منبرُنا

عن البيض واللحمة والدوبار *

 

حكى لي صديقي سمير أنه ذات يوم مرّ بسوق “باب جنين” في مركز مدينة حلب، و هو سوق شعبي للخضار و الفواكه و اللحوم و المواد الغذائية و… و بعد جولة تبضع و اختبار، شاهد امرأة ريفية تعرض بيض “بلدي” للبيع، قال لي عرفت ان البائعة فعلاً من الريف لا من خلال لباسها الواضح للعيان فحسب، بل من خلال لهجتها القريبة من لهجة ريف حلب الغربي، سألتها بعد السلام :

• بكام البيض يا خالتي؟ و هل هو حقاً بلدي؟

قالت الفلاحة :

• نعم هو بيض بلدي من إنتاج دجاجاتي في القرية، و ليس بيض مداجن كما يغشّ الآخرون ، و العشر بيضات يا عين خالتك بورقتين و ربع.

قال سمير لم أكن متأكداً من صحة نسبة البيض لدجاجاتها البلديات، و ربما يكون كغيره بيض مداجن يلوثونه بزرق الدجاج، و يضعون تحته قليلاً من “التبن” في سلة ريفية من عود القصب نسميها (قرطل) أو (قفّة) فيظن المشتري بالبيض خيراً من خيرات بلادي، و عندما يجربه للطبخ في البيت مع السمن أو الزيت، يقول يا ليتني ما اشتريت.

المهم يا صديقي أنني استغربت السعر الذي طالبت به الفلاحة بصراحة ، فقلت لها مستنكراً :

• افّ ليش هيك سعره غالي ؟ إمبارح كان سعر العشر بيضات البلديات بليرتين فقط، لماذا ازداد سعره اليوم ربع ليرة؟

ضحكت المرأة على سذاجة سؤالي و ضحالة معلوماتي و ردت علي قائلة بزهو :

• ليش ما بتعرف يا عين خالتك إنو غلي (ارتفع سعره) “الدوبار” ؟

صفنتُ قليلاً و فكرت ما هو هذا الدوبار؟ أهو نوع من العجّور أم الخيار؟ أم يكون نوع من العلف الفاخر لتحسين نسل الدجاجات البيّاضات و أنا لا أعلمه ؟

ابتسمت ببلاهة الجاهل و جاوبتها :

• لا والله يا خالتي ما سمعت بهيك شي، و ايش هادا الدوبار؟

ابتسمت بياعة البيض البلدي ابتسامة بلدية الصنف، و قالت :

• يا عين خالتك هادا الدوبار تبع بوش، ارتفع سعره بسبب حرب العراق.

ها هنا يا أبو الجود ما مسكت حالي عن الضحك، و يمكن افسدت وضوئي من كثرة الضحك، تمالكت نفسي وأنا مازلت أضحك قليلاً ، و قلت لها :

• يا خالتي هادا اسمه الدولار، بس ايش دخل الدجاج البلدي بالدولار الأمريكي؟
قالت المرأة :

• ما بعرف، سمعت الناس عم تقول ارتفع الدوبار، عفواً الدولار الأمريكي ، و نزلت الليرة السورية ، قمت رفعت سعر البيض متل غيري عمرو و زيد من الناس .


بعد عشرين عام أو أكثر، سألني صديقي العراقي “حسن” زميلي في اللجوء :

• هل صحيح أن حكومتكم السورية وزعت لكل أسرة فقيرة في الريف عشرة أو خمسة عشر دجاجة بلدية بياضة؟

قلت لحسن :

• نعم هكذا علمت من “الفيس بوك” ، لكنهم يقولون ان الشعب الصامد في الريف لا يعرف من أين يجلب للدجاجات البلديات ديك وطني غيور غير مشكوك في نسبه ، فقد وزعت الحكومة الرشيدة الدجاجات البيّاضات بدون ديك، و يجب الحفاظ على وحدة و جودة اللحمة البلدية الصافية ، عفواً اللحمة الوطنية المقاومة لأطماع اللحمة الأجنبية المستوردة بالدوبار .

جحظت عينا حسن و سألني بدهشة :

• و ايش هادا الدوبار، طال عمرك أخوي جهاد؟

قلت له مبتسما :

• الدوبار هو عملة أمريكا الامبريالية، نحن عرّبناه و اعربناه بالرفع، و دبرنا أمره في وجه الليرة السورية الصامدة بالسكون ، حتى جعلناه يسوي ستمئة و خمسة عشر ليرة سورية بكل فخر بعدما كان بستمئة و عشرين ليرة ، و إذا سارت أمور الدجاجات البياضات وفق الخطة المرسومة من قبل جهابذة علماء الاقتصاد الوطني ، سنجعل من الدولار مجرد قرد محتار.


جهاد الدين رمضان
في فيينا ٢٢ حزيران ٢٠١٩

 

جهاد الدين رمضان

جهاد الدين رمضان، محامٍ وكاتب مستقل من سوريا. مُقيم في النمسا حالياً بصفة لاجئ. أكتب القصة القصيرة والمقال ومُجمل فنون أدب المدونات والمذكرات والموروث الشعبي. نشرتُ بعض أعمالي في عدد من المواقع ومنصات النشر الإلكتروني والصحف والمجلات الثقافية العربية. لاقت معظمُها استحسانَ القراء و لفتت انتباه بعض النقاد لما تتسم به من بساطة في السرد الشيق الظريف و أسلوب ساخر لطيف؛ مع وضوح الفكرة وتماسك اللغة وسلامتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى