إصداراترقمنة ومعلوميات

مراجعة كتاب: «كيف تكون باحثًا: دليل إستراتيجي للنجاح الأكاديمي»


يضُمّ القسم الثاني الذي أعطاه المؤلف عنوان “فلسفة الأبحاث وعلم نفس الأبحاث” فصلين (هما الفصل الثامن والفصل التاسع) وأفكارًا ختامية عن العمل البحثي. ويتطرّق إلى مسألتين مهمتين هما اختبار الفرضيات والاستدلال الإحصائي، بالإضافة إلى المنطق وأنواعه والاستنتاجات والانحياز المعرفي وأنواعه أيضاً التي تؤثر على نتائج البحث والدلالة الإحصائية وتفسيرها ومدى ثباتها وصدقها وضرورتها في المقام الأول.

يسلّط المؤلف الضوء على المنطق والمنطق الاستنتاجي في الفصل الثامن الذي يحمل عنوان “اختبار الفرضيات والمنطق” فيقول:” يُعدُّ المنطق والمنطق الإستنتاجيُّ مركز التَّفكير العلميِّ في فلسفة العلوم التَّقليدية “(ص، 130).

ويَعُدّ المؤلّف النَّظريَّات العلمية أنظمةً منطقيَّة تسمح للباحث باستنتاج التَّنبُّؤات والتَّفسيرات، وتقديم الحجج والبراهين التي لا تعتمد دومًا على المنطق الاستنتاجي أو الرياضيات بقدر ما تعتمد على حجج اللغة الطبيعية.

وبطبيعة الحال ينبغي للباحث أن يتجنّب الوقوع في مصيدة الانحياز المعرفي وانحياز الإثبات وانحياز الاعتقاد التي تؤثر على اختيار موضوعات أبحاثه وتقييمه للدراسات السابقة ونتائجها بالإضافة إلى نتائج أبحاثه. ويعتقد المؤلّف أنه من الصعب تجنّب الانحياز في كتابة الأبحاث لأنّه متوغّل في الفكر البشري، وقد لا يدركه المرء أحيانًا بسبب هذا التوغّل العميق.

ينتقل المؤلّف إلى الحديث عن الاستدلال الإحصائي في الفصل التاسع الذي يحمل عنوان “الاستدلال الإحصائي”؛ إذ يقول: ” إنّ التَّفكير بالاحتمال صعب على كلِّ شخص، ونحن -علماءَ النَّفس- لسنا محصَّنين من أنواع الانحياز المعرفيّ”(ص، 152).

فالناس، ومنهم الباحثون، يميلون إلى الوقوع بفخّ الانحياز المعرفي عندما يطلقون أحكامًا واستنتاجاتٍ حَدْسيَّة ذات طبيعة إحصائيَّة. ويعتقد المؤلّف أنَّ استخدام الباحثين لإجراءات إحصائيَّة رسميَّة لا تحميهم من الانحياز المعرفي بل تنطلي على مغالطة كبيرة وخطيرة “تجعلنا نفكِّر أنَّنا نجد دليلاً على الفرضيَّات من خلال رفض فرضيَّة العدم ببساطة، والتي هي تقريباً خاطئة حتمًا في المقام الأوَّل “(ص، 152).

ويعتقد المؤلّف أن اختبارات الدلالة الإحصائية التي يجريها الباحثون ليست خالية من العيوب، ولا تقلل من خطر الوصول إلى استنتاجات خاطئة، وهي ليست معيارًا علميًا دقيقًا لصحة نتائج الأبحاث وسلامة منهجيتها، ولكنها موجودة ويمارسها الباحثون منذ فترة طويلة، وهكذا جرت العادة.

 يختم المؤلف كتابه بأفكار شخصية تتعلّق بمهنة التدريس الأكاديمي والبحث العلمي التي لا يَعُدّها مربحة وممتعة كبعض المهن الأخرى في مختلف الميادين، وذلك بسبب كثرة الضغوطات التي يتعرّض لها الأكاديميون، من حيث العبء التدريسي والعمل الإداري والنشاط البحثي الذي بات معيارًا مهمًّا من معايير تقييم الأداء الوظيفي.

ويضيف المؤلّف أنّ الطلاب في هذه المرحلة “مهتمون بالدّرجات والمعدَّلات التي يحصلون عليها أكثر من جودة تجربة التَّعليم. ويتمُّ تقييم أعضاء هيئة التَّدريس باستمرار من خلال أدائهم التَّدريسيِّ ودخل منحهم البحثيَّة ومنشوراتهم “(ص، 154).

ويعتقد المؤلّف أن التوجّه العام للأكاديميين في هذه الفترة ليس البحث عن الحقيقة وتنوير عقول النشء بقدر ما بات السعي إلى الحصول على منح بحثيَّة ضخمة، ونشر أبحاث كثيرة في مجلَّات علميَّة ذات عوامل أثر عالية، والحصول على الترقية في السلّم الوظيفي الأكاديمي.

ويختم المؤلف كلامه باعتقاده أنّ البحث العلمي فقد شيئًا ما على الرغم من زيادة معدّلات النشر وتحسّن جودة الأبحاث بطريقة ملحوظة. وربما يقصد المؤلّف أنّ ما فُقِد هو الشغف الحقيقي بالنشاط البحثي، والدافع الذاتي الأصيل لدى الباحثين والأكاديميين للقيام بالأبحاث في سبيل تطوير العلوم والمعارف وخدمة الإنسانية.


د. عمر عثمان جبق محاضر في كلية المجتمع بالرياض.

الصفحة السابقة 1 2 3 4

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

تعليق واحد

  1. أقدّرجهدكم الذؤوب لتعميم المعرفة وتنشيط العقول،اللهم أجعل سعيكم هذا في ميزان حسناتكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى