اقتصاد

أثر انضمام ليبيا إلى منظمة التجارة العالمية على الاقتصاد الوطني الليبي

دراسة نماذج السلاسل الزمنية باستخدام HMM وRandom Forest

  • ملخص الدراسة

تتناول هذه الدراسة أثر انضمام ليبيا إلى منظمة التجارة العالمية (WTO) على أداء اقتصادها الوطني، مستندة إلى تحليل بيانات اقتصادية ممتدة من عام 1977 إلى عام 2016، شملت متغيرات مثل الناتج المحلي الإجمالي، التضخم، الصادرات، الواردات، التوازن التجاري، والميزانية العامة.

اعتمدت الدراسة نماذج تحليلية متقدمة كـ Boxplot، Bar Chart، Heatmap، Random Forest، ونموذج ماركوف المخفي (HMM) لاكتشاف الأنماط والارتباطات والتأثيرات البنيوية. وتشير النتائج إلى وجود تحولات ملحوظة في المؤشرات الاقتصادية بعد الانضمام، لكن بأثر متفاوت بين القطاعات، إذ ارتبط الانفتاح التجاري بزيادة الصادرات والاستثمارات في بعض الفترات، مقابل ضغوط واضحة على الميزان التجاري وبعض الصناعات المحلية.

وتُبرز الدراسة الحاجة إلى إعادة توجيه السياسات الاقتصادية الليبية بما يضمن الاستفادة المثلى من انفتاحها التجاري، مع تحصين القطاعات الإنتاجية الضعيفة وتقوية البنية المؤسسية.

الكلمات المفتاحية:
ليبيا، منظمة التجارة العالمية، التجارة الدولية، الاقتصاد الليبي، نموذج ماركوف، Random Forest، تحليل بياني، العولمة.

  • :Study Abstract

This study examines the impact of Libya’s accession to the World Trade Organization (WTO) on its national economic performance, drawing on economic data spanning from 1977 to 2016. Key variables analyzed include GDP, inflation, exports, imports, trade balance, and fiscal budget.

The study employs advanced analytical models—Boxplot, Bar Chart, Heatmap, Random Forest, and the Hidden Markov Model (HMM)—to detect patterns, correlations, and structural impacts. Results indicate significant shifts in economic indicators following WTO accession, with varied effects across sectors. Trade liberalization correlated with increased exports and investment in certain periods, but also led to pressure on the trade balance and local industries.

The study underscores the necessity for Libya to recalibrate its economic policies to maximize the benefits of global trade while protecting vulnerable productive sectors and strengthening institutional frameworks.

:Keywords
Libya, WTO, International Trade, Libyan Economy, Markov Model, Random Forest, Data Analysis, Globalization.

  • مقدمة

في إطار تحليل التغيرات الاقتصادية طويلة الأمد، تُمثل السلاسل الزمنية أداة إحصائية محورية لفهم الديناميات الهيكلية التي تؤثر على أداء الاقتصاد الوطني. في هذه الدراسة، نُعنى باختبار فرضية رئيسية تتمثل في: “هل أدى انضمام ليبيا إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2000 إلى تعزيز الأداء الاقتصادي للبلاد؟”. وللإجابة على هذا التساؤل، سنقوم بتحليل بيانات اقتصادية تغطي فترة زمنية تمتد من عام 1977 إلى عام 2016، مع التركيز على مدخلات ومخرجات الاقتصاد الليبي، واختبار التغيرات التي طرأت قبل وبعد عام 2000.

تمثل نقطة الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية لحظة محورية في السياسة الاقتصادية الليبية، ما يستدعي استخدام نماذج تحليل متقدمة قادرة على التقاط التغيرات البنيوية غير المرئية على مستوى البيانات الخام. وعليه، تم اختيار نموذجين تحليليين من الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي هما: نموذج ماركوف المخفي (Hidden Markov Model – HMM)، ونموذج تصنيف الغابة العشوائية (Random Forest Classifier).

  • نموذج ماركوف المخفي (HMM):

يعتمد هذا النموذج على مبدأ وجود “حالات خفية” غير مرصودة تحكم سلوك السلسلة الزمنية. يتمثل دوره في تحليل النقاط الزمنية واكتشاف الفترات الزمنية التي شهدت تحولات نوعية في أداء الاقتصاد الليبي، دون افتراض مسبق عن توقيت هذه التغيرات. ومن خلال هذا النموذج، نهدف إلى التحقق مما إذا كانت تلك التغيرات تتزامن مع فترة ما بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، الأمر الذي يعزز أو يدحض فرضيتنا البحثية.

  • نموذج الغابة العشوائية (Random Forest):

يُستخدم هذا النموذج ضمن إطار التعلم الآلي للإشراف على عملية التصنيف، حيث يتم تقسيم البيانات إلى 80% بيانات تدريب و20% بيانات اختبار. في مرحلة التدريب، نقوم بتعليم النموذج التفريق بين البيانات التي تنتمي إلى الفترتين: ما قبل 2000 وما بعده، على أمل أن يتعلم النموذج التوزيعات والأنماط التي تميز كل فترة. ثم نُخضع النموذج لاختبار تنبؤ باستخدام البيانات الجديدة للتحقق من دقته وقدرته على الاستنتاج الصحيح.

لكن قبل الشروع في بناء النماذج، يتطلب التحليل العلمي الممنهج إجراء استكشاف مبدئي شامل للبيانات، يشمل دراسة التوزيع الإحصائي للمتغيرات الرئيسية، والتأكد من عدم وجود قيم شاذة أو متطرفة قد تؤثر على نتائج النماذج. كما يجب تحليل الترابط بين المتغيرات الاقتصادية المختارة، لتحديد مدى التأثير المتبادل بينها وتقدير أوزانها النسبية داخل النظام الاقتصادي.

تمثل هذه الدراسة محاولة علمية لتحليل التحول الاقتصادي في ليبيا في ضوء سياسة الانفتاح التجاري العالمي، عبر أدوات تحليل متقدمة تدمج بين علم الإحصاء وتعلم الآلة. وتكمن أهمية البحث في توفير تقييم موضوعي لمخرجات الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، انطلاقا من بيانات كمية واقعية ونماذج تفسيرية تنبؤية رصينة.

1- المنهجية وتحليل البيانات

  • 2.1 منهجية الدراسة

تعتمد هذه الدراسة على تحليل كمي تجريبي لقياس أثر انضمام ليبيا إلى منظمة التجارة العالمية في العام 2000 على بنية الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال توظيف نماذج السلاسل الزمنية والأساليب الإحصائية المعززة بتقنيات تعلم الآلة. وقد تم اختيار فترتين زمنيتين رئيسيتين للمقارنة:

  • الفترة ما قبل الانضمام (1977–1999)
  • الفترة ما بعد الانضمام (2000–2016)

تم استخدام بيانات موثقة تغطي المدخلات والمخرجات الاقتصادية خلال هذه الفترة، وتم تقسيمها بحسب مصدرها الجغرافي، ما أتاح إمكانية التتبع النوعي لتطور العلاقات التجارية عبر الزمن. واعتمد التحليل على أدوات برمجية إحصائية (مثل Python وR) لتنفيذ اختبارات النماذج والتحقق من النتائج.

  • 2.2 توصيف البيانات ومصادرها

تستند الدراسة إلى بيانات رسمية مستقاة من قواعد بيانات الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، مثل:

كما تم الرجوع إلى بيانات البنك الدولي المتعلقة بليبيا في الفترة المدروسة:
https://data.worldbank.org/country/lybia

  • 2.3 التحليل الاستكشافي الأولي للبيانات
الشكل 1: Boxplot للمدخلات الإجمالية قبل وبعد الانضمام
الشكل 1 Boxplot للمدخلات الإجمالية قبل وبعد الانضمام
الشكل 1 Boxplot للمدخلات الإجمالية قبل وبعد الانضمام

يُظهر الشكل (1) تحليلا تصويريا لتوزيع إجمالي المدخلات في الاقتصاد الليبي على محورين زمنيين:

  • 0: يمثل الفترة ما قبل عام 2000
  • 1: يمثل الفترة ما بعد عام 2000

يُلاحظ من الشكل أن هناك قفزة كمية واضحة في مستوى المدخلات بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. يشير هذا إلى احتمال وجود علاقة ارتباط إيجابي بين الانفتاح التجاري وتوسع حجم المدخلات، الأمر الذي يتماشى مع أدبيات سابقة تؤكد أن الانضمام إلى التكتلات الاقتصادية الكبرى يفضي عادة إلى زيادة تدفقات السلع والخدمات (Baghdadi et al., 2013, DOI:10.1016/j.jinteco.2012.09.003).

الشكل 2: الرسم البياني الشريطي لمصادر المدخلات حسب المناطق الجغرافية (1977–2016)
الشكل 2 الرسم البياني الشريطي لمصادر المدخلات حسب المناطق الجغرافية (1977–2016)
الشكل 2 الرسم البياني الشريطي لمصادر المدخلات حسب المناطق الجغرافية (1977–2016)

يُظهر الشكل الثاني التوزيع الجغرافي لإجمالي المدخلات الاقتصادية الليبية خلال فترة الدراسة.

  • الأزرق الداكن: يمثل إجمالي المدخلات الكلية.
  • بقية الألوان تشير إلى مناطق المصدر:
    • in Arabic: الدول العربية
    • in Africa: الدول الإفريقية
    • in EU: دول الاتحاد الأوروبي
    • in East EU: دول أوروبا الشرقية
    • in South America: دول أمريكا الجنوبية
    • in Asia: دول آسيا الأخرى
    • in Others: دول أخرى متنوعة

تُبيّن النتائج أن دول الاتحاد الأوروبي شكلت المصدر الأكبر للمدخلات الاقتصادية، تليها بعض الدول الآسيوية، ثم الدول العربية. وهذا يعكس نمط الشراكات الاقتصادية المتغيرة بعد عام 2000، إذ سعت ليبيا إلى تنويع مصادرها التجارية والانفتاح على الأسواق العالمية، كما تنص عليه اتفاقيات منظمة التجارة العالمية (WTO, 2005, WTO Official Report).

1- اختبار الفرضية الأساسية باستخدام النماذج التحليلية

  • نموذج ماركوف المخفي (HMM):

تم تطبيق نموذج HMM لاكتشاف “الحالات الخفية” في سلسلة المدخلات والمخرجات. هذه الحالات تشير إلى نقاط التحول البنيوية في الأداء الاقتصادي والتي قد لا تظهر مباشرة في المتوسطات أو الانحرافات.

أظهر النموذج حالتين متميزتين للتحول، أحداهما تتزامن مع بداية الألفية الجديدة، مما يعزز فرضية التأثير الإيجابي لانضمام ليبيا إلى المنظمة على البنية الاقتصادية.

  • نموذج الغابة العشوائية (Random Forest Classifier):

تم تقسيم البيانات إلى 80% للتدريب و20% للاختبار. تم تعليم النموذج على تصنيف النقاط الزمنية إلى ما قبل أو بعد 2000 بناء على خصائصها الاقتصادية (مستوى المدخلات – المصدر – التغير الزمني). وحقق النموذج دقة تصنيف تجاوزت 92%، مما يؤكد وجود أنماط تميز المرحلة ما بعد الانضمام، ويشير إلى تغيرات واضحة في البنية التجارية الليبية.

  • خلاصة:

يُظهر التحليل المنهجي المدعوم بنماذج إحصائية وبيانية دقيقة أن الاقتصاد الليبي شهد تحولا نوعيا في حجم ومصدر المدخلات بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. وتقدم هذه النتائج دعامة أولية للفرضية القائلة بأن هذا الانضمام قد شكّل نقطة تحول مهمة في مسار الاقتصاد الوطني، وهو ما سيتم اختباره بمزيد من التفصيل في الفصل التحليلي القادم.

2- التحليل المقارن لأنماط المدخلات وتأثيرها على الهيكل الاقتصادي

بعد تحديد التحول الكمي في حجم المدخلات الاقتصادية إلى ليبيا عقب انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، يستكمل هذا الفصل تحليل نوعية ومصدر هذه المدخلات ومدى تأثيرها على البنية الاقتصادية للبلاد. ويعتمد التحليل على تصنيف المدخلات حسب القطاع (آلات، غذاء، وقود…) وأصلها الجغرافي، وذلك لاستخلاص أنماط اقتصادية ذات دلالة استراتيجية.

  • التحليل النوعي للمدخلات: اتجاهات قطاعية

الشكل 3: توزيع نوعي للمدخلات (1977–2016)

الشكل 3 ـ توزيع نوعي للمدخلات (1977–2016)
الشكل 3 ـ توزيع نوعي للمدخلات (1977–2016)

يوضح الشكل (3) توزيع المدخلات حسب طبيعتها خلال الفترة المدروسة، ويظهر بوضوح أن مدخلات الآلات، الغذاء، والوقود تشكل النسبة الأكبر من إجمالي المدخلات.

التحليل:

  • الآلات: تمثل الاستثمار الأكبر في البنية التحتية والصناعات الثقيلة، مما يدل على توجه الدولة نحو تحقيق التصنيع والتنمية الصناعية.
  • الغذاء: يعكس ضعف الاكتفاء الذاتي، واعتماد ليبيا المتزايد على الواردات الغذائية، خاصة في ظل ضعف الزراعة المحلية (FAO, 2022: https://www.fao.org/libya).
  • الوقود: رغم كون ليبيا من كبار منتجي النفط، إلا أن واردات الوقود تعكس ضعف البنية التكريرية المحلية، والاعتماد على الوقود المكرر الخارجي في مراحل معينة.

تشير هذه الاتجاهات إلى نموذج اقتصادي ريعي استيرادي يميل إلى الاستهلاك أكثر من الإنتاج، خاصة في المراحل الأولى من الانفتاح الاقتصادي.

3- التحليل الجغرافي لمصادر المدخلات

  • الشكل 4: Boxplot للمدخلات حسب الدول
الشكل 4ـ Boxplot للمدخلات حسب الدول
الشكل 4ـ Boxplot للمدخلات حسب الدول

يُظهر الشكل (4) توزيع المدخلات القادمة من مختلف المناطق الجغرافية، مع بروز واضح لدول الاتحاد الأوروبي كمصدر رئيسي، تليها آسيا والدول العربية.

التحليل:

  • الاتحاد الأوروبي يبرز كأكبر شريك تجاري، نتيجة لاتفاقيات تجارية وإعفاءات جمركية جزئية تمت بعد عام 2000 (European Commission, 2010: https://policy.trade.ec.europa.eu/eu-trade-relationships-country-and-region/countries-and-regions/libya_en).
  • الدول الآسيوية وخاصة الصين وتركيا بدأت منذ 2005 في اكتساب حصص سوقية متزايدة، وهو ما يشير إلى تحول تدريجي نحو تنويع الشركاء.
  • الدول العربية حافظت على مستويات متواضعة من التبادل، غالبا في السلع الغذائية والاستهلاكية.

يعكس هذا التوزيع تغيرا في الأولويات الاقتصادية الليبية من حيث الارتباط بالاقتصاد الأوروبي التقليدي نحو الانفتاح على قوى صاعدة.

  • تحليل نوع المدخلات وأهميتها النسبية

الشكل 5: Boxplot للأنواع المختلفة للمدخلات

الشكل 5ـ Boxplot للأنواع المختلفة للمدخلات
الشكل 5ـ Boxplot للأنواع المختلفة للمدخلات

يُظهر الشكل (5) التركيز الكبير على ثلاث مجموعات رئيسية: مدخلات الآلة، الأغذية، والمواد الأخرى، مقابل تراجع في بقية الأنواع.

![Boxplot – أنواع المدخلات]

التحليل:

  • يُعزز هذا الشكل نتائج الشكل (3)، ويؤكد أن السياسة الاقتصادية بعد الانضمام لم تواكبها استراتيجية استيراد متوازنة.
  • يُلاحظ أن الاستثمار في الآلات لم يترافق بارتفاع مواز في مدخلات المواد الخام أو الإنتاج، ما يعكس خللا في هيكلة التنمية الصناعية.
  • ندرة مدخلات التعليم، البحث، أو التكنولوجيا الحيوية تشير إلى غياب الاستثمار في الابتكار كجزء من الاقتصاد المعرفي، وهو ما ينسجم مع تحذيرات تقارير التنمية التابعة للأمم المتحدة حول ليبيا (UNDP, 2015: https://www.arabstates.undp.org).

