العلوم العسكريةتاريخعلوم سياسية

اتفاقية “سايكس بيكو”: البنود السرية التي شرذمت العالم العربي

Accords Sykes-Picot

شكّلت اتفاقية سايكس بيكو (1916) أحد أخطر المنعطفات في التاريخ العربي الحديث، حيث قسّمت أراضي المشرق العربي بين فرنسا وبريطانيا بعد انهيار الدولة العثمانية. هذه البنود لم تكن مجرد خطوط على الورق، بل كانت خطة استعمارية محكمة ساهمت في تمزيق الجغرافيا العربية، وإعادة رسم الخريطة السياسية بما يخدم مصالح القوى الأوروبية.

في هذا المقال نستعرض أهم البنود الواردة في الاتفاقية، مع تحليل خلفياتها ودلالاتها التاريخية وآثارها الممتدة حتى اليوم.

1- بنود اتفاقية سايكس بيكو

المادة الأولى

أقرت بريطانيا وفرنسا مبدأ الاعتراف بالدول العربية المستقلة أو اتحادها، لكن تحت هيمنة استشارية مباشرة:

المادة الثانية

منحت الاتفاقية فرنسا السيطرة على الساحل السوري (المنطقة الزرقاء)، بينما سيطرت بريطانيا على منطقة البصرة (المنطقة الحمراء). كان الهدف إحكام السيطرة على المنافذ البحرية الإستراتيجية، وإحباط أي مشروع عربي مستقل.

  • المادة الثالثة

نصّت الاتفاقية على إنشاء إدارة دولية لفلسطين (المنطقة السمراء)، بمشاركة روسيا وبقية الحلفاء، مع استشارة شريف مكة. هذا الترتيب فتح الباب أمام تمهيد لاحق لزرع المشروع الصهيوني.

المادة الرابعة

ضمنت بريطانيا امتيازات حيوية:

  • السيطرة على موانئ حيفا وعكا.
  • الحصول على إمدادات مياه دجلة والفرات.
    في المقابل، التزمت بريطانيا بعدم التنازل عن قبرص لدولة ثالثة دون موافقة فرنسا.

المادة الخامسة

  • جعلت إسكندرونة ميناء حرا لبريطانيا.
  • جعلت حيفا ميناء حرا لفرنسا.
    بهذا تقاسمت القوتان البحار والموانئ العربية لتأمين خطوط التجارة والعبور دون منافسة.

المادة السادسة

منعت تمديد سكك حديد بغداد إلا بشروط دقيقة:

  • لا يتجاوز الخط شمال الموصل أو جنوب سامراء.
  • أي تمديد يتطلب موافقة مشتركة من بريطانيا وفرنسا.
    وهذا يعكس الحرص على تعطيل أي مشروع عربي مستقل يربط المشرق بالمغرب.

المادة السابعة

سمحت لبريطانيا بإنشاء خط حديدي يصل حيفا بالعراق، مع امتياز دائم لنقل الجنود.
هذا الخط لم يكن اقتصاديا فقط، بل أداة عسكرية للتحكم في المنطقة.

المادة الثامنة

فرضت استمرار التعرفة الجمركية العثمانية لعشرين عاما في المناطق المقسمة، مع منع إقامة جمارك داخلية. الهدف هو جعل الأسواق العربية مفتوحة للبضائع الأوروبية دون عراقيل.

المادة التاسعة

تعهدت فرنسا بعدم التنازل عن حقوقها في المنطقة الزرقاء لدولة ثالثة إلا بموافقة بريطانيا، والعكس صحيح. هذا يعكس احتكار النفوذ ومنع أي قوة أخرى من التغلغل.

المادة العاشرة

اتفقت بريطانيا وفرنسا على منع أي قوة ثالثة من امتلاك أراضٍ في شبه الجزيرة العربية أو إنشاء قواعد بحرية في شرق المتوسط.
لكن الاتفاقية سمحت “بتصحيح حدود عدن” لصالح بريطانيا.

المادة الحادية عشرة

استمرار التفاوض مع العرب بالطريقة السابقة لتحديد حدود “الدولة العربية”، في إشارة إلى المماطلة السياسية مع الشريف حسين خلال الثورة العربية الكبرى.

المادة الثانية عشرة

اتفق الطرفان على مراقبة تهريب السلاح إلى البلاد العربية، أي السيطرة الكاملة على القدرات الدفاعية العربية.

2- الخلفيات السياسية للاتفاقية

  • الحرب العالمية الأولى: وُقعت الاتفاقية سرا عام 1916 أثناء الحرب، بهدف تقاسم إرث الدولة العثمانية.
  • التنافس الاستعماري: بريطانيا أرادت حماية مصالحها في العراق والخليج، وفرنسا ركزت على سوريا ولبنان.
  • تضليل العرب: بينما كان الشريف حسين يقود الثورة العربية ضد العثمانيين بوعود بالاستقلال، كانت القوى الأوروبية تتقاسم أراضيه خلف الكواليس.

3- الآثار المترتبة على سايكس بيكو

  1. تفتيت العالم العربي: تقسيمه إلى كيانات قطرية صغيرة متنازعة.
  2. زرع الكيان الصهيوني: تمهيد الطريق أمام وعد بلفور (1917) وإنشاء إسرائيل لاحقا.
  3. إضعاف السيادة العربية: إخضاع القرار السياسي والاقتصادي العربي لهيمنة القوى الاستعمارية.
  4. صراعات مستمرة: النزاعات الحدودية التي نشهدها اليوم بين دول المشرق ترجع جذورها إلى هذه الاتفاقية.

4- قراءة معاصرة

بعد مرور أكثر من قرن، ما تزال روح سايكس بيكو حاضرة في السياسات الدولية تجاه الشرق الأوسط:

  • مشاريع تقسيم جديدة (مثل “الشرق الأوسط الكبير”).
  • استمرار التبعية الاقتصادية والسياسية.
  • بروز صراعات الهوية والحدود التي كرستها الاتفاقية.

خلاصة:

لم تكن اتفاقية سايكس بيكو مجرد معاهدة سرية، بل كانت مشروعا استعماريا ممنهجا لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالح أوروبا. وقد ورث العرب حدودا مصطنعة، وصراعات متجددة، وهوية سياسية ممزقة. إن فهم هذه البنود وتحليلها ليس مجرد درس تاريخي، بل ضرورة لفهم واقعنا الراهن وإدراك جذور التحديات التي تواجه الأمة.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى