صاحب نوبل للآداب 2021 يُحرج المترجمين العرب
تفاعلًا مع نبأ إعلان الأكاديمية السويدية القائمة على جائزة نوبل، فوز الروائي الزنجباري التنزاني البريطاني ذي الأصول الحضرمية اليمنية، عبد الرزاق سالم غورناه (قرنح)، بجائزة نوبل للآداب لهذا العام 2021، تباينت انطباعات وآراء الأدباء والكتاب العرب، حول شخصيته، التي بدت لهم شخصية جديدة.
إذ لم يكن في حسبان أحد أن اسمًا كهذا سيتوج بجائزة نوبل العالمية المرموقة، إلى درجة أن روائيًا عربيًا معروفًا كتب في صفحته على فيسبوك: “لا أحد قرأ لعبد الرزاق غورناه، ومع ذلك، سيكتب كثيرون أنهم قرأوا له. إنها معجزة نوبل في كل عام”.
في بادئ الأمر، تداول أدباء عرب، على فيسبوك، صورًا لعبد الرزاق غورناه، وكتب كثير منهم، مستفسرًا: هل فعلًا الرجل من أصول يمنية؟ وكانت هنالك تعليقات سريعة تستبعد هذا الأمر، منطلقةً من محتوى بيان الأكاديمية السويدية، الذي لم يشر إلى ذلك بتاتًا، فيما عدا بعض مواقع الصحافة الثقافية العربية، التي ذكرت في سياق تناقلها للخبر أن غورناه زنجباري تنزاني بريطاني من أصول عربية.
غير بعيد، كتب أدباء ونقاد ما مفاده أن غورناه فاز بجائزة نوبل “لأنه عبّر عن الإنسان وقضاياه”، وليس مهمًا أن تكون أصوله من هنا أو هناك. وفي السياق نفسه، كتب الناقد اليمني عصام واصل: “غورناه تنزاني من أب وأم حضرميين، تعرضت أسرته لعذابات شتى لم تعقه، بل مثلت له حافزًا للتعبير والتجاوز. كما أن فوزه بالجائزة مكافأة لتعبيره عن الإنسان وقضاياه الإشكالية”.
المؤسف أن الفائز بنوبل للآداب هذا العام لم يسبق لأحد أن تُرجم له كتاب إلى العربية، مما زاد الطين بِلّةً، لدى الفسابكة، في سخريتهم من مترجمينا، ومن دور النشر العربية، التي “ستبدأ حملة (مسعورة) لترجمة منجزه الروائي”، الذي يقدر بـ10 روايات، على الأقل. وفي الأثناء، شرع مترجمون عرب بنشر مقتطفات من أعمال غورناه.
لكن السخرية لم تقف عند ذلك، بل تعدته إلى محاكمة اللغة العربية عندما ذهب البعض للقول إن روايات غورناه لو أنها كتبت بغير الإنكليزية لما توجت بنوبل 2021.
ورغم أهمية الجائزة، يبقى “الإبداع الجدير بالاهتمام هو ما يخترقنا، ويفرض نفسه علينا، وتكون فيه جرأة وتجريب، وقدرة على الإضافة والابتداع، أو ما يكون كتابة قادمة من المستقبل”، وفقًا للشاعر والناقد المغربي صلاح بوسريف.
هذا من دون أن نتحدث “عن ظلم العربية، والكتابات العربية”، في الشعر والرواية، وليس نجيب محفوظ وحده من يمكنه أن يمثلنا في الكون، رغم قيمته، لأن هنالك كتابات وإبداعات عند كل الأجيال، فيها ما لا تبلغه لجنة نوبل، على حد تعبير بوسريف.
وفقًا للباحث الأكاديمي اليمني، خالد يسلم بلخشر، فإن الروائي الفائز بجائزة نوبل للآداب 2021، عبد الرزاق قرنح، من مواليد (زنجبار) الأفريقية، وهو من أبوين يمنيين، فوالده حضرمي يدعى “سالم قرنح”، أما أمه فاسمها “سلمى باسلامة”، وهي من مدينة “الشحر”، إحدى مدن حضرموت (شرقي اليمن).
في ملخص لبحث موسع، نشرته إحدى المجلات العلمية المحكمة، بعنوان: “الذاكرة الأليمة: الهجرة والعنصرية والتاريخ، في رواية عبد الرزاق قرنح: (طريق الحجاج)”، ينوه الباحث بلخشر أن البحث يقرأ من منظور النقد ما بعد الكولونيالي ـ توظيف الذاكرة الأليمة، رواية عبد الرزاق قرنح “طريق الحجاج” (الصادرة عام 1988)، حيث يواجه داؤود المهاجر التنزاني المسلم، وهو الشخصية المحورية في الرواية، أصنافًا شتى من العنصرية المقيتة، التي جعلته غير قادر على التكيف، مع واقع الحال في إنكلترا.
ومن هذا المنطلق، يناقش الباحث، التواجد المزدوج للماضي (من خلال الذاكرة)، والحاضر، اللذين من خلالهما، تتجلى حقائق الهجرة والعنصرية. فمن خلال توظيف الذاكرة التي تعيد إنتاج الماضي بمآسيه، استطاع “قرنح” أن يدين الممارسات الاستعمارية، في موطنه الأصلي.
كما أن علاقة داؤود بالممرضة الإنكليزية البيضاء، تأتي لتعزز جدارته للعيش في الغربة، ووسيلة لنسيان الماضي وذكرياته المؤلمة في زنجبار (قبيل وحدتها مع تنجانيقا لتصبح تنزانيا)، موطن طفولته وصباه، وما عايشته الجزيرة من أعمال القتل الجماعي والتشريد، لبعض الجاليات المقيمة على الجزيرة عقب الاستقلال، وتحديدًا، في ثورة يناير/ كانون الثاني…. أو كبته في الأقل.
ولكن، وبشكل غير واع، تعاود الذاكرة سيطرتها على فكر داؤود خلال السرد، وهنا تأتي محاولاته لتذكر طقوس من ذاكرة طوباوية جميلة عن بلده الأم، في محاولة للهرب من واقعه الأليم، وإحساسه بالتشرد وعدم الانتماء، غير أنه يقع فريسة للذاكرة الأليمة التي تسيطر عليه خلال السرد. وبهذا يخلص البحث إلى نجاح الرواية في توظيف الذاكرة الأليمة، لتوضيح حقائق عن الهجرة والعنصرية والتاريخ، وعن الاستعمار، وزيفه، وما خلفه وراءه من كوارث.
ومتحدثًا لـ”ضفة ثالثة”، ينوه بلخشر أن روايات عبد الرزاق قرنح تركز على التمييز العنصري، والهوية، والشتات، والبحث عن الجذور. كما أنه يتميز بأسلوب يعتمد كثيرًا على الذاكرة، فهو كثيرًا ما يسترجع الماضي بكل ما فيه.
ويعتقد بلخشر أنه، عند قراءة قرنح، ينبغي علينا أن نقرأ عن تاريخ زنجبار، فهي دائمًا إما تكون مكان الحدث، أو تكون مكان الذاكرة، التي يعود إليها الروائي مستذكرًا الطفولة الجميلة والجزيرة الرائعة، ولكن لا يغيب عنها، ما حدث في زنجبار عام 1964، من مجزرة بشعة، قام بها المناهضون للوجود اللاأفريقي (العربي والإيراني والهندي)، ذهب ضحيتها آلاف من غير الأفارقة.
وذلك بعد الاستقلال مباشرةً، وضم الجزيرة إلى ما عرف في ما بعد بتنزانيا، فكان مزيجًا من الذاكرة الأليمة، والذاكرة الطفولية البريئة. فعبد الرزاق، في رواياته، يتحدث كثيرًا عن “الحركة” من الجزيرة إلى بريطانيا، حيث استقرّ، وواجه صنوفًا من العنصرية، بحكم اللون الأسمر، وأيضًا بحكم عدم قدرته على الاندماج، في المراحل الأولى، من تواجده في بريطانيا، بسبب الإحساس بالانتماء للجزيرة.
لهذا نجد هذا الصراع يتواجد في داخل عبد الرزاق ما بين المكان الذي يعيش فيه، وإحساسه بالانتماء إلى مكان آخر، فيأخذنا من الذاكرة إلى الطفولة، ومن ثم يمزجها بتلك النبرة من الألم، لما صار في جزيرة زنجبار.
ويتابع بلخشر: كما أسلفت، تحدث عبد الرزاق قرنح (في رواياته) عن الشتات، عن الإرث الاستعماري، والممارسات الاستعمارية في زنجبار، التي ألقت بظلالها على مستقبل الجزيرة، وأيضًا، على مستقبل من هاجر، هروبًا من تلك المذبحة، ليستقرّ في أوروبا.
وكان قرنح، يضيف بلخشر، يظن أن بريطانيا ستحتضن هؤلاء الناس الذين غادروا من الجزيرة، على أساس أن ثمة إرثًا متبادلًا في ما بينهما، لكن للأسف، وُجِدت عنصرية، ومع هذا، استطاع قرنح أن يعيش في بريطانيا، وأن يكتسب الجنسية البريطانية، وأن يحصل على شهادة الدكتوراة في الأدب الإنكليزي، ليتدرج أكاديميًا حتى أصبح بدرجة بروفيسورًا، ورئيسًا لقسم اللغة الإنكليزية في جامعة بريطانية.
- حرج المترجمين العرب
“باقيس: لم تصدر أي ترجمة عربية لروايات عبد الرزاق قرنح. وهذا تقصير، في ظل غياب اهتمام الجهات المعنية بالترجمة، وربما التقصير من المترجمين العرب كذلك، ما يجعل سؤالًا ماكرًا يخطر في البال: هل ذلك بسبب الكاتب نفسه، أم بسبب أصوله اليمنية، وهل نحن نعاني في عالمنا العربي من عقدة مركزيات أخرى؟!”
يقول الناقد والأكاديمي اليمني عبد الحكيم باقيس، رئيس نادي السرد في عدن، لـ”ضفة ثالثة”: في الواقع، أنا مندهش مثلك لهذا الفوز الذي يلفت الانتباه إلى اسم عبد الرزاق قرنح، في عالم الأدب الروائي.. وبالتأكيد، كما ورد في بيان الجائزة، أنه يكتب أدبًا متميزًا ينتمي إلى مرحلة ما بعد الكولونيالية/ ما بعد الاستعمار، وهو توجه عالمي في الكتابة يعيد صياغة المرويّ، وينقض فكرة المركزية الأوروبية.
وأضاف باقيس: لعل في هذا الفوز اهتمامًا بالكتَّاب الأفارقة والعرب المهاجرين الذين يكتبون باللغة الإنكليزية.
غير أن باقيس يشدد على أنه “لا يهم، الآن، الحديث عن جذور قرنح العربية اليمنية الحضرمية، أو التنزانية، كما عرفه من خلالها العالم، لأن لهذا الفوز دلالته على الاهتمام بكتابات المهاجرين ممن تتسم كتاباتهم بخصوصية في التناول بالنسبة للقارئ الغربي”.
كما أن هذا الفوز، يضيف باقيس، هو فوز للرواية التي تؤكد مكانتها وحضورها وتأثيرها الكبير.. وقد علمت في زحمة الاحتفاء المحلي بهذا الحدث، أن هناك إشارات ظلت متكررة إليه وإلى رواياته في بعض الأوساط الأكاديمية في جامعة حضرموت.
ومستدركًا، قال باقيس، إنه، من اللافت أنه لم تصدر أي ترجمة عربية لروايات عبد الرزاق، على الرغم من مكانته هذه، وعدّ ذلك تقصيرًا، في ظل غياب اهتمام الجهات المعنية بالترجمة، وربما التقصير من المترجمين العرب كذلك، ما يجعل سؤالًا ماكرًا يخطر في البال: هل ذلك بسبب الكاتب نفسه، أم بسبب أصوله اليمنية، وهل نحن نعاني في عالمنا العربي من عقدة مركزيات أخرى؟!.. ومهما يكن، أظن أن هذا الفوز “سيحرج المعنيين بالترجمة إلى العربية” علهم يجتهدون في البحث، لاكتشاف ما يمتع القارئ العربي.
وبحسب الناقد سعيد سالم الجريري، فإن الروائي عبد الرزاق غورناه من مواليد زنجبار عام 1948، أبوه ممن هاجروا إلى شرق أفريقيا، وكانت لهم مكانة اجتماعية. أمه سلمى عبد الله حضرمية، أيضًا، من الشحر، من عائلة باسلامة.
وقد أهدى إحدى رواياته إليها. عائلته الكبيرة تعيش في مدينة الديس الشرقية في محافظة حضرموت. هاجر إلى بريطانيا عام 1966، بعد المجزرة المشهورة في زنجبار، في عام 1964، التي ألقت بظلالها على وضع العرب هناك، ولا سيما العمانيين والحضارم.
حصل على الدكتوراة في الأدب الإنكليزي، وترقى أكاديميًا حتى نال لقب برفيسور في الأدب في جامعة كينت البريطانية.
ولم يكن أغلب الأدباء والمثقفين اليمنيين يعلمون عنه شيئًا، فرواياته لم تترجم إلى العربية، وكان اسم عائلته بالحروف اللاتينية يقرأ غورنه، أو غورناه، بحيث لا يحيل على اسم عائلة معروفة لديهم.
ويضيف الجريري: هنالك قلة من أدباء حضرموت ومثقفيها يعلمون عنه، وشخصيًا أعرف عائلته وأقاربه، فهم من بلدتي الديس الشرقية (شرقي حضرموت)، وقد أقمنا فعالية خاصة برواياته في فرع اتحاد الأدباء في المكلَّا قبل عشر سنوات، تناول فيها د. خالد بلخشر، أستاذ الأدب الإنكليزي في جامعة حضرموت، أعمال قرنح السردية بالتحليل النقدي.
- قرنح: والدي يتحدّر من أسرة يمنية
تجدر الإشارة إلى أنه في منتصف العام 2008، أجرت صحيفة “المدى” العراقية حوارًا مع عبد الرزاق قرنح، وهو الحوار الوحيد الذي أجري معه عربيًا، قبيل فوزه بنوبل. وكان من بين الأسئلة: “عندما قرأت اسمك للمرة الأولى تصورت أنه يعني (قرنة)، وهي المدينة التي يلتقي فيها دجلة بالفرات.
هل أصلك عربي، وهل هنالك تأثير عربي في طريقة ضمك للحكايات في نصوصك؟”. أجاب قرنح قائلًا: “لا أعتقد أن هنالك تأثيرًا عربيًا في طريقة كتابتي.
لا أتكلم العربية رغم أنني تعلمت قراءة القرآن في طفولتي، والكثير من القصص التي سمعتها طفلًا، والتي تتنقل في رواياتي، لها أصل عربي وفارسي وهندي بوجه الاحتمال. زنجبار كانت ولا تزال مكانًا لثقافة كثيرة الامتزاج. أما في ما يخص أصولي العائلية، فوالدي يتحدر من أسرة يمنية، ولذلك لا أعتقد بوجود علاقة مع العراق.. ولكن من يدري”.