البحث العلمي

الكورونا.. كارثة الموت وأعباء التعطّل

 

ملخّص للمعضلة التي يطرحها تقرير ال Imperial College في لندن والذي نُشر قبل يومين وحاول الباحثون فيه توقّع ما يمكن حدوثه بسبب الكورونا في بريطانيا وأميريكا من خلال نموذج محاكاة إحصائي:

1. لدينا خياران لتقليل عدد الوفيات الممكن (والذي سيكون مئات الملايين حول العالم في غضون أشهر، بسبب الفايروس وبسبب الضغط على المنشآت الصحية).

إما أن نتبنّى استراتيجية التخفيف (Mitigation) أو استراتيجية الاحتواء الكامل (Suppression).

2. التخفيف يعني أن نقلل الآثار ونحمي من هم أكثر عُرضَة ونخفف الضغط على المنشآت الصحية من خلال تطويل زمن الإصابات لكن دون إجراءات صارمة وهدفه الرئيسي ما يُعرف ب (flattening the curve)، أما الاحتواء الكامل فيعني أن نحاول قمع الفايروس تماماً واحتواء كل الحالات ومنع نقل العدوى من خلال إجراءات صارمة وتعطيل كبير للحياة المعتادة.

3. التخفيف طبعاً سيقلل من عدد الوفيات والإصابات بشكل كبير، لكنه سيبقيها بالملايين على أقل تقدير (هنا أتحدث عن الوفيات في العالم ككل). أما الاحتواء الكامل فقد ينجح في حصرها بعشرات الآلاف فقط.

4. لذلك، من الواضح أن محاولة الاحتواء الكامل ذات أثر أكبر على تقليل الوفيات.
لكن المشكلة الحقيقية هو أن هذا التدخّل يجب أن يستمرّ لمدة سنة إلى سنة ونصف في أحسن الأحوال (إلى أن نجد مطعوماً للفايروس).

هذا يعني تعطيلاً شبه كامل للحياة الاجتماعية والاقتصادية، وستكون آثاره قاسية خصوصاً لأنه سيمتدّ على مدى أشهر إلى سنوات. النظام الاقتصادي لكثير من الدول سينهار، وعواقب هذا الأمر ستدوم لسنوات حتى بعد انتهاء الجائحة، ولا يمكن حتى توقّعها بدقّة.

المشكلة الأخرى تتعلّق بأنّنا كبشر منحازون للسلبية فيما يخصّ الأحداث (Negativity bias)، أو بمعنى آخر: الحدث السلبي يؤثر في في إدراكنا وسلوكنا وعواطفنا أكثر من الإيجابي. نحن لا نتنبّه حقيقةً حين تسير الأمور جيدا، لكننا نفعل حين تحصل الكارثة. سيتعطّل البشر دون أن يشعروا أنهم يقومون بشيء ذي فائدة فعلاً، فنسب الوفيات والعدوى ستكون قليلة وربما تثبت نسبياً، وسيقول البعض أننا نبالغ في هذه الإجراءات، وأنّ أثر التعطل أكبر من أثر الفايروس.

من السهل أن توحّد البشر ضد عدو مرئي وقادم بقوة وله آثار واضحة، كما في الحرب. لكن من الصعب أن تبقيهم ثابتين ضد عدو غير مرئي وآثاره غير كبيرة (مع أن قلة آثاره النسبية هذه هي بالتحديد بسبب ثباتهم).

5. يقترح الباحثون في الورقة وجود فترات تخفيف إجراءات الاحتواء لمدة قصيرة (شهر مثلاً) لتخفيف التعطل في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، يتبعها عودة للإجراءات الصارمة، وهكذا دواليك. لكنّهم يحذّرون من أنّ تمديدها أو إلغاء الاحتواء تماماً سيتسبب مرة أخرى بظهور الفايروس من جديد واستمرار الجائحة، بل وربما بشكل أسوأ.

6. على كل الأحوال، فنحن أمام خيارات أحلاها مرّ. والأمر لن ينتهي قريباً، فهو أشبه بماراثون منه بسباقٍ سريع أو حالة طارئة مؤقتة. لا يمكن التعويل على علاج قريب ولا على خفوت الفايروس مع درجات حرارة الصيف (إلى حد الآن على الأقل ليس هناك دليل على ذلك). على البشر أن يعتادوا على نظام حياة جديد ومختلف، على الأقل خلال الأشهر إلى السنوات القليلة القادمة.


كتابة وإعداد: مجد سليتي


يُرجى الاطلاع على المصدر

 

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى