عبد الله العروي والانبهار بالحداثة الغربية
اعتنق عبد الله العروي نظريا فكرة الحداثة، وهنا نتحدث عن الحداثة الغربية كما آمن بأفكار ماركس المتعلقة بالحداثة، وفي هذا الشأن يقول العروي في أحد تصريحاته «كان الكثيرون يستشهدون بماركس، ولكن لأهداف سياسية فقط،
فقلت إن ماركس النافع هو ملخّص ومؤول ومنظَّر الفكر الأوروبي العامّ، الذي يمثّل الحداثة بكل مظاهرها. الأفضل لنا، نحن العرب، في وضعنا الثقافي الحالي، أن نأخذ من ماركس معلماً ومرشداً نحو العلم والثقافة من أن نأخذه كزعيم سياسي.».
وفي ضوء ما سبق يرى العروي أن النهضة العربية قرينة بالتحاق المجتمعات العربية بالحداثة التي لا يمكن أن تكون إلا من خلال الإيمان بالمقومات الأساسية للحداثة الغربية التي تتجلى في العقلانية والتقدم والنقد ومسؤولية الإنسان عن نفسه نظريا، أما عمليا فتبني العلمانية والماركسية والدولة المركزية.
لكل هذه الأسباب يرى أن المجتمعات العربية لا يمكنها أن تحقق النهضة المنشودة في ظل تشبث المجتمعات بالماضي لهذا يدعو للحكم على التراث العربي/ الإسلامي ونقده فيما يصطلح عليه «القطيعة المعرفية» مع التراث التي تؤمن بالقطع مع الأساليب والمناهج العقلية للبحث الفكري التي استخدمت في التراث (أي التراث العربي/الإسلامي)، واستبدالها بالأساليب والمناهج العقلية الحديثة والمعاصرة. وهذا المفهوم هو مفهوم مركزي عند عبد الله العروي حيث يقول في كتابه مفهوم العقل (9-12):
“حاولت في كل ما كتبت أن أوضح أن الوضعية التاريخية التي نعيشها، والتي لا نستطيع أن ننفيها، تجعل من كل أحكامنا على حالات خاصة أقوالا هادفة، مصلحية تبريرية. لا فائدة في الحكم عليها بأنها حق أو باطل.
بالنسبة لأي مقياس؟ فهي إما مساوقة لأهدافها المعلنة وإما معاكسة لها، فتصبح المسألة متعلقة فقط بالتماسك في المنهج والانطباق على الواقع…
إذا اتضح أن عهد التقرير (اعلم أن..) قد انتهى بانحلال قاعدته المادية والاجتماعية والفكرية، وكذلك عهد منطق المناظرة (إذا أورد فالجواب..)، يتضح عندئذ أنه لم يعد هناك بداهة جاهزة، ضرورة منطقية، يركن إليها الجميع تلقائيا وتتماسك بها الأفكار.
لابد إذن من امتلاك بداهة جديد. وهذا لا يكون إلا بالقفز فوق حاجز معرفي، حاجز تراكم المعلومات التقليدية، لا يفيد فيها أبدا النقد الجزئي، بل ما يفيد هو طي الصفحة. وهذا ما أسميته ولا أزال أسميه بالقطيعة المنهجية (استعملت العبارة قبل أن تصبح متداولة بين دارسي منطق العلوم)…
أما المنهج موضوع سلسلة مفاهيم، فهو شيء آخر، بعيد عن الاصطلاح والتواضع. تتعلق مسائله بالوضع الذي نعيشه منذ قرنين، حيث انقطعت الصلة بيننا وبين إنجازات ومنطق تراثنا الثقافي. المشكل الذي نواجهه هنا هو هل يضع الدارس نفسه قبل أو بعد هذه القطيعة مع التراث، وهي قطيعة قد حصلت وتكرست. هل يشعر بها، يعترف بها، أم لا؟ ولا يحق لنا أن نخلط بين المنهج والأسلوب.
نستطيع مثلا أن نختار بين أسلوب هذه المدرسة الاقتصادية أو تلك، ولكن هناك منهج أساسي واحد هو الأصل في علم الاقتصاد، وعلى هذا المستوى لا يوجد خيار: إما العلم وإما الرأي. عندما أتكلم على المنهج أعني في الواقع منطق الفكر الحديث بعد أن انفصل عن الفكر القديم.”
لكن العروي يعتقد أن التحول إلى الحداثة يقتدي على المجتمعات العربية القيام بإنشاء الدولة الحديثة أولا ولا معنى في نظره تحقيق تحولات في مبادئ جزئية للحداثة (الديمقراطية، الليبرالية، المجتمع المدني..الخ) قبل إقامة الدولة الحديثة أولا، وهذه الفكرة لدى العروي موضوع مركزي في كتابه (مفهوم الدولة).
وبخصوص سؤال التأريخ؛ يرى المفكر عبد الله العروي أن المؤرخ، هاهنا، لا يعني ذلك الباحث الذي يجري وراء جمع الأخبار، ويعمل على الماضي ويسعى إلى المحافظة على الآثار الباقية، فإذا كان المؤرخ/ الباحث من هذا الصنف، فهو في نظر العروي حافظٌ أو خازنٌ أو قيِّمٌ. لذا ذهب العروي إلى اختلاق مصطلح خاص بهذا النوع من الباحثين؛ وهو مصطلح «الأرّاخ».