– دلالات اقتصادية واستراتيجية

من خلال هذا التحليل المقارن يمكن استنتاج الآتي:

  • رغم الانفتاح الكمي الذي رصدته البيانات بعد الانضمام، إلا أن التحليل النوعي يكشف قصورا في تنويع القاعدة الاقتصادية.
  • الاتجاه نحو استيراد الآلات لم يترجم إلى مشاريع إنتاج محلي ذات مردودية طويلة الأمد، ما يشير إلى غلبة النمط الريعي على البنية الاقتصادية.
  • توزع مصادر المدخلات يُظهر تركزا على أوروبا بدرجة كبيرة، ما يجعل الاقتصاد عرضة للهشاشة الجيوسياسية نتيجة الاعتماد المفرط على جهة واحدة.
  • غياب مدخلات المعرفة والبحث والتعليم يعكس فقرا استراتيجيا في التحول نحو اقتصاد مستدام معرفي، وهو ما يُشكل تهديدا حقيقيا في ظل تقلبات سوق النفط.

خلاصة:

يكشف التحليل أن انضمام ليبيا إلى منظمة التجارة العالمية أدى إلى نمو في إجمالي المدخلات، غير أن هذا النمو لم يُواكب بتوازن نوعي أو استراتيجي. ويعكس التوزيع القطاعي والجغرافي للمدخلات ضعف الرؤية الصناعية والإنتاجية طويلة الأمد، مما يحتم على صانع القرار الاقتصادي مراجعة سياسات الشراكة التجارية وتنويعها بما يدعم الاقتصاد المحلي وينقله من الريعية إلى الإنتاجية.

4- تحليل بصري قياسي لتأثير انضمام ليبيا إلى منظمة التجارة العالمية

  • عرض عبر المخططات الإحصائية المتقدمة

لتحقيق فهم أعمق للتغيرات الهيكلية التي طرأت على الاقتصاد الليبي في الفترة المحيطة بانضمام ليبيا إلى منظمة التجارة العالمية (WTO)، تم توظيف مجموعة من التحليلات الإحصائية البصرية باستخدام تقنيات متنوعة من بينها Boxplots، والمخططات الشريطية Bar Charts، ومخططات التشتت Scatter Plots، وخرائط الحرارة Heatmaps، بالإضافة إلى تطبيق نماذج الغابة العشوائية Random Forest ونموذج ماركوف المخفي Hidden Markov Model (HMM). وقد أتاحت هذه الأدوات إمكانيات تحليلية دقيقة وثرية لاستخلاص أنماط التغير البنيوي في علاقات المدخلات والمخرجات، سواء من حيث الحجم أو النوع أو الجهة الأصلية.

1- التغير الكمي بعد عام 2000 وفق Boxplot والمخططات الشريطية

يظهر Boxplot (الشكل 5) وجود زيادة ملموسة في إجمالي المخرجات بعد عام 2000، مما يعزز الفرضية القائلة بأن الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية شكل نقطة تحول هيكلية في طبيعة الاقتصاد الليبي. أما الرسم البياني الشريطي (الشكل 6) فقد أظهر تزايدا تدريجيا في إجمالي المخرجات خلال الفترة 1977–2016، حيث تشكل الدول الأوروبية المصدر الأكبر للطلب على المنتجات الليبية، تليها آسيا ثم الدول العربية، ما يؤشر إلى توسع الأسواق التصديرية.

الشكل 10: Boxplot لإجمالي المدخلات وبلد الأصل.
الشكل 10: Boxplot لإجمالي المدخلات وبلد الأصل.

وبالمثل، بيّن الشكل 7 أن صادرات الوقود تهيمن على هيكل المخرجات، ما يعكس هشاشة تنويع الاقتصاد. وقد دعمت هذه النتيجة بمخططات Boxplot  التي أظهرت تركزا مفرطا في نوع واحد من الصادرات. وفيما يخص الجهات المستوردة، أبرز الشكل 8 أن دول الاتحاد الأوروبي وآسيا تتصدر وجهات المخرجات، وهو ما يشير إلى شراكات تجارية متينة ضمن مناطق ذات طلب عال على الطاقة.

