ربما ليس من السهل إرجاع الرسوم الساخرة إلى زمن بعينه، نظرًا لوجود الكثير من الدلائل أو الآثار القديمة التي تخبّر عن سخرية البشر قديمًا، إما بشكل كوميدي صرف يعتمد على الضحك النابع من الفانتازيا؛ مثلما فعل المصريون القدماء مثلًا حين رسموا قصصًا ورسومات خيالية بغرض الضحك والسخرية مثل بردية «دير المدينة» الساخرة التي صوّرت أسدًا يلعب لعبة لوحية تشبه الشطرنج مع غزال بري، والمحفوظة حاليًا بالمتحف البريطاني، ورسم حجري آخر محفوظ بمتحف بروكلين الأمريكي يمثّل قطًا يخدم فأرًا يجلس على عرش، ومن تلك التناقضات والسيناريوهات التخيلية تنشأ فكرة الكوميديا، أو السخرية بالرسم.
أصول كلمة «كاريكاتير» أتت من المصطلح الإيطالي Carico أو Caricare والتي تعنى «التحميل الزائد» أو «المبالغة». وفي منتصف القرن السادس عشر – أعقاب عصر النهضة – اشتهر رسام إيطالي اسمه «آنيبل كاراتشي» بهذا النوع من الرسوم المبالغ فيها تشريحيًا بهدف السخرية من المقاييس البصرية الصارمة التي اشتهرت بها المدارس الفنية الإيطالية، وبخاصة أكاديمية «بولونيا» للفنون، بجانب النحات الإيطالي «جيان برنيني» الذي اشتهر أيضًا بصنع تماثيل لنفسه ولأصدقائه مبالغ في قياساتها بغرض السخرية، وظل فن الكاريكاتير مقرونًا بإيطاليا لما يزيد عن قرن من الزمان، ثم انتقل مع الحركة الفنية إلى باقي أنحاء أوروبا وعلى رأسهم فرنسا وبريطانيا.
الصورة : (جزء من بردية دير المدينة المحفوظة بالمتحف البريطاني).
جمال النشار: كاتب صحافي ومؤلف روائي مصري.. مهتم بالأدب والسينما والتكنولوجيا والتاريخ.. والإنسان