المثاقفة بحث عن الهوية المسلوبة
- ماهي الثقافة؟ وماهي طبيعتها؟
في الحقيقة إن تتبع مصطلح الثقافة يفضي الى ممارسات عدة تدخل تحته دون معيار تستند اليه، فنقول العادات مثلا ثقافة ولكنني أرى أنها سلوك بشري يخص كل جماعة قد يكون سليما أو منافيا للعقل وهذا مالا يصنف ضمن الثقافة لأنها في تصوري مجموع السلوكيات السوية الخاضعة لمنطق الخدمة البشرية.
والتي يرجع أصلها إلى قيم عليا قد تتجسد وقد تغيب ومنه تتشكل خصوصية الثقافة الخاضعة في الأساس إلى مركز ديني وسياقي وغيره وبهذا تقوم الثقافة على حيز مفاهيمي وممارسي ذا طابع وجودي في ذاته إنساني في مناشدته الحضارة.
ولعل المتأمل في واقع المشهد الثقافي الحضارية ينطلق من الانتكاسة العربية واتساع الهوة بين التاريخ والفرد العربي، وكذلك إقرار العجز التطوري في الكيان العربي، الذي أصبح بموجبه الوضع الثقافي منهكا تماما،
ومع موجة التحديث العيني وهبوب رياح العصرنة على مختلف أقطار العالم العربي، صرع العقل العربي أمام التطورات الهائلة التي ألحقت بالجهاز المعرفي الغربي والجهاز الأداتي كذلك، فوجد العربي الهائم نفسه بين قبضة المسايرة ومفاهيم المواكبة والتغيير المنظوماتي بكل جوانبه.
راح هذا الاخير يستورد المعارف الأداتية التي كافحت في أرضها الام لسنوات كثيرة محاولا تفعيل هذه الأخيرة في أرض مخلخلة الهوية التي انشطرت إلى تابع مثاقف كما ادعى مسايروا التقدم وإلى محافظ يروم الاستقرار العيني نظرا لما يمثله التاريخ في تقويم الكيان العربي، ومنه كان مصطلح المثاقفة الذي يختلف مفهومه باختلاف مشارب دعاته وجه آخر للتعامل مع دخيل يزحف على كل المركزيات المجتمعية.
فكيف نثاقف القوي؟ وبماذا نثاقفه؟ وللإجابة على هذه الأسئلة يجب أولا الاقرار بالتخلف الذي يمس جوانب الحياة العربية ، ثم تتبع مختلف الخطابات العربية في مختلف السياقات للكشف عن مستوى الوعي الجمعي لهذا الوطن الهائم،
والحال كذلك فإن مفهوم المثاقفة مفهوم استقرائي فقط يعمل أصحابه على المحافظة على الأمن السياسي والاقتصادي بمجاراة الوافد بالتبني أو الرفض، وهكذا شكل المصطلح نقطة توقف إلى حين تفعيله إما بالحرب أو الدمار.
وحين الانطلاق من المشهد الثقافي العربي بكل تمفصلاته السياسية والاجتماعية والمعرفية نلمح تنميطا لأفق التقبل والتعديل ، والكثير من الهويات المنتشرة التي تقومها فكرانيات متعددة ، هذه الفكرانيات أصبحت بالتبدل الزمكاني تمثل مركزيات للعديد من التجمعات الإنسية ، ومنه أصبح الصراع ملمحا من ملامح السياقات المختلفة،
ومع محاولة مد الأفق يحدث التصدع الهوياتي فتقوض المركزيات بعضها وتصبح الساحة دامية والهوية أطيافا تسيرها نزعات وأهواء سلطوية تملك الخطاب .
وتبعا لذلك تصبح الهوية ممزقة تتراوح بين أصل ودخيل محاولة هذه الأخيرة إقامة جسر للتكيف مع هذا الوضع ،ومن هذا التمزق والشتات نقع في هوية الأزمة التي تتشكل من أزمة الهوية فهوية الأزمة نقصد بها توصيف أزمة الهوية التي نسعى إلى فك شفراتها، هل هي أزمة عقل ومنطق وتقبل ونقد أم هي أزمة طبيعة ذاتية أم أزمة فاعلية أم أزمة وجودية،
كل هذه الاسئلة يجب الإجابة عنها لتحديد هوية أزمتنا هل هي هوية لنا أم من لغيرنا، والملاحظ من تتبع مختلف السياقات أننا نعيش الأزمتين أزمة هوية التي أضافت هوية للأزمة ومنه وقع الفرد بين البينين ، يعيش خطابا يزعم الحلول ويعيش خطابا آخر،
والذي يحفر في السلوكيات ومضمرات النتاج الثقافي العربي سيجد المزاج الثقافي أصيب بالعمى الثقافي على حد قول الغذامي، هذا العمي دفع به الى استقبال عشوائي لخصوصيات ثقافية تنبع من بيئة مختلفة.