تاريخ

الحِرَف في أوروبا خلال العصر الوسيط: مواقف وتمثلات

Les métiers Au Moyen Age

عنوان الكتاب: Les métiers Au Moyen Age

مؤلف الكتاب Sophie CASSAGNES-BROUQUE :

دار النشر: Editions OUEST

المدينة : France

تاريخ النشر: 2020 م.

عدد الصفحات: 127


  • تقديم

ألفت “صوفي كسان بروكيت” (Sophie Cassagnes-Broquet) كتابا تحت عنوان “المهن خلال العصر الوسيط” LES METIERS AU MOYEN AGE”[1]. جاء الكتاب في 127 صفحة من الحجم المتوسط، قسمته المؤلفة إلى ستة أقسام، تناولت في القسم الأول منه الحِرَف القروية. أما القسم الثاني، فخصصته لإشكالية أصناف العمل في المدن.


في حين؛ عالجت في القسم الثالث علاقة التاجر بباقي الحِرَف الأخرى. وفي القسم الرابع، تنتقل الكاتبة إلى الحديث عن الحيوية التي أضفتها الحرف على المدينة، بينما أفردت القسم الخامس لرصد شروط احتراف مهنة ما وسُبل ذلك. لتختم الكاتبة مؤلفها برصد السياق التاريخي لتأسيس النقابات والجمعيات المهنية.


تشترك هذه الفصول في التأسيس للموضوع العام للكتاب وبنائه، والذي هدفت من خلاله “كسان بروكيت” إلى النبش في موضوع التحولات الاقتصادية، والاجتماعية، والمهنية، التي شهدها المجتمع الغربي خلال العصر الوسيط.


تأتي قراءة هذا الكتاب؛ في إطار التعرف على تجارب بحثية همت تاريخ الغرب الاجتماعي والثقافي خلال العصر الوسيط، وفي الآن ذاته؛ نابعة من صميم الاشتغال على مواضيع في تاريخ المغرب الأقصى تهتم أكثر بتاريخ الذهنيات مثل تاريخ الحِرَف وعلاقتها بالتحولات الاقتصادية والتراتبيات الاجتماعية.


لذلك، انصب التركيز على إشكالية العلاقة بين الحِرَف كمعطيات اقتصادية، والبنية الذهنية الأوربية خلال العصر الوسيط. وعلى هذا الأساس، تم تخصيص المحور الأول للحديث عن المهن المستحقرة في أوروبا خلال العصر الوسيط.


أما المحور الثاني، يهتم برصد العوامل المتحكمة في تحول مواقف المجتمع والكنيسة تجاه العمل في أوروبا خلال العصر الوسيط، وكيفية إسهام هذا التحول في انتقال بعض الحِرَف من حِرَف مُستحقرة إلى حِرَف شريفة. أما المحور الثالث، فقد تم من خلاله؛ تتبع تنظيم هذه الحِرَف في أوروبا الوسيطية.


  • أولا؛ نماذج من الـحِرَف المستحقرة

عرفت فكرة العمل احتقارا موروثا من الفكر القديم وكذا من الإنجيل، فقد أبرز هذا الأخير العمل كلعنة حلت على آدم وحواء، اللذيْن تم طردُهما من الجنة بعد الخطيئة، وكان العمل في العصور القديمة حكرا على العبيد، عكس الهواية التي كانت تمارس من طرف النبلاء.


بينما اعتبر الرهبان العمل وسيلة للخلاص والتوبة، حيث اشتغل الرهبان البنيدكتيون بنسخ المخطوطات؛ مخافة الوقوع في الرذيلة والكسل. ففي الفترة الرومانية، كانت تعرض الأعمال على نوافذ الكاتدرائية، بينما عرفت الفترة الوسيطية انتقالا نوعيا في المواقف تجاه العمل، حيث اكتسب العمل قيمة، كما نُظم العمل خلال أواخر العصور الوسطى داخل هيئات اجتماعية وقانونية.


غير أن بعض الحرف؛ ظلت مُستحقَرة خلال هذه الفترة مثل صناعة المعادن، والجلد، والجزارة … وشهدت هذه الفترة انتقالا في أنماط العمل، من عمل مجاني كان حِكرا على العبيد في بداية الحقبة، إلى عمل منزلي أو وظيفة الخدمة، مرورا بأعمال السخرة المقدمة من طرف القرويين لسادتهم، وصولا إلى مجموعة من المهن الصغرى المذكورة في النصوص الإدارية والمالية.


تعددت أنواع الحرف التي انتشرت في القرى الأوروبية خلال العصر الوسيط، من بينها؛ الطحان والحداد…، اكتسبت الحرفة الأولى سمعة سيئة، ولد جشع الطحان عداءَ القرويين، واكتسب سمعة سيئة في القرى خلال العصر الوسيط، حيث أجبرَ القرويون على دفع رسوم للسيد، والتي غالبا ما كانت عينية، وتؤدى على شكل جزء من الحبوب، قد يصل في بعض الأحيان إلى ربع الكمية المطحونة (ص. 12).


استُحقرت حِرْفة الحداد بالمدن الأوربية، حيث اعتُبِرت أوراش الحَدَّاد أوراشا متواضعة، ذات طابع أسري في غالبيتها، كما اعتُبِرَ الحَدَّادُ شخصا خَطِرا ومُزعجا، نظرا لطبيعة عملِه الشاق والخطِر. لذلك نُظرَ اليه نظرةً استحقارية، على عكس المجال القروي؛ الذي حظي فيه الحَدَّاد بمكانة مُشرفة.


في ذات السياق، صُنفت صياغة المعادن في خانة المهن الحضرية المُستحقَرة، وقد تركزت هذه الصنعة بالقرب من المناجم أو الغابات في المدن الأوربية خلال العصر الوسيط، وكانت ورشاتهم بسيطة للغاية؛ وغالبا ما اتخذوا من مساكنهِم مقرا لعملهم، كما اشتغلوا بأدوات بسيطة مثل السِّندان، والكماشات لإمساك قِطع المعادن.


ورغم أنهم كانوا مُعَرَّضين لحوادث خطيرة، إلا أنهم لم يكتسبوا سمعة جيدة (ص. 30). ويرجع هذا الاستحقار لما كانت تُحدثه هذه الحِرْفة من أصواتٍ وضجيج، وكان من ذلك مثلا؛ طردُ وإبعادُ السلطات للحدادينَ من وسط المدينة لتأمين نظافتِها وهدوء سكانها.


تواجدت حِرفَة الدّباغة بوفرة في مُدن أوروبا الوسيطية، حيث تركَّزَ الدباغون خارج أسوار المدن وعلى طول مجرى المياه، حيث كانوا يقومون بغسل الجلود ثم إزالة وَبَرِها، وبعد ذلك؛ يتم تليينُها باستعمال الزيت وبعض المركبات الكيميائية.


وقد صُنفت هذه المهنة ضمن خانة المهن المُستحقَرة، نظرا لما ينتُجُ عنها من راوئح كريهة، دفعت السكان القاطنين بهذه المناطق إلى رفع شكايات للسلطات قصدَ إبعادِ مثل هذه الأنشطة عن سُكناهم (ص. 35).


من بين الحِرَفِ الأخرى التي نُظر إليها بوضاعة واحتقار من قِبَلِ المجتمع الأوربي خلال العصور الوسطى، حِرْفَةُ الجزارة، التي تواجدت بأعداد كبيرة في كل مُدن أوروبا خلال هذه الفترة. ورغم انتماء أصحابها إلى الفئات الأكثر يُسرا وغِنىً، إلا أنهم كانوا مُحتقَّرين، حيث اتهموا بقتل الحيوانات في الأزقة والتخلص من مخلفاتها في الأنهار (ص. 42)،


مما أثار مشاكل حول النظافة، تمت مُعالجتها عن طريق منع الذّبح في الفضاء العام، إذ تم تنظيم أماكنَ للذبح وسَلْخِ الحيوانات، مع تحديد أوقاتها، كما فُرضت غرامات على كل من خالف هذه القوانين.


ختاما، نُشير إلى أن هناك أسباباً وعواملَ كثيرة؛ تحكمت في تصنيفِ الأوربيين للحرف في العصور الوسطى، كان أهمّها معيارُ النظافة، حيث شكّلت النفايات الناتجة عن بعض الحِرَف والمِهن هاجساً مؤرقا للإنسان الأوربي الوسيطي، خصوصا ما يترتب عنها من أمراض وأوبئة وآفات. ونتيجة لذلك؛ عملت السلطات على محاربة العديد من المهن التي تُشوه صورة وجمالية المدن.


أما ظاهرةُ استحقارِ ونبذِ بعضِ الحِرَف الأخرى؛ فمرَدُّهُ؛ الضجيجُ والفوضى التي كانت تُحدثه هذه المِهن. ترتَّبَ عن هذه العوامل مجتمعةً؛ تصنيفاتٍ وأحكاماً دونيةً مُتباينةً حول العديدِ من الحِرَف والمهن التي سادت في أوروبا العصور الوسطى؛ وكان “الاحتقار” هو التجلي الأكبر والأبرز لهذه الحِرَف من طرف المجتمع الأوروبي في تلك الفترة.


  • ثانيا؛ نماذج من الحِرَف المشرَّفة

شَرَّفَ المجتمع الأوربي خلال العصور الوسطى مجموعة من الحِرَف، فإن كان الحَدَّادُ قد استُحقِرَ في المدن الأوربية، فإنه شُرِّفَ في القُرى والبوادي والأرياف، حيث صُنفت مهنة الحِدادة في خانة المِهن المشرفة، وحاز الحّدَّدُ على لقب “رجل الحديد” في الشمال، والمُصٓنِّع في وسط أوروبا، لكونِه اختص بصناعة آليات مهمة وأساسية للدورة الزراعية والإنتاج الفلاحي، ونخص بالذكر هنا؛ المحراث، والمنجل، والمجارف، والفؤوس، والمعاول…،


 كما اعتُبرَ الحَدَّادُ عنصرا مساهما في الصناعات العسكرية، خصوصا في القرى والأرياف، لصناعتِه للأدوات الحربية سواءً للفرسان أو للأحصنة. وقد تضاعفت أعداد الحدَّادين خلال الفترة الممتدة ما بين 950 و1150 م، حيث اشتغلوا في دكاكين؛ اتخذت شكلاً مَخْرُوطيّاً تقاوم الحرارة.


ولحماية أنفسهم، كان يلبسون وِزراتٍ من الجلد وقُفازات، ونادرا ما كان الحَدَّادُ يشتغل بمفردِه، إذ كان يلزمُهُ على الأقل؛ عامليْن أو ثلاثة، كما تمتع الحدَّاد بمكانةٍ مرموقة في المجتمع البدوي، وعادة ما قام بدور المتحدِّثِ الرسمي أمام عِلْية القوم، كما كان أكثر ثراءً من بعض الحرفيين الآخرين، كالخزفيين على سبيل المثال. (ص. 12).


ومن بين المهن الأخرى التي صُنفت في خانة المهن الشريفة، حِرْفة الفحَّام، تجدُر الإشارة إلى أن هذه الحِرْفة كانت مجهولةً خلال الحقبة القديمة، حيث لم يُعرف الفَحْمُ بشكل كبير؛ إلا خلال العصر الوسيط.


اشتغل عمال الفَحم في إطار مجموعةٍ تضم الحفّار والنجار…، كما كانت أنشطتهم في غاية الخطورة، حيث كانوا معرضين لمجموعة من المخاطر والحوادث؛ من بينها مثلا؛ انهيار الأنفاق، وخطر الاختناق أو العطش في المناجم.


وكانت هذه الحرفة في البداية حكرا على العبيد والمجرمين والفارين من العدالة، غير أنها عَرفت تطورا خلال القرن 15م، خصوصا في “وازون” “Oisans” و”اليوني” “Lyonnais”، حيث تضاعف الإنتاج المنجمي للحديد بأربعة مرات ما بين 1460 و1530 م، ونتيجة لذلك؛ أصبح عمال المناجم يفاوضون على أجور عالية (ص. 18-19).


