهم الزمنية عند أدونيس ، بل ينبغي أن يتناول العمل مواضيع مهمة وخالدة وثابتة، مثل: المواضيع الإنسانية المجردة ، كالحب، والفضيلة ، والخير ، والموت، والسعادة، والتضحية، والوفاء…ويحوي قيما انفعالية تثير إعجاب المتلقي وتقييمه.
على العموم، فلحظة الاستلطاف هي التي توجه الاهتمام، وتستبقي الانتباه، داعية القارئ إلى المشاركة في تطوير الغرض.”
وبناء على ماسبق، يستند النص أو العمل الأدبي إلى المعنى أو الدلالة أو الغرض. لذا، تستوجب منهجية التحليل أن نقسم النص أو العمل إلى فقرات ومقاطع ومتواليات سردية أو شعرية أو درامية ، محددة بعناوين غرضية أو تيمات جزئية أو بتيمة كلية ، كأن نقول: تيمة الاختطاف، وتيمة الهروب، وتيمة التحول، وتيمة العودة…
وتتحدد أغراض الأعمال الأدبية حسب أهميتها بالنسبة للمتلقي، وما يثيره هذا الغرض من انفعالات وجدانية على مستوى التعاطف والنفور.علاوة على ذلك لابد أن تكون هذه الأغراض مواضيع إنسانية مجردة وصالحة لكل زمان ومكان، تبتعد قدر الإمكان عن القضايا اليومية، ومواضيع الراهن، ومشاكل الحياة المؤقتة .
وعليه، ” فمفهوم الغرض هو مفهوم شامل يوحد المادة اللغوية للعمل الأدبي.فالعمل ككل يمكن أن يكون له غرض معين. وفي الوقت نفسه، فإن كل جزء من أجزائه يتوفر على أغراضه الخاصة. ويتلخص تفكيك العمل في عزل أجزائه التي تختص بوحدة غرضية نوعية…
وعن طريق تفكيك العمل إلى وحدات غرضية ، نصل في النهاية إلى الأجزاء غير القابلة للتفكيك .أي: إلى الجزئيات الصغيرة للمادة الغرضية. ويقصد بها الحوافز.”
ويتضح لنا، من هذا كله، بأن توماشفسكي يتبنى المقاربة الغرضية أو التيماتيكية (Approche thématique) في تقسيم النص إلى متواليات سردية، معنونة بتيمات وأغراض دلالية كلية وجزئية.