كارل ريموند بوبر – Karl Raimund Popper
كارل ريموند بوبر (Karl Raimund Popper) (28 يوليو 1902 في فينا – 17 سبتمبر 1994 في لندن) فيلسوف نمساوي-إنكليزي متخصص في فلسفة العلوم. عمل مدرسا في كلية لندن للاقتصاد. يعتبر كارل بوبر أحد أهم وأغزر المؤلفين في فلسفة العلم في القرن العشرين كما كتب بشكل موسع عن الفلسفة الاجتماعية والسياسية.
والداه يهوديان بالأصل لكنهما تحولا للديانة المسيحية، إلا أن بوبر يصف نفسه باللاأدري. درس الرياضيات والتاريخ وعلم النفس والفيزياء والموسيقى والفلسفة وعلوم التربية. عام 1928 حصل على درجة الدكتوراه في مجال مناهج علم النفس الإدراكي.
1930 تزوج، وبدأ كتابة أول أعماله، الذي نُشر في صورة مختصرة بعنوان «منطق البحث» 1934 وفي طبعة كاملة عام 1979 بعنوان «المشكلتان الرئيسيتان في النظرية المعرفية». 1937 هاجر إلى نيوزيلندا حيث قام بالتدريس في عدة جامعات هناك، وألف كتاب المجتمع المفتوح وأعداؤه 1945، والذي اكتسب من خلاله شهرة عالمية كاتبا سياسيا.
أهم سمة تميز أعماله الفلسفية هي البحث عن معيار صادق للعقلانية العلمية. ما بين عامي 1949 ـ 1969 عمل أستاذاً للمنطق والمناهج العلمية بجامعة لندن. حصل في عام 1965 على لقب «سير».
سارت فلسفة العلم بشكل عام في إطار منطق تبرير المعرفة العلمية على تحديد مبررات تميزها ووثوقها ومصداقيتها ونجاحها في أداء المهام المنوطة بالعلم، سواء استند هذا التبرير إلى معطيات التحقق التجريبي الاستقرائية أو إلى معايير البساطة والمواءمة الذرائعية، وإن مالت كفة الطرح الأول الوضعي، في كلتا الحالين ثمة تبرير للنسق العلمي كمنجز راهن وراسخ يمكن أن يستوعب تطورات أبعد،
من هنا تمثل فلسفة كارل بوبر، نقطة تحول حاسمة، مادامت فلسفة العلم قد انتقلت معها من منطق التبرير إلى منطق الكشف العلمي والمعالجة المنهجية له، على أساس من قابليته المستمرة للاختبار التجريبي والتكذيب، لتعيين الخطأ كي يحل محله يوما ما كشف أفضل وأكفأ وأقرب إلى الصدق، وسوف نرى أن الكشف علمي بقدر ما يكون قابلا للتكذيب، بقدر ما يفتح طريقا إلى تقدم أبعد.
فليس منطق الكشف العلمي منطق لبنة جديدة تضاف إلى صرح العلم، بقدر ما هو منطق فتح جديد للتقدم العلمي، إنه فلسفة التقدم المستمر، وكان لهذا تأثيره الكبير في التطورات اللاحقة للوضعية المنطقية والذرائعية ذواتيهما. تستند فلسفة بوبر بأسرها إلى أن الخاصة المنطقية المميزة للعلم التجريبي هي إمكان تكذيب عباراته، هي قابليته المستمرة للمواجهة مع الواقع والوقائع، للنقد والمراجعة واكتشاف الأخطاء.
وبالتالي التصويب والاقتراب الأكثر من الصدق، التقدم المستمر، بهذا علمنا كارل بوبر كيف تكون فلسفة العلم هي منطق قابليته المستمرة للتقدم، بحيث تكون قواعدالبحث العلمي قواعد مباراة هي من حيث المبدأ بلا نهاية. أما العالم الذي يقرر يوماً ما أن العبارات العلمية أصبحت لا تستدعي أي اختبارات أخرى ويمكن أن نعتبرها متحققة بصورة نهائية، إنه ينسحب من المباراة.
لذا فنحن لسنا في حاجة إلى منطق للتبرير والتحقق أو المواءمة، بقدر ما نحن في حاجة إلى منطق للكشف والتقدم المستمر. لاحظ بوبر أن كل فلاسفة العلم منذ جون ستيوارت مل، بل كل فلاسفة المعرفة التجريبية منذ ديفيد هيوم حتى إرنست ماخ والوضعي والأداتي على السواء، ينظرون إلى المعرفة العلمية بوصفها حقائق مثبتة مؤسسة فينشغلون بتبريرها.
وصمم بوبر على إحراز الخطوة الأبعد، وأكد أنه على عكسهم جميعا لا يعنى البتة بتبرير المعرفة العلمية أو حدود صدقها وصحتها، بل يعنى فقط بمشكلة نمو المعرفة وكيفية تقدمها، فيصوب الأنظار إلى منطق الكشف العلمي واللحظة الدراماتيكية الكبرى المتمخضة عن الجديد، لحظة التكذيب والتفنيد، في إطار من معالجة منطقية منهجية بالغة الدقة والإحكام، بحيث كانت النظرة البوبرية أقدر من سواها على طرح المعرفة العلمية بوصفها قابلة للاختبار البين ذاتي، أي الموضوعي.
كمعرفة ديناميكية متحركة لا ثبات ولا جمود فيها. يرى بوبر أن المعرفة على العموم والمعرفة العلمية على أخص الخصوص بناء صميم طبيعته الصيرورة، التقدم المستمر، فلا تكون نظرية العلم نظرية في تبريره، بل في أسلوب هذه الصيرورة أو كيفية التقدم المستمر، الأسلوب أو الكيفية هو ما يعرف بالمنهج العلمي، ومن ثم تكون نظرية العلم أو فلسفة العلم هي نظرية المنهج العلمي، هي ذاتها منطق الكشف العلمي.
أتت فلسفة بوبر رائدة قادرة على دفع فلسفة العلم إلى آفاق أبعد لأنها انطلقت من موقف الاستيعاب والاستشراف لآفاق ثورة العلم العظمى، ثورة الكم والنسبية، بعقل تحرر تماماً من رواسب المرحلة النيوتنية الحتمية. فاستطاع بوبر أن يقدم صياغة دقيقة لمنطق الكشف العلمي في أعقد وأدق تفصيلاته، حققت استفادة بالغة من تقنيات المنطق الرياضي.
ومادام بوبر يؤكد أن منطق العلم ومنهجه وجهان لعملة واحدة، كان من الطبيعي أن تنصب فلسفته الرائدة للعلم في إطار نظرية منهجية. وتتفق الأطراف المعنية على أن كارل بوبر فيلسوف المنهج العلمي الأول وبغير منازع على هذه الأولوية. وفي نهايات القرن العشرين يقول واحد من علماء الفيزياءالنظرية، بتعبير بليغ حقا: (إن كارل بوبر هو المفرد العلم الذي يشار إليه بالبنان حين طرح السؤال عن المنهج العلمي).
كما قال عالم الفلك الإنجليزي سير هيرمان بوندي: (إن العلم ببساطة ليس شيئا أكثر من منهجه، وليس منهجه شيئا أكثر مما قاله بوبر). هذا بخلاف علماء حصلوا على جائزة نوبل أمثال جاك مونو وبيتر مدوار وسير جون إكسلز، أكدوا على أهمية الاسترشاد بفلسفة بوبر للمنهج العلمي.
وكانت نصيحتهم للعلماء الشبان أن يقرأوا ويتدبروا كتابات بوبر في فلسفة العلم، نخص منهم بالذكر سير جون إكسلز الذي وقف في حفل استلامه لجائزة نوبل في البيولوجيا يوضح القوة التحررية العظيمة التي يكتسبها ذهن العالم بفضل تمثل نظرية بوبر في المنهج العلمي، ليتخلص من فكرة محببة ثبت عقمها ويستقبل بفعالية فكرة جديدة مثمرة.