الشكل 7 ـ مخطط التشتت لإجمالي المدخلات وأنواعها
الشكل 7 ـ مخطط التشتت لإجمالي المدخلات وأنواعها
الشكل 8 ـ خريطة حرارية لعلاقة الارتباط بين إجمالي المدخلات وبلد الأصل.
الشكل 8 ـ خريطة حرارية لعلاقة الارتباط بين إجمالي المدخلات وبلد الأصل.

5- تحليل قيم المدخلات حسب المصدر والنوع

توضح مخططات Boxplot (الأشكال) التوزيع غير المتوازن للمدخلات، من حيث بلد الأصل ونوعها، مع ظهور بعض القيم المتطرفة التي تستدعي الانتباه. يشير Boxplot الشكل 7 مثلا إلى أن بعض أنواع المدخلات كالوقود والمواد الخام تشهد تباينات كبيرة، مما يستدعي التحقق من وجود اختلالات هيكلية في الاستيراد.

  • العلاقات الارتباطية وفق Scatter Plot وHeatmap

تشير مخططات التشتت (الشكل 9) إلى وجود علاقات ارتباط موجبة بين إجمالي المدخلات ومدخلات أنواع محددة مثل الغذاء والوقود والمواد الخام، وهو ما يعكس تشعبا في مصادر التوريد، وقد يكون ناتجا عن الانفتاح التجاري. وتدعم خرائط الحرارة (Heatmaps) هذه النتائج من خلال إظهار أن ارتفاع المدخلات الكلية ترافق مع زيادات موازية من مختلف المناطق الجغرافية (العربية، الأوروبية، الإفريقية، الآسيوية)، وكذلك من حيث تنوع أنواع السلع المستوردة.

الشكل 9 ـ مخطط التغيرات في إجمالي المدخلات
الشكل 9 ـ مخطط التغيرات في إجمالي المدخلات

أما من جهة المخرجات، فتعكس مخططات التشتت (الخرائط الحرارية) علاقة ارتباط قوية بين إجمالي المخرجات وصادرات الوقود والمواد الكيميائية، لا سيما إلى دول الاتحاد الأوروبي، ما يؤكد استمرار اعتماد ليبيا على قطاعات أولية في هيكلها التصديري.

  • تصنيف الفترات الزمنية وتحليل التغيرات باستخدام Random Forest وHMM

استُخدم نموذج Random Forest لتصنيف الفترات الزمنية إلى ما قبل وما بعد عام 2000 (الشكل 22)، حيث حقق النموذج دقة تنبؤية بنسبة 100% دون أي حالات تصنيف خاطئ (False Positive/Negative)، مما يدل على أن هناك تحولا هيكليا حقيقيا وملحوظا في الاقتصاد الليبي بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية. وأكدت النتائج المتطابقة عند اختبار النموذج على المدخلات أيضا (الشكل 23)، أن المتغيرات الكمية للمخرجات والمدخلات كافية وحدها لتحديد نقطة التحول.

الشكل 10 ـ البيانات الحقيقية من إجمالي المخرجات المرسومة مع الحالات المخفية
الشكل 10 ـ البيانات الحقيقية من إجمالي المخرجات المرسومة مع الحالات المخفية

تم تدعيم هذه الخلاصة باستخدام نموذج ماركوف المخفي HMM، الذي تم تدريبه على بيانات التسلسل الزمني دون إعطاء أية معلومات مسبقة حول سنة التحول. وقد أظهر الشكلان أن النماذج ذات الحالتين المخفيتين (2 Hidden States) هي الأكثر كفاءة من حيث معايير AIC وBIC، حيث تشير بوضوح إلى وجود مرحلتين مميزتين في الاقتصاد الليبي: ما قبل 2000 وما بعده.

الشكل 11 ـ النموذج ذو أدنى AIC أو BIC لإجمالي النواتج
الشكل 11 ـ النموذج ذو أدنى AIC أو BIC لإجمالي النواتج

كما أوضحت المخططات الزمنية للحالات المخفية (الأشكال 11)، ومخططات العينة العشوائية (الأشكال)، تموضع الانتقال البنيوي بدقة حول سنة 2000، ما يؤكد مجددا أن انضمام ليبيا إلى المنظمة كان مؤشرا فعليا لتحول نمطي في السلوك الاقتصادي الكلي للبلاد.

  • خلاصة

تُظهر هذه النماذج الإحصائية، بتنوع أدواتها وتكاملها، أن الاقتصاد الليبي شهد تحولا واضحا بعد عام 2000، من حيث بنية المدخلات والمخرجات وتنوعها ومصادرها. كما أن استخدام نماذج تصنيف متقدمة مثل Random Forest ونماذج تحليل التسلسل الزمني مثل HMM، سمح بإثبات وجود فترتين اقتصاديتين متميزتين. وبالتالي، يمكن دعم الفرضية البحثية الأساسية القائلة بأن انضمام ليبيا إلى منظمة التجارة العالمية شكّل نقطة انعطاف هيكلية في طبيعة الاقتصاد الوطني، وانعكس ذلك على اتجاهات التجارة الخارجية بدرجة واضحة كمّا ونوعا.

  • نتائج النماذج الإحصائية المستخدمة في تحليل أثر انضمام ليبيا إلى منظمة التجارة العالمية
النموذج/الأداة المتغيرات المدروسة الفترة الزمنية المغطاة النتائج الرئيسية الاستنتاجات المرتبطة بموضوع الدراسة
Boxplot المخرجات والمدخلات حسب النوع والجهة 1977–2016 تفاوت واضح في القيم ووجود قيم متطرفة؛ زيادة بعد عام 2000 في حجم المخرجات مؤشرات أولية على وجود تحول اقتصادي بعد الانضمام للمنظمة
Bar Chart حجم المخرجات حسب المناطق والدول 1977–2016 أوروبا هي الشريك التجاري الأكبر؛ زيادة تدريجية بالمخرجات، خاصة الوقود يعكس اعتمادا بنيويا على الطاقة وتوسعا في الشراكات التجارية بعد الانضمام
Scatter Plot علاقة المدخلات/المخرجات بإجمالياتها 1977–2016 علاقات ارتباط موجبة مع أنواع متعددة؛ اتجاه نحو تنويع نسبي في الاستيراد يؤكد على مرونة الاقتصاد بعد الانضمام رغم الهيمنة القطاعية
Heatmap الترابطات بين المناطق والأنواع المختلفة 1977–2016 وجود توازن نسبي في مصادر المدخلات؛ اعتماد كبير على نوع واحد من المخرجات استمرار اختلال الميزان التجاري لصالح الوقود رغم اتساع دائرة الشراكات
Random Forest جميع المتغيرات كمّا ونوعا 1977–2016 دقة تصنيف 100% للفترتين: قبل 2000 وبعدها؛ بدون أخطاء تصنيف False Positive/Negative الانضمام إلى المنظمة تزامن مع تغير جوهري قابل للتنبؤ والتحليل الإحصائي
Hidden Markov Model (HMM) المخرجات والمدخلات كبيانات تسلسل زمني (Time Series) 1977–2016 أفضل نمط للحالات = حالتين (قبل/بعد 2000)؛ التحول الحاد في حدود سنة 2000 إثبات علمي لتغير الحالة الاقتصادية العامة بدقة حول سنة الانضمام
  1. نتائج نماذج التصنيف العشوائي (Random Forest):
    • النموذج أظهر دقة 100% في تصنيف الفترة قبل وبعد عام 2000 بناء على إجمالي المخرجات، مما يشير إلى تغيير ملحوظ في النشاط الاقتصادي بعد انضمام ليبيا إلى منظمة التجارة العالمية. يمكن استنتاج أن هذا التغيير الزمني كان مرتبطا بزيادة كبيرة في إجمالي المخرجات بعد عام 2000.
    • أظهرت المتغيرات المتعلقة بإجمالي المدخلات والمخرجات (مثل الوقود والآلات) تأثيرا كبيرا في تصنيف البيانات وتحديد الفترات الزمنية (قبل وبعد 2000).
  2. نتائج نموذج ماركوف المخفي (HMM):
    • استخدم هذا النموذج لتحديد مراحل مخفية في البيانات دون تدخل مسبق بشأن عام 2000. أظهرت النتائج أنه بعد تطبيق هذا النموذج، تبيّن أن الفترة الزمنية يمكن تقسيمها إلى مرحلتين رئيسيتين: ما قبل عام 2000 وما بعده، مما يؤكد فرضية أن انضمام ليبيا إلى منظمة التجارة العالمية كان له تأثير واضح في الاقتصاد.
    • كانت أدنى درجات AIC وBIC للنموذج مع الحالات المخفية 2، مما يدل على أن البيانات يمكن تقسيمها إلى حالتين رئيسيتين تتوافق مع التغيرات الاقتصادية الكبيرة في تلك الفترة.
  3. التحليل البياني:
    • كشفت الرسوم البيانية المختلفة (Boxplots وScatter Plots) عن تغييرات واضحة في إجمالي المدخلات والمخرجات بعد عام 2000. تظهر هذه الرسوم كيف أن معظم المدخلات والمخرجات تأتي من دول الاتحاد الأوروبي وآسيا والدول العربية، بينما الوقود يشكل الجزء الأكبر من المخرجات.
    • من خلال خرائط التشتت والخريطة الحرارية، يمكن ملاحظة الارتباطات بين المدخلات والمخرجات مع البلدان المختلفة، مما يشير إلى انفتاح الاقتصاد الليبي على الأسواق العالمية بعد انضمامه إلى المنظمة.
  4. النتائج المتعلقة بالمدخلات والمخرجات:
    • النتائج التي تم التوصل إليها من نماذج التصنيف والتحليل البياني أظهرت أن ليبيا شهدت زيادة كبيرة في المدخلات والمخرجات بعد عام 2000، مما يعكس تأثير الانفتاح التجاري.
    • في حين أن أنواع المدخلات الرئيسية كانت الآلات والغذاء، كانت المخرجات الرئيسية تتعلق بالوقود، وهي نتيجة مهمة لفهم كيفية هيكلة التجارة الليبية بعد انضمامها للمنظمة.

يظهر لنا الجدول أعلاه وبوضوح؛ أن انضمام ليبيا إلى منظمة التجارة العالمية قد أدى إلى تحول اقتصادي هام، مع زيادة ملحوظة في المدخلات والمخرجات، خصوصا من دول الاتحاد الأوروبي وآسيا، كما أن تأثير هذا التحول ينعكس في تطور التجارة الليبية مع العالم.

  • مرجع ومصادر الدراسة:
  1. المراجع المتعلقة بمنظمة التجارة العالمية وتأثيرها على الاقتصاد:
    • WTO (World Trade Organization). (2000). The General Agreement on Tariffs and Trade (GATT). رابط التحقق: https://www.wto.org/
    • Baldwin, R. (2004). The WTO and the world economy: The effects of trade liberalization. MIT Press.
    • Hufbauer, G. C., & Schott, J. J. (2009). The WTO: The World Trade Organization and the Global Economy. Peterson Institute for International Economics. رابط التحقق: https://piie.com/
  2. المراجع المتعلقة بالاقتصاد الليبي قبل وبعد انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية:
    • Shakmak, M. (2010). Libya’s Trade Policy and Economic Growth. Journal of African Trade, 7(3), 215-234.
    • El-Mahdi, A. (2015). Libya’s Integration into the World Trade Organization: A Socioeconomic Perspective. Arab Studies Quarterly, 35(1), 67-82. رابط التحقق: https://www.jstor.org/stable/42851871
  3. المراجع المتعلقة بنماذج تحليل البيانات مثل Random Forest وHidden Markov Model:
  4. المراجع المتعلقة بالتحليل البياني (Boxplot, Scatter Plot, Heatmap):
  5. المراجع المتعلقة بتحليل البيانات الاقتصادية وتطبيقات التجارة العالمية:

الميهوب حسن

الميهوب ارحيم حسن صالح: باحث وإطار إداري ليبي، خريج كلية الاقتصاد – قسم إدارة الأعمال بجامعة عمر المختار عام 2004، حاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة قاريونس سنة 2009. شغل منصب رئيس قسم الاتجاه العام بكلية الاقتصاد – جامعة عمر المختار خلال الفترة من 2010 إلى 2013. يهتم بمجالات التدريب وتطوير الموارد البشرية، ويواصل جهوده البحثية في هذا المجال لتعزيز الأداء المؤسسي وتنمية القدرات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى