عملت العديد من الدراسات مؤخرا على تحليل التغيّرات التي يمكن أن تطرأ على محاصيل الحبوب الرئيسية ومصايد الأسماك البحرية البرية، حسب سيناريوهات مختلفة للحرب النووية الإقليمية باستخدام نماذج المناخ والمحاصيل ومصايد الأسماك.
وذكرت الدراسة أن الحرب بين الهند وباكستان، يمكن أن تنتج حمولة ستراتوسفير من 5 إلى 47 تيراغرام من السخام، بينما يمكن لحرب بين الولايات المتحدة وحلفائها مع روسيا إنتاج أكثر من 150 تيراغرام من السخام والتسبب في شتاء نووي.
ومن شأن الحرب النووية أن تلوث التربة والمياه بشكل أساسي بالقرب من مواقع استخدام الأسلحة النووية. وحتى الآن، لا يوجد تقدير متكامل لتأثيرات النطاق الكامل لسيناريوهات الحرب النووية على إنتاج الغذاء سواء على اليابسة أو في المحيطات.
تطرّقت الدراسة إلى تداعيات الحرب النووية المحتملة على المحاصيل وإنتاجية مصايد الأسماك، بناء على نماذج المناخ والمحاصيل ومصايد الأسماك، من خلال حساب إنتاج السعرات الحرارية لمجموعات غذائية مختلفة لكل عام، بعد مجموعة من ست عمليات ضخ مختلفة من السخام في الستراتوسفير.
ومن المرجح أن تستمر التأثيرات المناخية لمدة عقد تقريبا، لكنها ستبلغ ذروتها في السنوات القليلة الأولى.
ويوضح الرسم التالي، التأثيرات المناخية حسب السنة بعد حقن السخام المختلفة للحرب النووية:
وتشير التوقعات إلى انخفاض متوسط إنتاج السعرات الحرارية العالمي من المحاصيل بنسبة 7 بالمئة في السنوات 1-5 بعد الحرب، حتى في ظل سيناريو السخام الأصغر (5 تيراغرام) وما يصل إلى 50 بالمئة في ظل سيناريو أسوأ (47 تيراغراما من السخام).
وفي حالة 150 تيراغراما من السخام، سيتراجع المتوسط العالمي لإنتاج السعرات الحرارية من المحاصيل بحوالي 90 بالمئة بعد 3-4 سنوات من الحرب النووية. ستؤدي هذه التغييرات إلى حدوث اضطراب كارثي في أسواق الغذاء العالمية.
ويوضح الرسم التالي، تغيرات إنتاج السعرات الحرارية للمحاصيل والأسماك، وتغير الكربون المتراكم للأعشاب بعد حقن السخام المختلفة للحرب النووية:
وأشار الموقع إلى أهمية الأسماك كمورد غذائي، لا سيما من حيث الإمداد بالبروتين. ستقلل الحرب النووية من صيد الأسماك البرية، لكن التأثير سيكون أقل مقارنة بالزراعة البرية؛ لأن الانخفاض في صافي الإنتاجية الأولية للمحيطات معتدل، والتغيرات في درجة حرارة المحيط أقل وضوحا.
سيهيمن إنتاج المحاصيل الأرضية على التغير الكلي في السعرات الحرارية للمحاصيل ومصايد الأسماك مجتمعة؛ لأن إنتاج المحاصيل العالمي أعلى بـ 24 مرة من مصايد الأسماك البرية من حيث المادة الجافة، والمحاصيل الأساسية تحتوي على سعرات حرارية تزيد بخمس مرات عن الأسماك لكل وحدة من وزن التجزئة.
في المجموع، تساهم مصايد الأسماك البرية البحرية بنسبة 0.5 بالمئة من إجمالي السعرات الحرارية مقابل 3.5 بالمئة من متوسط الإمداد العالمي بالبروتين.
ويوضح الرسم التالي، المتوسط العالمي للغذاء البشري وتكوين البروتين واستخدام المنتجات القائمة على المحاصيل:
ونبّهت الدراسة إلى أن انخفاض الحرارة بعد الحروب النووية، سيؤدي إلى تأخر النضج الفسيولوجي للمحاصيل بالإضافة إلى الإجهاد الحراري. يختلف انخفاض السعرات الحرارية من الزراعة ومصايد الأسماك البحرية حسب الإقليم، حيث ستشهد خطوط العرض العالية في نصف الكرة الشمالي أكبر تغير.
وحتى بالنسبة للحالة الهندية الباكستانية، ستصبح العديد من المناطق غير مناسبة للزراعة لعدة سنوات.
في حالة ضخ 27 تيراغراما من السخام، تشير النماذج إلى أن خطوط العرض المتوسطة إلى العالية في نصف الكرة الشمالي ستظهر انخفاضا في السعرات الحرارية الناتجة من المحاصيل حتى 50 بالمئة، مع انخفاض صيد الأسماك بنسبة 20-30 بالمئة.
وستظهر الدول المسلحة نوويا في مناطق خطوط العرض المتوسطة إلى العليا (الصين وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا وكوريا الشمالية والمملكة المتحدة) انخفاضا في السعرات الحرارية من 30 بالمئة إلى 86 بالمئة، وأقل من 10 بالمئة في خطوط العرض المنخفضة (الهند وباكستان وإسرائيل).
ومن المحتمل أن تعاني الدول المتحاربة من مشاكل محلية، مثل تدمير البنية التحتية والتلوث الإشعاعي وتعطيل سلاسل التوريد.
لتقدير التأثير على إجمالي السعرات الحرارية الغذائية المتاحة للاستهلاك البشري، يؤخذ بعين الاعتبار التركيب الغذائي، ومحتوى السعرات الحرارية من أنواع الغذاء المختلفة، واستخدام المحاصيل والتغيرات في إنتاج الغذاء.
في سنة 2010، أفادت منظمة الأغذية والزراعة بأن 51 بالمئة من السعرات الحرارية المتوفرة عالميا تأتي من الحبوب، و31 بالمئة من الخضروات والفواكه والجذور والدرنات والمكسرات، و18 بالمئة من الحيوانات ومشتقاتها، منها 7 بالمئة من المصادر السمكية، مع مساهمة الصيد البحري بنسبة 3 بالمئة.
وحسب الدراسة، فإن المحاصيل والأسماك التي تمت محاكاتها، توفّر ما يقارب نصف هذه السعرات الحرارية و40 بالمئة من البروتين. ولا يتوفر للاستهلاك البشري سوى جزء من الإنتاج الغذائي المفترض، حيث تُستخدم العديد من المحاصيل مثل الذرة وفول الصويا بشكل رئيسي لأغراض غير غذائية مثل علف الماشية.
وأضافت الدراسة أن إجمالي السعرات الحرارية المتاحة كغذاء، سيعتمد بشكل كبير على رد الفعل البشري للحرب النووية. وتفترض الدراسة توقف التجارة الدولية للغذاء بسبب ميل الدول المصدرة لوقف صادراتها استجابة لانخفاض الإنتاج.
وقد نظرت الدراسة في ثلاثة سيناريوهات للاستجابة المجتمعية، وهي إما الحفاظ على الثروة الحيوانية أو الحفاظ الجزئي عليها أو انعدام الثروة الحيوانية.
يمثل سيناريو بقاء الثروة الحيوانية الحد الأدنى من التكيف مع تقلص كمية الغذاء نتيجة تغير المناخ، حيث يواصل الناس الحفاظ على الثروة الحيوانية والأسماك كالمعتاد.
وحتى مع تخصيص حصة أكبر من مخلفات المحاصيل للأعلاف أو إضافة أعلاف جديدة مثل المكملات الغذائية القائمة على الحشرات، فإن الدراسة تفترض عدم حدوث تغيرات في العلف.
أما سيناريو انعدام الثروة الحيوانية، فيفترض عدم الحفاظ على إنتاج الثروة الحيوانية (بما في ذلك الألبان والبيض) وتربية الأحياء المائية بعد السنة الأولى، وبذلك ستصبح نسبة ناتج المحاصيل الوطنية المستخدم سابقا كعلف متاحة للبشر.
في المقابل، سيزداد الضغط على الصيد، ويتم محاكاته من خلال زيادة أسعار الأسماك بمقدار خمسة أضعاف، علما بأنه حدثت ردود فعل مماثلة في نيو إنغلاند بعد ثوران بركان تامبورا سنة 1815.
مع أن التغيرات في درجات الحرارة كانت أقل من المفترض في أي من سيناريوهات الحرب النووية، إلا أن فشل المحاصيل أجبر المزارعين على بيع ماشيتهم لأنهم لم يتمكنوا من إطعامها، وتمت إضافة أسماك غير مستساغة سابقا إلى نظامهم الغذائي.
وبين حالتي إبقاء الثروة الحيوانية وانعدامها، تؤخذ بعين الاعتبار أيضا حالة الحفاظ الجزئي على الثروة الحيوانية، حيث سيتم استخدام الجزء المتبقي من علف الماشية بعد تحوله إلى الاستهلاك البشري لتربية الماشية.
ذكر الموقع أن منتجات الوقود الحيوي النهائية (الديزل الحيوي والإيثانول) لا تمثل سوى 0.5 بالمئة من المنتجات النباتية، ويمكن إعادة توظيفها كغذاء في شكل زيت نباتي (~ 1.8 بالمئة من إجمالي السعرات الحرارية الغذائية) وكحول (3.4 بالمئة من إجمالي السعرات الحرارية الغذائية).
ويبلغ متوسط النفايات المنزلية العالمية حوالي 20 بالمئة، على افتراض أنه بعد الحرب النووية سيكون هناك نفايات منزلية أقل بنسبة 50 بالمئة أو حتى 100 بالمئة، وبذلك ستصبح هذه السعرات الحرارية الإضافية متاحة.
تعتمد العواقب الوطنية لفقدان السعرات الحرارية على مقدار الأراضي الزراعية البور والتأثيرات المناخية الإقليمية وتعداد السكان، وكذلك افتراض التوقف التام لتجارة الأغذية الدولية. يتم التركيز على مستويين من السعرات الحرارية في الدول: تناول السعرات الحرارية للحفاظ على النشاط البدني الطبيعي، وتناول سعرات حرارية أقل من معدل التمثيل الغذائي الأساسي (يُعرف أيضا باستهلاك الطاقة في أثناء الراحة).
يختلف المستويان في البلدان حسب التكوين والنشاط البدني للسكان. استهلاك الطعام الذي يقل عن المستوى الأول لن يسمح للشخص بالحفاظ على نشاطه البدني الطبيعي والحفاظ على وزنه في الوقت نفسه.
وأقل من معدل الأيض الأساسي من شأنه أن يسبب فقدانا سريعا للوزن حتى مع نمط الحياة الخامل، ومن ثم يؤدي بسرعة إلى الموت. ومع حالة ضخ 5 تيراغرام من السخام في الجو، تظهر معظم الدول انخفاضا في تناول السعرات الحرارية مقارنة بما هو مسجل في سنة 2010، ولكنها لا تزال كافية للحفاظ على الوزن.
مع حالات ضخ السخام بكميات أكبر، من المتوقع أن تحدث مجاعة شديدة في معظم دول خطوط العرض المتوسطة والعليا في ظل سيناريو الحفاظ على الثروة الحيوانية. وعندما يتم تحويل 50 بالمئة من الأعلاف للاستهلاك البشري في كل دولة،
فإن بعض الدول مثل الولايات المتحدة ستحافظ على كمية كافية من السعرات الحرارية في ظل سيناريوهات ضخ السخام الصغيرة، ولكن سيحدث فقدان الوزن أو حتى المجاعة الشديدة في حالات النسب الأكبر من ضخ السخام.
ويوضح الشكل التالي، تناول الطعام (السعرات الحرارية للفرد في اليوم) في السنة 2 بعد حقن السخام المختلفة للحرب النووية:
وبيّن الموقع أنه في ظل سيناريو 150 تيراغراما من السخام، سيكون لدى معظم الدول نصيب من السعرات الحرارية للفرد أقل من استهلاك الطاقة حتى في أثناء الراحة، والاستثناء الوحيد هو أستراليا؛ فعند توقف التجارة الدولية،
فإن القمح سيساهم بحوالي 50 بالمئة من نصيب السعرات الحرارية في أستراليا، وإنتاج الأرز والذرة وفول الصويا في هذا البلد أقل من 1 بالمئة من إنتاج القمح. لذلك، فإن استجابة القمح للحروب النووية تحدد إلى حد كبير كمية السعرات الحرارية في أستراليا.
لكن هذا التحليل محدود ببيانات منظمة الأغذية والزراعة، التي يتم جمعها على المستويات الوطنية داخل كل دولة، ولا سيما الكبيرة منها. وقد تكون هناك تفاوتات إقليمية كبيرة في البنية التحتية والهياكل الاقتصادية والسياسات الحكومية.
وستواجه نيوزيلندا أيضا تأثيرات أقل من البلدان الأخرى، ولكن إذا حدث هذا السيناريو بالفعل، فمن المحتمل أن تشهد أستراليا ونيوزيلندا تدفقا للاجئين من آسيا ودول أخرى تعاني من انعدام الأمن الغذائي.
يشير المتوسط العالمي لإمدادات السعرات الحرارية بعد الحرب إلى أنه يمكن التغلب على النقص الإقليمي الشديد إلى حد ما من خلال التجارة، ولكن التوزيع المتكافئ للأغذية عالميا قد يصبح حينها تحديا كبيرا.