ولعل من بين الحِرَف المشرفة أيضا في المجتمع الأوربي خلال العصور الوسطى، حِرْفة استخراج الملح وصياغة الذهب، فالأولى شكلت مصدرَ عيشٍ جيدٍ لمجموعة من المناطق، حيث اعتُبر الملح عنصرا أساسيا في التغذية الوسيطية، إذ كان ضروريا لإنتاج الجبن وحفظ اللحوم والسمك.


أما الثانية؛ فقد تربع ممارسوها على قمة هرم الحِرَفيين، وتقاسموا مع الحدادين الولاء لنفس القديس، وهو “القديس ٳيلوا” “Saint Eloi”، غير أنهما لم يتمتّعا بنفس الوضعية، فقد كان صائغو الذهب وسَكَّاكو الأموال حِرَفيين وفنانين في الآن نفسه (ص. 33).


من جانب آخر، شجع التقدم الذي عرفتْه الإدارات المدنية والكنسية على تطور صنعة المخطوطات في أوروبا خلال العصور الوسطى، كما رسَّخ أصحاب هذه الصنعة أسماءَهم على بعض أزقة مُدن مملكة فرنسا، حيث ظلت هذه الصّنعة متواضعةً؛ مقارنة بحرفة النسيج، التي كانت من الحِرف المشرَّفة في المجتمع الغربي خلال العصور الوسطى، واعتبرت أهمَّ قطاع اقتصادي بعد القطاع الفلاحي (ص. 35).


اعتُبِرت المهن الفكرية والفنية من المهن النبيلة في أوروبا الوسيطية، رغم أن أعداد المفكرين والفنانين ظلت ضئيلةً جدا مقارنة مع باقي المهن الأخرى، إلا أنهم احتلوا مكانة مرموقة، وشملت هذه الفئة المُوَّثِّقين، والأطباء، والأساتذة، الذين ترددوا على كليات الحقوق والطب، وشكلوا نخبةً من رجال الفن، وكانوا في خدمة ذوي النفوذ، حيث كان معظم الأساتذة في خدمة القساوسة؛ لأن التعليم كان تحت سيطرة الكنيسة، بينما عرفت نهاية العصر الوسيط ظهور المدارس العلمانية[2]،


خاصة في المناطق التي تواجدت بها الجامعات كـ”باريس” و”تولوز” “Toulouse” و”مونبوليي” “Montpellier”، ويجب الإشارة هنا؛ إلى أن هذا التطور الذي عرفه ميدان التعليم، أسهم بشكل كبير في تطور صنعة النسخ، التي اختص أصحابُها بإعادة تأليف الكتب الموجهة للطلبة والأساتذة، وبالتالي؛ تضاعفت ممارساتهم الجامعية بفضل تزايد الطلب على الكتب من لدن الأغنياء ورجال الكنيسة (ص. 50).


  • ثالثا؛ تنظيم المهن في أوروبا الوسيطية

نُظمت المهن في أوروبا خلال العصور الوسطى؛ في تراتبية تشمل ثلاثة مستويات؛ السادة، والخَدَم، والمتعلمين، إذ كان التعلم هو الطريقة الوحيدة للتكوين الحِرَفي أو التجاري، وبذلك؛ تلقى الرجال والنساء تكوينا حِرَفيا، باستثناء بعض المهن التي كانت لا تتطلب تكوينا مثل صُنع النبيذ.


وقد اختلفت شروط ممارسة الحِرَف خلال هذه المرحلة، حيث مُنع الأبناء غير الشرعيين من احتراف البعض منها، بينما اقتصرت بعض الحِرَف الأخرى على أبناء المناطق الجبلية الأصليين، كما سُمح للأجانب باحتراف بعضِها، شريطة أن تتجاوز مدة استقرارهم في المنطقة سنة على الأقل.


إلا أن الوضع لم يكن هو نفسُه في المدن، خصوصا الكبرى منها، مثل “باريس” و”تولوز” و”أميان” “Amiens”، التي تميزت شروط ممارسة الحِرَف بها بالمرونة واليُسر. (ص. 93).


عادة ما كان المتعلمون من الفئات القاصرة، إذ يتم إيداعهم لدى المعلم من طرف آبائهم وأوليائهم، حيث يوقعون معهُ عقدا موثَّقاً، يضمن عدة شروط أساسية؛ يتمثل أبرزها في؛ السن، الذي يتراوح بين 12 و16 سنة، كما حددت مدة التعلم بين سنتين واثني عشرة سنة، وتقل هذه المدة بالنسبة لمهن التجارة، في حين تطول بالنسبة للمهن الفنية مثل الصباغة، والحِدادة وغيرِها…،


وتُعد هذه السنوات مرحلة مهمة في حياة المتعلمين، إذ يسعى الأبوان والمعلم للاستفادة منها قدر الإمكان من خلال استثمار المُتعلم، وتتمثل استفادة المُعلم من مساعدة المتعلم له بعد الانتهاء من التعلم فيما يُعرف اليوم بالسُّخرة، أو كأن يفرض عليه تأدية مقابل عن التغذية، والمسكن، والتعليم.


وتࣳعد هذه البنود ملزمةً للطرفيْن، فإلى جانب الالتزامات المادية سالفة الذكر، هناك التزاماتٌ أخلاقية. إذ يلعبُ لمعلمُ دورَ الأب للمتعلمين، وذلك بتلقينهم القيم الجيدة، والأخلاق الحسنة. وبالتالي؛ فإن العلاقة التي تجمعُ الطرفيْن هي أكثرُ من مجرَّد علاقةِ مُعلم بمتعلِّمِيه. بل هي بمثابة علاقة أب مع ابنه.


 وفي كل الحالات، فإن المعلم ملزم بتعليم الشاب المراهق أسرار المهنة، كما يُقسِمُ التلميذ على طاعة معلمِه، واجتناب كل علاقة جنسية خارج أو داخل إطار الزواج، والإخلاص لأستاذه.

وفي حالِ الإخلال بهذا الميثاق يلجأ المعلِّمُ لضرب تلميذِه المُتعلم أو حرمانِه من أُجرتِه او تجويعِه، وفي أحيانٍ كثيرة، يلجأ المعلم إلى هذه الممارسات القاسية ظلما، ما يدفع المتعلم إلى الانتقام؛ إما بالسرقة أو إتلاف ممتلكات المعلم، وقد تتطور الأمور إلى ضرب التلميذ لمعلِّه.


كان على المتعلم الطامح في الحصول على لقب مُعلم؛ أن يُثبت كفاءته، وذلك بحضور خبراء في الميدان يقومون بتقييم أدائه وعمله، غير أن بعض المهن خاصة المرتبطة بمجال التغذية، أولت أهمية كبيرة لصحة المترشح لها، حيث يُشرط فيه أن يتمتع بصحة جيدة، وألا يُعاني من أمراض مزمنة؛ خصوصا تلك التي تنتقل بالعدوى، كما كان السِّنُّ أحيانا؛ يُضاف كمعيار للترشح.


غير أن الحصول على لقب المعلم؛ لم يكن بالأمر السهل، إذ عادة ما شكلت الظروف المادية عائقا كبيرا أمام إنشاء مشروع؛ مهنيا كان أو تجاريا. وبالتالي؛ اكتفى اكثيرٌ من المتعلمين بالعمل لدى معلِّميهم كأُجَرَاء، حيث كان المتعلمون يوظفون لمدة غير محددة، قد تدوم أسبوعاً أو سنة أو يوما، مقابل أجر يومي، ويتغير هذا الأجر حسب فصول السنة (ص. 100)، وكان هؤلاء الأجراء يَعملون يوميا باستثناء يوم الأحد وأيام الأعياد.


  • خاتمة

يُعتبر هذا المرجع؛ من المراجع المهمة التي عالجت المِهن والحِرَف التي شاعت في أوروبا خلال العصر الوسيط، حيث أمكننا التعرف من خلالِها أكثر على أنماط الحياة الاقتصادية التي سادت في تلك الفترة المهمة من تاريخ أوروبا،

ونوع العمّال والمستخدمين وأرباب العمل؛ والعلاقة التي تربط بينهم، وميثاق العمل المُنظم لمسؤولياتِهم ومهامِهم، كما تُمكننا مثل هذه المراجع من التعرف على الأداوت والوسائل التي كانت تُستعمل في هذه المهن والحِرَف؛ وكذا الملابس التي تحتاجُها والاحتياطات التي تتطلبها هذه المهن.


 كما أمكننا كذلك التعرف على أماكن ونطاقات انتشارِها وتواجدها، والأهم من هذا؛ هو موقع المجتمع منها والعينات التي تتعاطى كل حِرف على حدىً، ودورِ هذه الحِرف في خلق التمايز والتفاوت الطبقي، وخلقُ حالة من الاستعلاء والاحتقار لأرباب هذه المِهن والحِرَف.


حيث يتم إسناد بعض المهن الوضيعة للعبيد أو الفقراء أو البسطاء، أو سكان القرى والمداشر. في حين يمتهن الأغنياء والتجار الكبار مِهَنًا مخصوصة في أماكن مخصوصة كالمدن والأحياء الرئيسية والراقية.


كما يُتيح لنا هذا المرجع بالتحديد؛ رصد صورة كاملة عن التطور الذي عرفته أوربا على عدة مستويات، والنضال الذي خاضه الفاعلون الاقتصاديون من أجل التحرر من التبعية للكنيسة وتحقيق الاستقلال الاقتصادي عنها.


كل هذه المعطيات؛ ساهمة بشكل حاسم في إحداث ثورة على مستوى المواقف الاجتماعية؛ التي طالما تحكمت فيها توجيهات رجال الكنيسة، وخضعت لتقييماتهم الدينية. ورغم ذلك؛ ما زال الغموض يعتري الحياة المهنية للعنصر الأوروبي في العصر الوسيط.


إن من شأن التقدم في علم الآثار أو المقاربات الجديدة لعلم الاجتماع؛ أن تتيح لنا إمكانيات أكبر وأعمق في فهم مثيلات هذه النصوص والوثائق التاريخية؛ وأن تُزيل الغموض الذي يعتري جوانب كثيرة ومجهولة حول الإنسان الأوروبي في العصور الوسطى.


  • لائحة المصادر والمراجع المعتمدة

[1] تحيل كلمة مهنة على التقنية أو المهارة التي تُكْتَسَب من خلال التعلم، ويعود أصلها إلى “Arte” الكلمة الإيطالية التي تعني الموهبة، لكن ليس بالمعنى الراقي الذي تعرفه اليوم والذي يرتبط أساسا بالفنون.


كان من الصعب التمييز بين القروي والحرفي، حيث تعاطى العديد من القرويين لحِرَف متنوعة، ارتبطت بتحويل المواد الأولية لأجل سد حاجياتهم، وبذلك لم تُعتبر الحِرَف القروية تخصصا بقدر ما ارتبطت بنشاط الأسرة، عادة ما كانت تترك للنساء. بينما اعتبر الحِرَفيون الحقيقيون أولئك الذين جعلوا من حِرَفهم أساس عيشهم ومصدرا لكسب رزقهم، كما عملوا على تصدير منتجاتهم إلى المدن أو لجهات أخرى. أنظر:أأ


Sophie CASSAGNES-BROUQUET, Les métiers Au Moyen Age, Editions OUEST, France, 2020, p. 7.


2- Jacques LE GOFF, Pour un autre moyen Age temps, travail et culture en Occident: 18 essais, Gallimard, Paris, 1977, p. 203.

السعدية قابل

قابل السعدية؛ طالبة باحثة من المغرب، حاصلة على شهادة الماجستير الأساسية في شعبة التاريخ، تُعدُّ حاليا أطروحتها للدكتوراه ضمن مختبر البحث في العلوم الاجتماعية، في موضوع "الحرف والمهن بالمغرب الأقصى خلال العصر الوسيط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى