يُعَد الشاعر العماني هلال بن بدر البوسعيدي [1314هـ- 1385هـ] من أكثر شعراء العصر الحديث اهتمامًا بالوحدة العربية والإسلامية، وتأثُّرًا بالبيئة التاريخية التي نشأ في كنفها، وقد أفرد قصائد عديدة ينادي فيها بالوحدة، ويذكر أمجاد كل دولةٍ من دول وطنه العربي والإسلامي الكبير، ويعدِّد إنجازاتها، ويشيد بدورها التعاوني والبطولي تجاه شقيقاتها من الدول العربية والإسلامية؛ ومن ذلك قصيدة (حيِّ الكويتَ) [في ديوانه ص57- 58] التي يفتتحها بقوله: [البسيط]
حيِّ الكُويتَ وأهلِيها وراعِيها = حيِّ الكُويتَ وأهلِيها وراعِيها
إنَّ المكارمَ أعلاها وأكمَلُها = ضَمَّ الكُويتُ عليها مِن نَواحيها
يقدِّم هلال بن بدر تحيَّته للكويت وشعبها وحاكمها، بألفاظٍ لها دلالتها المعبِّرة عن استحقاقهم هذه التحية؛ حيث عبَّر عن الشعب أو المواطنين والسكان، بالأهل، وعبَّر عن الحاكم بالراعي؛ وفي هذا تعبيرٌ عن السياسة الداخلية في الكويت الشقيقة؛ فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم هي علاقة بين “الراعي” الذي يَعِي واجباته ويقوم بها خير قيام، وبين “الرَّعيَّة” الذين يجدون في راعيهم العدل والإنصاف والبذل والعطاء؛ فهم أهلٌ لبلدهم، يعرفون حقوقهم ويحصلون عليها،
ويعرفون واجباتهم ويؤدُّونها، حتى استحق بلدهم بذلك أن يمثِّل (العروبة في أسمى معانيها) كما يقول الشاعر في الشطر الثاني من البيت الأول، ولمَّا كان الأمر كذلك؛ فقد “ضمُّوا” أعلى المكارم وأكملها، من جميع نواحيها، وهو ما جعل الشاعر يقول في سياق التأكيد والتفصيل:
آلُ الصُّباحِ، وعبدُ اللهِ رأسُهُمُ = بُدورُ تمٍّ تعالَتْ في مَجاريها
وأمَّةٌ لعِبتْ في بَدْءِ نهضَتِها = دَورًا كريمًا لِقاصيها ودانيها
أكرِمْ بها أمَّةً قد طابَ عنصرُها = بينَ العروبةِ في عُليا بَواديها
وفي هذه الأبيات يكشف عن الفطرة النقية التي تحمل الخير بداخلها، فإذا حَسُنَ حالها؛ أحسنتْ إلى أشقائها وقدمت لهم يد العون، هذه الفطرة النقية تحملها دولة الكويت؛ التي سارعت بدءًا من اللحظات الأولى لنهضتها؛ إلى تقديم الخير والمساعدة إلى بلاد العرب والمسلمين.
ثم يستطرد هلال البوسعيدي في تبيين الدور العربي الذي اضطلعت به الكويت حتى أصبحت في الذروة العليا من المجد، يقول:
قامَتْ وجَدَّتْ ولمَّا يَمْضِ مِن زمنٍ = حتَّى دَعا له داعي الخيرِ داعيها
فأسَّسَتْ وبنَتْ أعلى مدارسِها = للشَّرقِ واحتضنَتْ أبناءَهُ فيها
فمِن حجازٍ إلى نَجْدٍ إلى يمَنٍ = إلى عُمانَ إلى أقصى صحاريها
فأطعمَتْ وكسَتْ ما قالَ قائلُها = إلَّا بأهلًا وسهلًا في نَواديها
وهنا يخص الشاعر نهضتها التعليمية؛ نظرًا إلى أهمية التعليم في تلك الحقبة التاريخية تحديدًا؛ حيث كانت بعض دول العرب والمسلمين تخطو خطواتها الأولى في هذا الميدان الحيوي الذي يمثِّل أحد أعمدة التقدم والرُّقيِّ، وفي هذا السياق لا ينسى الشاعر ذكر الضرورات الحياتية التي ينصرف إليها الذهن عند الحديث عن الكرم، فيذكر الطعام والكساء مُتْبِعًا ذلك بكلمة التَّرحاب “أهلًا وسهلًا”؛ كاشفًا عن مدى البذل والعطاء الذي تسلكه هذه الدولة العربية المسلمة، مؤكدًا ذلك بقوله في البيت اللاحق:
إنَّ الكويتَ إذا ازدانتْ بِثَروتِها = زادتْ مكارِمُها، طالَتْ أياديها
وهي لا تكتفي بتقديم المساعدات في حال السلم؛ بل في حال الحرب أيضًا تستغل ثرواتها ومقدَّراتها في إمداد الجيوش العربية والإسلامية؛ كما فعلت مع شقيقتها مصر، فيما يبيِّنه الشاعر العماني البوسعيدي بقوله:
وهذه مصرُ لمَّا مسَّ جانِبَها = حَزُّ السِّلاحِ بأيْدٍ مِن أعاديها
قامتْ وثارتْ ولا جيشٌ يؤازرُها = لكنْ بأموالِها سارتْ تُواسيها
فقد ساندت الكويتُ مصرَ وواستْها بمالها في أثناء العدوان الثلاثي الغاشم عليها سنة 1956م، وقد خلَّد التاريخ هذا الدور الكبير من دولة الكويت، وما زال الكويتيون يعتزُّون بهذا التعاون النبيل الذي قامت به بلادهم؛ وفي ذلك يقول الكاتب الكويتي يوسف الشهاب:
«وقد تَنادَى أهل الكويت أثناء العدوان الثلاثي، بالتبرع لمصر، وشُكِّلت لجنة تبرعات شعبية لدعم مصر في العدوان الذي تعرضت له، وطافت في الكويت تظاهرات تندِّد بالعدوان الثلاثي، في وقت كانت فيه الكويت تحت الحماية البريطانية، وكانت بريطانيا إحدى دول العدوان الثلاثي على مصر».
ونعود إلى هلال البوسعيدي فنجده يرسم صورة رائعة للتضامن والتآزر بين الأشقاء:
ومصرُ في مَنْعةٍ مِن حزمِ قادتِها = وجيشُها يومَ جدِّ الجدِّ حاميها
لكنَّ بالمالِ تعزيزًا لقُوَّتِها = وللكويتِ رسالاتٌ تؤدِّيها
فالقوة العسكرية لجيش مصر كانت تحتاج آنذاك إلى قوة اقتصادية تدعمها وتُعِينها، فكانت هذه القوة الاقتصادية هي الدعم الذي قدَّمته الكويت الشقيقة في إطار مؤازرتها لمصر في مواجهة العدو المشترك، ولا غرابة أن تقوم الكويت بكل ذلك؛ فهي كما يقول البوسعيدي:
هذي الكويتُ وهذا سرُّ نهضَتِها = وبانِيُ المجدِ والعلياءِ بانيها
تلك المَفاخرُ في شِعري أردِّدُها = وألسُنُ النَّاسِ والتَّاريخُ يَرويها
عاشتْ معَ الدَّهرِ في عزٍّ وفي نعَمٍ = واللهُ حارسُها واللهُ راعيها