ابن عقيل – ibn ‘Aqil
بهاء الدين عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عقيل، المتوفى سنة 769 هـ. من نسل عقيل بن أبي طالب، ولد وتوفي بالقاهرة، ووَلِي منصب قاضي القضاة فيها. له كتاب الشرح الأشهر والمعتمد على ألفية ابن مالك والذي عُرف باسمه “شرح ابن عقيل” في النحو والصرف.
الإمام ابن عقيل من أشهر الفقهاء الذين بلغوا مرتبة الاجتهاد، وصنف مؤلفات قيمة في كل العلوم الإسلامية، وصار رئيس العلماء، وصدر الشافعية في عصره، ولقبوه بالفقيه النحوي، وظل يفسر القرآن لمدة ثلاث وعشرين سنة حتى وافته المنية.
يقول الشيخ منصور الرفاعي عبيد – وكيل وزارة الأوقاف المصرية الأسبق – ولد بهاء الدين أبو محمد، عبد الله بن عبد الرحمن بن عقيل، بمدينة القاهرة في سنة 694 هـ، وكان أجداده يقيمون في همذان وانتقلوا إلى بلدة بالس، التي تقع بين الرقة وحلب، ثم أقاموا بالقاهرة، ولذا قيل في نسبه العقيلي الطالبي الهاشمي الهمذاني المصري.
ونشأ بالقاهرة واتجه إلى تحصيل علومه بها ودرس الفقه والحديث والكلام والتفسير وغيرها من علوم الشريعة والعربية، على أكابر ومشاهير علمائها، فأخذ الفقه عن شيخ الشافعية زين الدين عمر المعروف بابن الكتاني، وقرأ النحو على أبي حيان الأندلسي أشهر نحاة عصره،
وكان له دور كبير في اكتشاف مواهبه وتوجيهه، ولازمه اثنتى عشرة سنة، حتى صار من أجل تلامذته، ولازم علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي وأخذ عنه الأصول والتفسير والفقه والنحو والمعاني والعروض، وقرأ القراءات على شيخ القراء بالديار المصرية تقي الدين بن الصائغ، ولازم جلال الدين القزويني صاحب كتابي «التلخيص» و«الإيضاح في علوم البلاغة»، فأخذ عنه الفقه وعلوم العربية.
وواصل ابن عقيل اجتهاده في تحصيل العلوم والمعارف حتى ارتقى منزلة عالية بين علماء عصره، وبلغ من العلم أن كان رأس علماء المذهب الشافعي في عصره، والمبرز في علوم العربية، فأصبح رئيس العلماء بالديار المصرية، وقد ساهم في علوم عديدة حتى أطلق عليه الفقيه النحوي، وعده السيوطي «نحوي الديار المصرية».
وعرف ابن عقيل بالذكاء وسعة العلوم والورع والغيرة على الدين وبجودة الاستنباط وسرعة الجواب والوقار والكرم. وكان قوي النفس، يترفع عن مخالطة الأمراء والحكام وأرباب الدولة، ويأنف من التردد عليهم، فاكتسب مكانة كبيرة لديهم وبالغوا في الخضوع له وتعظيمه، ولعلمه وبراعته ومقدرته العقلية وقوة حجته، تولى ابن عقيل منصب القضاء،
وأصبح نائباً لجلال الدين القزويني في محلة الحسينية، ثم نائباً لعز الدين بن جماعة في القاهرة، وتنقل وتدرج في ولاية القضاء حتى بلغ مرتبة القضاء الأكبر، وتركه بعد مدة قصيرة لخلاف وقع بينه وبين ابن جماعة في سنة 759هـ.
- القضاء والتدريس
يذكر أنه أثناء توليه القضاء كان القضاة قبله قد أمروا ألا يكتب أحد من الشهود وصية إلا بإذن القاضي، فأبطل ابن عقيل هذا، وقال: «إلى أن يحصل الإذن قد يموت الرجل»، كما أثر عنه أنه فرق على الفقهاء والطلبة في ولايته للقضاء على قصرها ستين ألف درهم.
واشتغل ابن عقيل بالتدريس في أشهر مدارس القاهرة، وتصدر حلقات تدريس فنون مختلفة من العلم لا سيما علوم العربية والفقه والتفسير، فدرس في المدرسة القطبية، وزاوية الشافعي، وجامع القلعة، وفي الزاوية الخشابية بعد العز بن جماعة، ثم عين مدرسا للتفسير بالجامع الطولوني بعد وفاة أستاذه أبي حيان، ففسر القرآن لتلامذته في مدة ثلاث وعشرين سنة، ثم شرع في تفسيره ثانية إلا أن منيته حالت دون ذلك.
وتتلمذ عليه مجموعة كبيرة من النجباء منهم سراج الدين البلقيني، والجمال بن ظهيرة، وولي الدين العراقي. وقال فيه أستاذه أبو حيان الأندلسي: «ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل»، وقال عنه ابن رافع: «كان قوي النفس، تخضع له الدولة، ولا يتردد إلى أحد، عنده حشمة بالغة».
ويعتبر تفسيره المعنون «الذخيرة في تفسير القرآن» من أشهر كتب التفاسير، كتب منه مجلدين، ووصل فيه إلى سورة النساء، ثم اختصره في كتاب سماه «الإملاء» أو «التعليق الوجيز على الكتاب العزيز»، ويتميز بتناول التفسير من جميع جوانبه فيبدأ باللغة، ثم الإعراب، ثم الحجة، ثم القراءة، ثم المعنى، وآراء المذاهب الإسلامية وعلمائها، فجاء هذا التفسير مميزاً، ومعترفاً به من قبل الأمة الإسلامية.
وطبع في جميع الأقطار عدة مرات. وتوفي – رحمه الله – في 23 من ربيع الأول من سنة 769هـ، بالقاهرة ودُفن بالقرب من الإمام الشافعي.
- مؤلفات قيمة
ترك ابن عقيل مؤلفات قيمة في النحو والتفسير والفقه، تدل على سعة علمه منها «شرح ألفية ابن مالك»، وهو من أحسن شروح الألفية وأيسرها عبارة، ارتسمت فيه معالم المنهج التعليمي، وقوامه سهولة العبارة ووضوحها، والابتعاد عن التفصيل، والإقلال من ذكر الخلاف بين النحويين، وقد حققه أكثر من واحد، وطبع غير مرة.
وكتاب «المساعد على تسهيل الفوائد» شرح فيه كتاب «التسهيل» لابن مالك، بأسلوب لا يختلف عن أسلوبه في شرح الألفية من حيث وضوح العبارة وإيجازها، وحظي الكتابان بشهرة واسعة،
وله في فقه الشافعية كتاب «الجامع النفيس» ويتميز هذا الكتاب بالسهولة والحرص على جمع الخلاف والأوهام الواقعة للنووي وابن الرفعة وغيرهما، وقد ذكر ابن الجزري أنه كتب منه ستة مجلدات، وأنه اختصره بعد ذلك بكتاب سماه «تيسير الاستعداد لرتبة الاجتهاد» واشتهر أيضاً باسم «التأسيس لمذهب إدريس».