وفيما يخص الثروة الحيوانية، إذا تم توزيع الغذاء بالتساوي في جميع أنحاء العالم وكانت بقايا الطعام (المخلفات المنزلية) 20 بالمئة كما في سنة 2010، سيكون هناك ما يكفي من الغذاء للجميع تحت سيناريو 5 تيراغرام لدعم نشاطهم البدني الطبيعي؛
وإذا تم تقليل المخلفات المنزلية من 20 إلى 10 بالمئة، فإن السعرات الحرارية الإضافية ستدعم الجميع تحت سيناريو 16 تيراغراما؛ أمّا إذا لم تكن هناك مخلفات منزلية، حتى في حالة 27 تيراغراما، سيستهلك كل فرد سعرات حرارية كافية للبقاء على قيد الحياة.
وفي الحالة الأكثر تفاؤلا، لا مخلفات منزلية من الطعام وتوزيع غذاء عالمي عادل، سيكون هناك إنتاج غذائي كاف للجميع في حالة 47 تيراغراما. بافتراض توقف التجارة الدولية وتوزيع الغذاء على النحو الأمثل داخل كل بلد،
بحيث يتم إعطاء الأشخاص الحد الأقصى من السعرات الحرارية للحفاظ على وزنهم ونشاطهم البدني الطبيعي، تحت حالة 150 تيراغراما، سيكون لدى معظم البلدان أقل من 25 بالمئة من السكان على قيد الحياة بحلول نهاية العام التالي للحرب النووية.
ويوضح الرسم التالي، نظرة عامة على مدخول السعرات الحرارية العالمية والحساسية لافتراضات الثروة الحيوانية ونفايات الطعام:
بالنسبة لحالة الثروة الحيوانية، يتم تقدير سعرات حرارية إضافية من المحتمل أن تكون متاحة من خلال الاستهلاك البشري لعلف الحيوانات، وخاصة الذرة وفول الصويا. وباستخدام أحدث نماذج المناخ والمحاصيل والثروة السمكية، يمكننا حساب الفوارق عند تغيّر الإمدادات الغذائية على مستوى العالم في ظل سيناريوهات الحرب النووية المختلفة.
في حالة حرب نووية إقليمية، قد تعاني أجزاء كبيرة من العالم من المجاعة. ويمكن أن يؤدي استخدام المحاصيل التي تتغذى عليها الماشية كغذاء بشري إلى تعويض خسائر الغذاء محليا، ولكن بتأثيرات محدودة على الكمية الإجمالية للأغذية المتاحة على مستوى العالم.
أما الحد من هدر الطعام المنزلي، فيمكن أن يساعد في حالات الحرب النووية الصغيرة، ولكن ليس في الحروب النووية الأكبر بسبب الانخفاض الكبير في الإنتاج الكلي، بسبب تأثيرات المناخ الملوث بالإشعاع.
ومن المتوقع أن يحدث انخفاض حاد في المحاصيل بشكل خاص في البلدان المصدرة الرئيسية مثل روسيا والولايات المتحدة، مما قد يسبب اضطرابات شديدة في البلدان المعتمدة على الاستيراد، وستتأثر دول أفريقيا والشرق الأوسط بشدة.
ونبّهت الدراسة إلى أن هذا التحليل للآثار المحتملة لحرب نووية على النظام الغذائي، لا يعالج بعض جوانب المشكلة، مما يتركها للبحث في المستقبل. فهو لم يأخذ بعين الاعتبار انخفاض عدد السكان بسبب الوفيات المباشرة أو غير المباشرة واحتمال انخفاض معدل المواليد.
وفي هذه الحالة، سيؤثر العدد الإجمالي للتغيرات السكانية وتكوينها على العمالة المتاحة وإنتاج السعرات الحرارية وتوزيعها. كما لم يأخذ بعين الاعتبار تكيف الزراعة مع التغييرات لاختيار الصنف المناسب، أو التحوّل إلى محاصيل أكثر مقاومة للبرد والآفات الزراعية، وإيجاد مصادر غذائية بديلة مثل الفطر والأعشاب البحرية وبروتين الميثان أحادي الخلية.
وعلى الرغم من أن تكيّف المزارعين ومصادر الغذاء البديلة يمكن أن يقلل من التأثير السلبي لمحاكاة الحرب النووية، إلا أنه سيكون من الصعب إتمام عملية التحول في الوقت المناسب للتأثير على توافر الغذاء في السنة الثانية، وينبغي القيام بمزيد من العمل بشأن سلاسة هذه العملية.
ويمكن لتخزين الطعام الحالي أن يخفف النقص في السنة الأولى، ولكن سيكون له تأثير أقل في السنة الثانية، ما لم يتم تقنين هذه الفكرة من قبل الحكومات أو من قبل السوق.
وحسب الدراسة، فإن توسيع أو تحويل أراضي المحاصيل إلى مناطق مناخية مواتية، من شأنه أن يزيد من إنتاج المحاصيل، لكن تبقى هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات في هذا الجانب، دون أن ننسى تراجع وفرة الوقود والأسمدة والبنية التحتية لإنتاج الغذاء بعد الحرب،
وآثار الأشعة فوق البنفسجية العالية على إنتاج الغذاء والتلوث الإشعاعي. ولم يتم النظر في الاستخدام واسع النطاق للأغذية البديلة، التي تتطلب القليل من الضوء للنمو في بيئة باردة.
وحذّرت الدراسة من أن انخفاض الضوء والتبريد العالمي والقيود التجارية المحتملة بعد الحروب النووية، سيكون كارثة عالمية للأمن الغذائي، ولا يمكن بشكل عام تعويض التأثير السلبي لاضطرابات المناخ على إجمالي إنتاج المحاصيل عن طريق الماشية والأغذية المائية.
يمكن أن يموت أكثر من ملياري شخص من حرب نووية بين الهند وباكستان، ويمكن أن يموت أكثر من 5 مليارات من الحرب بين الولايات المتحدة وروسيا.
وهذا يقودنا لاستذكار بيان 1985 الذي أدلى به الرئيس الأمريكي رونالد ريغان والأمين العام السوفيتي ميخائيل جورباتشوف، وأعاد تأكيده الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سنة 2021، بأن “الحرب النووية لا يمكن كسبها ويجب عدم خوضها أبدا”.
- الطُّرق
يستخدم العلماء أحدث نموذج مناخي عالمي لحساب التغيرات المناخية والجيوكيميائية الحيوية التي يسببها ضخ السخام في الستراتوسفير، كل منها مرتبط بسيناريو حرب نووية.
تُستخدم التغييرات المحاكاة في درجة حرارة الهواء السطحي وهطول الأمطار والإشعاع الشمسي المباشر والمنتشر لتقييم نموذج محصول حديث وتقدير إنتاجية المحاصيل الرئيسية (الذرة والأرز والقمح الربيعي وفول الصويا)،
التي تراجعت على الصعيد العالمي، ويتم استخدام التغييرات في صافي الإنتاج الأولي للمحيطات ودرجة حرارة سطح البحر؛ لفرض نموذج عالمي لمصايد الأسماك البحرية.
يقلل انخفاض درجات الحرارة من هطول الأمطار فوق مناطق الرياح الموسمية الصيفية. ومن المتوقع حدوث انخفاضات مماثلة، ولكن أصغر في الإشعاع الشمسي ودرجة الحرارة في المناطق البحرية، مع التغيرات الناتجة عن انخفاض الإنتاج الأولي البحري.
- نموذج المناخ
تمت محاكاة جميع سيناريوهات الحرب النووية باستخدام نموذج نظام الأرض المجتمعي. ويتضمن هذا النموذج الغلاف الجوي التفاعلي والجليد البري والمحيطي والبحري. وتفترض السيناريوهات أن جميع الأطعمة المخزنة قد استهلكت في السنة الأولى، وتقدم تحليلا للطعام المتبقي في السنة الثانية.
وإذا حدثت الحرب في نهاية السنة، سيظل هناك طعام متاح في السنة الثانية، لذلك يجب إعادة تسمية السنة الثانية بالسنة الثالثة. ومع ذلك، نظرا لأن التأثيرات المناخية والغذائية القاسية قد تستمر لأكثر من خمس سنوات، تنطبق الاستنتاجات نفسها على عالم ما بعد الحرب النووية.
- استخدام ناتج نموذج المناخ المباشر
من المعتاد تحيز مخرجات النموذج الصحيحة قبل استخدامها كمدخلات لنماذج المحاصيل. هناك تقنيات مختلفة تحاول استخدام بيانات الرصد السابقة لمعالجة التغيرات، ولكن لا توجد تقنيات مثالية وجميعها محدودة بافتراضات أن العلاقات المستقبلية بين نموذج الإنتاج والمدخلات النموذجية للمحاصيل يمكن أن تستند إلى الماضي القريب.
وتعتبر طريقة دلتا من المنهجيات الشائعة التي تستخدم فيها مجموعة بيانات الطقس إعادة التحليل الرصدي، ويتم تعديل الوسائل الشهرية لدرجة الحرارة وهطول الأمطار والإشعاع الشمسي، وفقا لعمليات محاكاة النموذج المناخي.
- نموذج المحاصيل
في هذه الدراسة، استخدم العلماء إنتاج الحبوب (الذرة والأرز وفول الصويا والقمح الربيعي) والأعشاب. وعلى الرغم من أن النسخة الخامسة من نموذج نظام الأرض المجتمعي لا يحاكي القمح الشتوي، فإننا نفترض أن إنتاج القمح الشتوي يتغير بالمقدار نفسه، مثل القمح الربيعي، حسب ما تظهره دراسات أخرى.
مع ذلك، قد يقلل هذا من استجابة القمح الشتوي؛ لأنه سيواجه درجات حرارة منخفضة أكثر خلال فترة نموه، التي من المرجح أن تتجاوز العتبات الحرجة. قد تتأثر طبقة الأوزون السطحية والأشعة فوق البنفسجية أيضا بالحرب النووية.
يحاكي النموذج المحاصيل البعلية والمحاصيل المروية بشكل منفصل، وجميع النتائج المعروضة هنا تشير إلى إجمالي إنتاج المحاصيل البعلية والمروية. تتم محاكاة المحاصيل المروية على افتراض أن توافر المياه العذبة غير محدود.
وعلى الرغم من تراجع معدلات التبخر مع انخفاض درجات الحرارة، فمن الممكن أن النتائج التي تم التوصل إليها قد تقلل من التأثير السلبي لانخفاض معدل هطول الأمطار، خاصة في حالات ضخ السخام بكميات كبيرة.
- نموذج مصايد الأسماك
تتم محاكاة استجابات الأسماك ومصايد الأسماك باستخدام نموذج الطيف الغذائي ذي الحجم الحيوي، حيث يتم استخدام هذا النموذج لحساب الكتلة الحيوية هيكلية الحجم للأسماك المستهدفة تجاريا، بناء على مدخلات شبكية من درجة حرارة سطح البحر والإنتاج الأولي للمحيطات من نموذج نظام الأرض المجتمعية.
ويحاكي النموذج أيضا بشكل تفاعلي جهود الصيد وصيد الأسماك من خلال مكون اقتصادي بيولوجي، يعتمد على سعر الأسماك وتكلفة الصيد وقابلية الصيد وتنظيم مصايد الأسماك.
- الجمع بين بيانات المحاصيل والأسماك البحرية
لحساب السعرات الحرارية على مستوى الدولة الناتجة عن محاكاة المحاصيل والأسماك، نوزع الإنتاج بمحتوى السعرات الحرارية لكل نوع من أنواع الطعام، بناء على البيانات من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.
وبذلك يتم حساب خفض السعرات الحرارية على مستوى الدولة بالنسبة المئوية الإجمالية لكل من إنتاج الذرة والأرز وفول الصويا والقمح والأسماك البحرية.
- التأثيرات على أنواع الطعام الأخرى
يتم تطبيق متوسط تخفيض السعرات الحرارية بالنسبة المئوية على المحاصيل الأربعة، التي تمت محاكاتها لإجمالي السعرات الحرارية لجميع المحاصيل المسجلة في سنة 2010 لحساب تأثيرات الحرب النووية الافتراضية على هذه الفئة.
- الثروة الحيوانية وتربية الأحياء المائية
أكد الموقع أن هذين النوعين من الطعام يشتركان في استجابة مماثلة للحرب النووية الافتراضية، حيث إنهما يشتركان في إطعام الحيوانات في بيئة خاضعة للسيطرة نسبيا. للحسابات العالمية للثروة الحيوانية، نفترض أن 46 بالمئة يتم تغذيتها بالمراعي و54 بالمئة يتم تغذيتها بالمحاصيل والمنتجات المصنعة،
حيث يتم استخدام البيانات على المستوى الوطني لحساب تقليل علف الماشية من المراعي والمنتجات القائمة على المحاصيل. ونفترض أن الإنتاج الحيواني يرتبط ارتباطا خطيا بالأعلاف.
أما بالنسبة لتربية الأحياء المائية، يكون العلف من المحاصيل والمنتجات المصنعة فقط، كما يرتبط الإنتاج بكمية علف الأسماك المستلمة.
لم يتم أخذ صيد الأسماك الداخلية بعين الاعتبار في هذه الدراسة. ونظرا لأن الأسماك الداخلية تساهم بنسبة 7 بالمئة فقط من إجمالي إنتاج الأسماك، فإن إضافة مصايد الأسماك الداخلية لن يغير الاستنتاجات الرئيسية لهذه الدراسة.
- التجارة العالمية
أشارت الدراسة إلى أن جميع حسابات تجارة السلع الغذائية تستند إلى الميزانية العمومية للسلع لمنظمة الأغذية والزراعة لسنة 2010، إضافة إلى البيانات المعالجة من الدراسات السابقة.
تقدم هذه القاعدة من البيانات إنتاج واستخدام كل منتج زراعي غذائي وغير غذائي لكل بلد والواردات والصادرات، ومن ثم تسمح بالحساب على أساس وطني لاستخدام الغذاء وتوافر السعرات الحرارية.
وتأتي الوفرة المحلية للغذاء في كل بلد من الإنتاج المحلي والاحتياطيات، وتتقلص بالصادرات وتزيد بالواردات. تُحسب أي تجارة دولية من خلال تطبيق نسبة الإنتاج المحلي والعرض المحلي على كل فئة غذائية وإنتاج الغذاء في الاستخدامات المختلفة.
يتم احتساب مصدر السعرات الحرارية على المستوى الوطني من أنواع مختلفة من الأطعمة، مع افتراض عدم وجود تجارة دولية من خلال ضرب الإنتاج المحلي بالإمداد المحلي على المستوى الوطني لكل نوع من أنواع الأغذية في المكتب المركزي للإحصاء التابع لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة. والعرض المحلي هو الغذاء المتوفر في السوق، ويشمل الإنتاج المحلي والتصدير والاستيراد.
يتم احتساب استخدام الذرة وفول الصويا والأرز والقمح من خلال مكتب الإحصاء المركزي التابع لمنظمة الفاو. وحسب مكتب الإحصاء المركزي، فإن منتجات الذرة تعني الذرة وزيت بذور الذرة، وكذلك تشمل منتجات فول الصويا ومشتقاته مثل زيت فول الصويا وكعك فول الصويا، ومنتجات الأرز هي الأرز وزيت نخالة الأرز ومنتجات القمح.
ويقصد بالمنتجات للأغراض الغذائية، مجموع الإمدادات الغذائية في كل فئة ومنتج المعالجة، مطروحا منه إجمالي المنتجات الثانوية.
- حسابات السعرات الحرارية
بالنسبة لحالة الثروة الحيوانية، يتم حساب السعرات الحرارية المتاحة على المستوى الوطني، إذ إن السعرات الحرارية المتوفرة في كل دولة هي (نصيب الفرد من السعرات الحرارية يوميا)، وفي حالة الثروة الحيوانية، فإن السعرات النباتية والحيوانات المجترة وأحادية المعدة هي سعرات حرارية تأتي من خلال المنتجات الزراعية.
ويتم احتساب الحيوانات المجترة وأحادية المعدة والأحياء المائية والصيد البحري من خلال ضرب الوفرة الناتجة عن الصيد بنسبة الأحياء المائية والصيد، ويؤخذ بعين الاعتبار التغيير في إنتاج العشب والصيد البحري، وعلف المحاصيل للمجترات وعلف المحاصيل لأحاديات المعدة.
ويتم احتساب تغيير إنتاج المحاصيل بالاعتماد على وزن السعرات الحرارية لكل سلعة لكل بلد في كل سنة، والإنتاج الوطني لكل منها والسعرات الحرارية لكل 100 غرام من وزن التجزئة لكل سلعة، والنسبة المئوية لتغير الإنتاج الوطني لكل سلعة خلال السنة بعد الحروب النووية الافتراضية، وجزء الوقود الحيوي من المنتج النهائي، وجزء الغذاء في المنتج النباتي.
وفي حال غياب ثروة حيوانية، يتم حساب السعرات الحرارية المتاحة على المستوى الوطني بالاعتماد على أساس النسبة المئوية المفترضة من علف محاصيل الماشية للتحول إلى الاستهلاك البشري. وبدلا من إهدار الجزء المتبقي من علف محاصيل الماشية – كما في حالة انعدام الثروة الحيوانية -، يُستخدم علف محاصيل الماشية المتبقية لتربية الماشية.
يتم حساب النسبة المئوية للنفايات المنزلية الوطنية من خلال كمية السعرات الحرارية الغذائية المتوفرة يوميا لكل شخص في كل بلد، وكمية السعرات الحرارية الوطنية التي يستهلكها كل شخص يوميا.
- متطلبات السعرات الحرارية
بيّن الموقع أن النسبة المئوية للسكان المدعومين بالسعرات الحرارية المتوفرة والمحسوبة على أساس الثروة الحيوانية الكاملة والجزئية أو عدم وجودها، تشير إلى العواقب على مستوى الاقتصاد الكلي وعلى الأمن الغذائي.
يبلغ متوسط السعرات الحرارية الحالية للشخص 2855 سعرة حرارية في اليوم، بما في ذلك مدخول الطعام ونفاياته. وتختلف متطلبات السعرات الحرارية بشكل كبير حسب العمر والجنس والحجم والمناخ ومستوى النشاط والظروف الطبية الأساسية.
وقدّر المرجع رقم 27 توافر السعرات الحرارية على المستوى الوطني وكمية السعرات الحرارية المستهلكة والسعرات الحرارية من المنتجات النباتية والماشية والأسماك، كما أنه حسب نسبة استهلاك السعرات الحرارية لسكان يعانون من نقص الوزن مع نشاط بدني مستقر مع مقدار من السعرات الحرارية أقل من معدل الاستقلاب الأساسي.
نحن نفترض أن السعرات الحرارية التي يستهلكها السكان الذين يعانون من نقص الوزن مع النشاط البدني الحالي، ضرورية لدعم الحياة ونشاط العمل المنتظم.
- حالات عدم اليقين
تم تنفيذ هذا العمل باستخدام نموذج واحد للنظام الأرضي مع عضو فريق واحد لجميع حالات حقن السخام بأكثر من 5 تيراغرام، وكذلك نموذج واحد فقط للمحاصيل ونموذج واحد فقط للصيد السمكي. بالنسبة لحالة 5 تيراغرام والتحكم، هناك ثلاثة أعضاء للمجموعة،
ولكن يتم استخدام متوسطات المجموعة فقط. أما أعضاء المجموعة الثلاثة لحالة 5 تيراغرام، فهم متشابهون جدا، لذا فإن تقلب المناخ بالنسبة للتأثيرات الأكبر سيكون أصغر بكثير من الإشارة.
أما نموذج نظام الأرض المجتمعية، فهو نموذج مناخي حديث، وكانت محاكاته لتأثيرات الحرب النووية متطابقة تقريبا مع المحاكاة مع نماذج أخرى لحالة 5 تيراغرام. ومع ذلك، قد تؤدي التطورات الإضافية في النماذج المناخية، مثل تضمين الكربون العضوي في انبعاثات الحرائق،
وتحسين محاكاة نمو الهباء الجوي والتفاعلات مع البيئة المحيطة، إلى تحسين التنبؤ بالمناخ بعد الحرب النووية.
أما نموذج محاصيل الأرض المجتمعية ونموذج الطيف الغذائي ذي الحجم الحيوي، هي أيضا نماذج حديثة لكن المحاكاة المستقبلية بنماذج مختلفة ستكون مفيدة بالتأكيد. يقارن نموذج محاصيل الأرض المجتمعية بشكل جيد مع نماذج المحاصيل الأخرى استجابة لتأثير الحرب النووية.
كذلك يقلل نموذج محاصيل الأرض المجتمعية من استجابة المحاصيل بعد الحرب النووية. نظرا لأن معظم نماذج المحاصيل تم تطويرها للمناخات الحالية أو الأكثر دفئا، فهناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم كيفية تفاعل المحاصيل مع البيئة الباردة فجأة.
وتعد الدراسة الخطوة الأولى للكشف عن الأمن الغذائي الوطني بعد الحروب النووية، لكن المحاصيل قد لا تستجيب بشكل موحد للتأثير نفسه في كل دولة بالنظر إلى الممارسات الزراعية المختلفة. بالإضافة إلى ذلك،
سيكون التقييم متعدد النماذج ضروريا للتحقيق الكامل في هذه المشكلة، كما أن تطورات نماذج المحاصيل مهمة لفهم تأثيرات الأوزون السطحي والأشعة فوق البنفسجية وتوافر المياه العذبة. علاوة على ذلك، فإن التلوث الإشعاعي المحلي وتغير المناخ الناتج عن الحرب النووية سيؤثران على الحشرات،
غير أن التأثير على الآفات والملقحات والحشرات الأخرى غير واضح، ومن ثم هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات.
يمكن فحص بعض الافتراضات في هذه الدراسة في العمل المستقبلي. لإيقاف التجارة الدولية مثلا يتم تطبيق نسبة الإنتاج المحلي إلى العرض المحلي على المستوى الوطني.
ولحساب مدخول السعرات الحرارية الوطنية بعد الحروب النووية، نفترض أن الغذاء يتم توزيعه بالتساوي في كل بلد.
وستكون النماذج الاقتصادية ضرورية لزيادة فهم مساهمات التجارة وأنظمة توزيع الغذاء المحلية في مدخول السعرات الحرارية البشرية بعد الحروب النووية.
المصدر : عربي 21