تربية وتعليم

لماذا تعجز الحكومة المصرية عن القضاء على “مارد” الدروس الخصوصية ؟

سراديب وأنفاق تحت الأرض، هذا ليس عنوانا لعملية هروب جماعي أو مطاردات، إنما لحملة حكومية على مراكز الدروس الخصوصية، حسب ما جاء على لسان محافظ كفر الشيخ (شمال القاهرة)، متحدثا قبل أيام عن تفاصيل كشف سراديب الدروس الخصوصية.


تأتي الحملة ضمن حملات مماثلة تشنّها أجهزة الدولة في جميع المحافظات قبل بداية العام الدراسي، وتستمر طوال العام من أجل القضاء على ما يسمى بظاهرة الدروس الخصوصية.

وقال محافظ كفر الشيخ جمال نور الدين (ضابط شرطة سابق) في تصريحات متلفزة، بعد دهم العديد من المراكز وتسريح مئات الطلاب منها وإغلاقها “وجدنا مراكز تحت الأرض في الجراجات والبدرومات بعضها متصل بأنفاق بين العقارات”.

المثير أن مراكز الدروس الخصوصية تتزايد، رغم العواقب الشديدة التي تنتظر المدرسين وأصحاب المراكز، مثل إحالة المدرس على المحاكمة التأديبية وإيقافه عن العمل، وإحالة الواقعة نفسها إلى النيابة العامة وإغلاق المراكز وفصل المرافق مثل الكهرباء والمياه عنها.


  • الوزير يعلق ويهاجم

وزير التربية والتعليم طارق شوقي استغل الواقعة التي شهدت تكدس مئات الطلاب في مراكز “تحت الأرض” في ظل الموجة الرابعة لفيروس كورونا من دون أي إجراءات احترازية، ليهاجم الظاهرة في منشور له تحت عنوان “مفارقات كبرى للتأمل”، داعيا إلى مشاهدة الفيديو المؤلم ثم مراجعة النفس، على حد قوله.

وعلى صفحته الشخصية بموقع فيسبوك، انتقد الوزير قيام أولياء الأمور بالزج بأبنائهم في ما أسماها “بالأنفاق” من دون أن يعترضوا على المصروفات أو يتثبتوا من كفاءة المعلمين، مقابل اشتعال مواقع التواصل بأسئلة للدولة عن تطبيق الإجراءات الاحترازية في المدارس والشكوى من كثافة الفصول ونفقات الدراسة التي وصفها بالضئيلة.

وأكد الوزير الذي طالما يتعرض لانتقادات على مواقع التواصل أن الدولة المصرية وفرت مصادر التعلم المتنوعة والموثقة مجانا، داعيا أولياء الأمور إلى عدم إهدار الأموال في ما لا يفيد ولا ينفع، وجدد حديثه بأن ما يدرّس في هذه المراكز لا يضيف شيئا لتعلم الطلاب ولا يساعدهم على اجتياز الامتحانات بشكلها الجديد.


وقدّر شوقي فاتورة الدروس الخصوصية، في اجتماع سابق للجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الوزارة عام 2018، بنحو 111 مليار جنيه سنويا (ما يعادل 7 مليارات دولار).


  • تزايد رغم المنع

رغم الحرب التي تشنّها أجهزة الدولة المصرية المختلفة على ظاهرة الدروس الخصوصية، فإنها عجزت حتى الآن عن إيقافها، وتحولت إلى نشاط سرّي يدار في أقبية ودهاليز وسراديب سرية، وذلك يطرح سؤالا عن السبب الحقيقي وراء استمرارها.

تقول وزارة التربية والتعليم إنها قامت بتطوير المناهج التعليمية بما يواكب أنظمة التعليم الحديث الذي يعتمد على الفهم والإبداع والابتكار لا الحفظ والتلقين، ولكن خبراء في التعليم شككوا في نجاعتها وأكدوا أن تطوير المناهج الدراسية وحده غير كاف للقضاء على تلك الظاهرة.

وكان الوزير قد توقع قبل نحو 4 سنوات القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية بمجرد تطوير المناهج، وقال في تصريحات متلفزة في 20 ديسمبر/كانون الأول 2017 إنه لا مكان للدروس الخصوصية في مصر في عام 2020، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.


وتمثّل ظاهرة الدروس الخصوصية أرقا للدولة ولأولياء الأمور والطلاب، حتى إن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) يضعها ضمن أهم مؤشرات بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لعام 2019-2020.

وكشف البحث أن متوسط الإنفاق السنوي للأسرة المصرية على التعليم بلغ سنويًّا نحو 8850.6 جنيها، بنسبة 12.5% لإجمالي الجمهورية وفي الحضر بنسبة 15.7%، أي نحو 12829 جنيها، مقابل 9.2% في الريف، أي نحو 5720 جنيها (الدولار يساوي 15.70 جنيها).

وتستحوذ المصروفات الدراسية على 38.6% من إجمالي حجم إنفاق الأسرة على التعليم، في حين تستحوذ دروس التقوية على 28.3%، والكتب والأدوات المدرسية 11.3%، ومصاريف الانتقالات على 9.6%، والملابس والحقائب 7.2%.


  • أسباب الاستمرار

وفي تقديره، يرى عبد الحفيظ طايل مدير مركز “الحق في التعليم” (مستقل) أن الحكومة أخفقت حتى الآن في ثني الطلاب وأولياء الأمور عن الاستمرار في تعاطي الدروس الخصوصية، رغم تطوير المناهج لأسباب متعددة، متوقعا في الوقت ذاته استمرارها.

وأوضح طايل في حديثه للجزيرة نت أن التطوير يجب أن يشمل المنظومة التعليمية بالكامل من بنية مدرسية ومعلمين وليس الكتاب المدرسي فقط، مشيرا إلى أن الدروس الخصوصية هي عرَض لأمراض التعليم، في حين أن المرض الأساسي هو محاولات الحكومات المتعاقبة تحويل التعليم من حق إلى سلعة.

ورأى طايل أن الدولة لا تحارب دروس التقوية بدليل أنها أنشأت مجموعات تقوية داخل المدارس، وكل ما هنالك أنها ترى أن من حقها هي وحدها “بيع” التعليم، هي والمدارس الخاصة، وهي بذلك تعمل بمنطق استرداد التكلفة.


  • البحث عن لقمة العيش

وعلى مستوى المعلمين، يعترض المدرس الشاب محمد فتحي الحاصل على بكالوريوس التربية في مادة اللغة الفرنسية على الأسلوب الأمني الذي تنتهجه وزارة التربية والتعليم مع المدرسين، قائلا إن “الوزارة لا ترحم ولا تريد لنا الرحمة، فهي ترفض تعيين خريجي كليات التربية رغم العجز، وترفض أن نقوم بمزاولة مهنتنا في التدريس الخاص”.

وتساءل فتحي في حديثه للجزيرة نت: “إذا كنت وأنا شاب في مقتبل العمر لا أعمل في مدرسة حكومية أو خاصة ولا تريدني الحكومة أن أعمل في مهنة التدريس التي هي تخصصي، فماذا أعمل؟ وكيف أنفق؟ ومتى أملك المال للسكن والزواج؟”.

ويبلغ عدد المعلمين في المدارس المصرية 1.187 مليون معلم ومعلمة طبقا لوزارة التربية والتعليم للعام الدراسي 2020-2019، في حين يبلغ عدد الطلاب في المدارس أكثر من 24 مليون طالب وطالبة في 2021-2020، ويتخطى العجز في عدد المعلمين 320 ألف معلم.


وقبل أسبوعين أعلن وزير التربية والتعليم فتح باب التطوع للعمل في المدارس من حملة المؤهلات العليا التربوية، على أن ينحصر عمل المتطوع في مساعدة المعلمين، بهدف سد العجز في أعضاء هيئة التدريس، وذلك مقابل 20 جنيها للحصة، وهو ما أثار موجة غضب بمواقع التواصل باعتباره إهانة للمعلمين.


  • فقدان الثقة والخوف من المستقبل

من جابنه، يقول أحد أولياء أمور الطلاب ممن يعتمدون على مراكز الدروس الخصوصية إنه لا يثق بوزارة التعليم، مضيفا أنه “لا يوجد بديل للدروس الخصوصية بعد أن أهملت الوزارة المدارس والمعلمين، ولا نشعر نحن أولياء الأمور بارتياح لما تقوم به من تغييرات في المناهج الدراسية”، حسب وصفه.

وأضاف شريف الجندي الذي يعمل مهندسا، في حديث للجزيرة نت، أن المناهج وحدها غير كافية، وما يحدث من ثورة في الكتب المدرسية كما تسميها الوزارة يحتاج إلى مساعدة كبيرة من المدرسين؛ لأن الطلاب غير قادرين على استيعاب أو فهم ما تريده الوزارة.

وهو ما أكده نجله محمد الطالب بالمرحلة الثانوية، قائلا “في العامين الماضيين جلسنا في البيوت، وكانت المناهج جديدة ولم تسعفنا المنصات والمواقع الإلكترونية والبرامج التعليمية على القنوات التلفزيونية في فهم تلك المواد”.


ويؤكد محمد أن الطلاب بحاجة إلى تفاعل على أرض الواقع مع مدرس المادة، وجميع الطلاب الذين حصلوا على درجات مرتفعة كانوا يذهبون إلى مراكز الدروس الخصوصية أو مجموعات التقوية بالمدارس، مضيفا “لن نتوقف حتى تكون هناك مدرسة متكاملة توفر المادة والشرح والمناخ المناسب”.


المصدر

محمد عبد الله

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى