معجم

بارت والمعجم النقدي – ألان تروفي

 

الملخص:

يتضمن المعجم في أعمال بارت نقطة خلاف بين المطلب العلمي و الموضوعي ودينامية المعنى .

إذا كان بارت قد أغنى بلا شك المعجم النقدي ، فإن التعارض يتجلى بين وضع الإطار المفاهيمي والتصنيفي لأعماله، وكذلك لتغير الدلالات (Universalis) في مقال “(نظرية) النص” الذي تم إعداده لأجل موسوعة إينيفيرساليس المرتبطة بالسياقات التلفظية والثقافية الاجتماعية .

توضح هذه الدراسة الوقع المثير للجدل الذي أحدثه التمسك المطلق بالنصية في النقد الأكاديمي ، والذي اشتق من الاستعمال التعسفي للنصية ، كونه التصور المركزي في “نظرية النص” ؛ إذ إن التمسك المطلق بالنصية يخفي جانبا غير قابل للتحويل بين النص والصورة ، أو احتمالية وجود ما هو خارج نصي ، على الرغم من أن قراءة آخر أعمال بارت تعالج هذه الرؤية المبسطة . يجب إعادة قراءة بارت من موقع مؤيد ومعارض له .

الكلمات المفاتيح :

مفهوم ، تصور ، نصية ، لغة واصفة ، سياق ، صورة ، خارج نصي ، علم ، رواية .


بارت والمعجم النقدي : فيما يخص مقال “(نظرية) النص”

بدأ الانشغال المعجمي قديما في أعمال بارت ، وتصاعد عند تعرفه على كريماص في سنوات 1950 ، ثم جورج ماطوري ، وكذلك في مشروع أطروحة عن المعجمية البنيوية المقدمة سنة 1952 – وهو مشروع لم ير النور- سيروي هذا التوجه للمعجم كل كتابة نقدية ، إذ نجد له تمظهرات في العديد من أعماله ؛ في ميشلي (1954) ، شذرات من خطاب في العشق (1977) ، مرورا ب س/ز (1970) ، إمبراطورية العلامات (1970) ، أو في رولان بارت عن رولان بارت (1975) ، مساهما في بحث مدروس لتقدير المعنى .

لعل التناقض الظاهري للفكرة المضطهدة من قبل الحركة – والذي يعد الاسم ضمان استقراره – يرتبط غالبا بشبكات تعقد الدال  ، وذلك وفقا للتعليق المرافق لمشروع الأطروحة الأولى حسب تيفاني صامويت ” ينبغي لمرجعي أن يتيح النظر لدرجة دينامية تنسيق المعجم ” ، فهذه الدينامية المعجمية هي أيضا جوهر الإبداع الأدبي . وفي هذا الصدد نجد محاضرة ألقيت في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية سنة 1973- 1974 مقروءة منذ نشرها سنة 2010 بعنوان “معجم الكاتب” . يهدف المعجم النقدي بالأساس إلى التعليق على عمل الآخرين ؛ ماذا يقول رولان بارت نفسه عن كلمة “نقد” ؟ يميز رولان بارت في مقال سنة 1959 تحت عنوان “اتجاهات جديدة للنقد الأدبي في فرنسا” ما بين “نقد مطلق” ( الذي ينشر في الصحف والمجلات ) وهو نقد يحمل في طياته حكما وتقييما ، و “نقد بنيوي” يربط العمل بما هو أبعد من العمل نفسه ( التاريخ أو علم النفس ) ، يتعرض هذا النوع الثاني من النقد إلى خطر مزدوج : إما أن ينساق النقد وراء التاريخ ، فلا يدركه من خلال إيديولوجيا العمل ، أو يولي عنايته للعمل (بعده الخيالي) ، ولكنه من خلال إثبات ذلك فإنه لا يدرك التاريخ . وتبرز خاتمة المقال رهان القرار المتعلق بهذا المأزق ، داعيا لأجل رغباته إلى “موجز” قادر على “الاستجابة” إلى “المهام الحالية للتفسير العلمي” . إن أفق هذا النقد هو نظرية للأدب ، كما أشار إلى ذلك السؤال الذي طرح في افتتاحية المقال نفسه : ما الأساس سوى الأدب ؟ تمثيلا لهذا التساؤل ، فإن النقد سيحمل معنى فلسفي ، يلحقه بالهدف المزدوج المعرفي والتمييزي للمذهب النقدي الكانطي الذي يلخصه هذا السؤال : “ماذا يمكنني أن أعرف ؟” إن النظر في المعجم النقدي يعيد إذن إلى البحث في تطلع بارت في مادة النظرية الأدبية ، فهو طموح يمر من خلال إنتاج الكلمات بقيمة مفهومية وتصورية . ما هي المخلفات الفاعلة لهذا المعجم الذي وضع له تصورا جديدا وموسعا من طرف بارت في هذا العصر ؟ يمكن التمثيل للإبداع المفاهيمي بطريقتين : إما بتوليد المعنى أو بتوليد البنية ، والأكثر إثارة ، الذي يلاحظ بأكثر أو بأقل فعالية للإبداعات ، مثل “الكتابة” تربط بالكاتب أو بكاتب السيرة الذاتية ، وهو ما يعد بمستقبل واعد في الدراسات الجامعية ، بالنظر إلى المكتوب مقابل ما هو مقروء . بالنظر إلى كلمة “نص” المعتمدة هنا ، فإن الإبداع المفاهيمي يستند في الواقع على إعادة تشكيل المعنى ، إذ تشغل فكرة “النص” في الكتابة النقدية عند بارت موقعا استراتيجيا ، وكذلك في التأثير الأكاديمي لأعماله ، حيث إنه منح للنص صياغة تنحو للعلمية في مقاله “(نظرية) النص” الذي أصدره سنة 1973 للموسوعة الجامعية ، وقد أخذنا بدورنا هذا المقال كنموذج واستبعدنا بارت في س/ز ، وهو ما يعود ليقر الفجوة بين لغة التواصل المتعلقة بالمحادثة ، ولغة يفترض أن تحاكي العملية اللانهائية لتوليد المعنى .

سننتقل من النظرية إلى المقال نفسه ، ثم إلى تقويماته في صورة مكتملة ارتباطا بالسياقات التحريرية الأخرى ، تخط المجموعة حدود الفكر الأدبي الفاعل باستمرار .

المعجم والنظرية

-المفهوم ، عتبة مميزة بين الأدب والفلسفة

وفقا لوجهة نظر فلسفية مقبولة عموما وإلى حد ما منذ كانط ، فإن المفهوم هو “موضوع للفكر (الفكرة) ، مطابق لقاعدة أو مخطط يضمن له قيمة عامة ومجردة” (آلان راي ، 2009) ، كما يسمى هذا الفكر أيضا “القدرة على إصدار حكم وفق معايير محددة” في النقد العقلي المجرد ، ليسميها كانط لاحقا (1995) ب ” القدرة على إصدار حكم وفق تفكير تأملي” ، ونجد أيضا من بين أمور أخرى : الحكم الجمالي الذي ينطوي على الموضوع ، بعبارة أخرى : لا وجود لمفهوم يتسم بالتعميم كالشيء ، وإذا أردنا معالجة فعالية الموضوع فإنه يجدر بنا استعمال كلمة أخرى.

طور جون ماري شيفر هذه الفكرة بطريقة مماثلة ، وعارض المعرفة العلمية (المفاهيمية) التي تستوعب الفرد تحت فئة عامة ومعرفة جمالية ؛ كنشاط أفقي جمعوي : “بالأحرى سنقول إن الفرق بين نشاط معرفي أفقي (جمعوي) من جهة ، ونشاط معرفي عمودي (عمومي أو خصوصي) من جهة أخرى ، وهو ما يميز العلاقة المعرفية في المستوى الأول [بما فيها السلوك الجمالي] عن العلاقة في المستوى الثاني [علمية] . (شيفر 1995). يبدو أن وجهة النظر هذه تجمع الشعراء عندما يكرسون أنفسهم للتأمل ، يمكننا إذن مقاربة المفهوم والمدلول المشار إليه أو تعريف القواميس ، نجد على سبيل المثال عند إيف بونفوا أن الشعر يتحدى الاستخدام النمطي للغة ، فالشعر هو ما يوجد في فضاء الكلمات ، هو عالمنا ، ذاكرة إضافية لما هو كائن في تمثلاته : ذاكرة المراجع الإحالية في فضاء المدلولات ، ونذكر أيضا النقد الذي وجهه ملارمييه إلى لغة التواصل “الإبلاغ الشامل” . استنكر رولان بارت بشكل مثير للجدل في مقابلة أجراها في ماي 1970 بخصوص كتابيه س/ز و إمبراطورية العلامات “عودة المدلول من اللاهوت ، من التوحيد ، ومن القانون” . رغم أن التحول من المعنى العلمي و الفلسفي إلى المعنى المعجمي لا يطرح إشكالا ، فمن المفترض أن معنى كلمة عند استعمالها في التواصل الاجتماعي يتم إعادتها إلى تعريف واحد ، بينما نجد أن مدلول الكلمة غالبا ما يتفرع إلى مجالات ، ويظهر استيعاب بارت لذلك عندما يوظف الاستعمال التواصلي للغة ، تحت علامة النموذج ليعارض المحايد . فالمحايد حسب بارت هو “ما يقوض النموذج” ، وذلك عبر تنظيم دورة كاملة حول المحايد ، فقد أنشأ محايدا مرة أخرى وجهت انتقادات مماثلة لدريدا حول التفكيكية ، فهو لفظ يرمي إلى إظهار زعزعة استقرار محتملة لجميع المعاني ، ولكنه كمصطلح لا يزال يعتمد على فئة لغوية . ومن بين الردود الموجهة لهذا النقد للمفهوم كان من طرف نيتشه ، الذي قرب الفلسفة من الأسطورة والاستعارة ، عبر اقتراض بعض الطرائق التعبيرية من الأدب ؛ وتحديدا يحتل نيتشه مكانة عالية في قاعدة العظماء بالنسبة لبارت .

-استراتيجية (نقد ذاتي) رولان بارت والمعجم

أكد لاورن بارت في الدرس الافتتاحي لسنة 1977 أن “العلم جاف ، الحياة ماكرة ، ولتقريب هذه الفجوة نستورد الأدب” إن النقد والفلسفة يجب أن يميلا نحو الفن لكي يقتربا من الحقيقة ، فبارت كناقد لم يتخل عن طموحه نحو العلمية ، ف “العلم” هو كلمة حاضرة إحصائيا في خطابه ، بل هي بالأحرى مسألة ترسيخ هذا الطموح بواسطة كتابة جديدة . تتصف هذه الكتابة بصفتين : الشكل المرجعي و تسلسل الكلام ، وتحاول كل منهما التوفيق بين صرامة العلم ومرونة الحروف . كل خطاب نقدي مشبوه ما دام يتسم بعلامات جهله تاريخا ونفسيا ، اعتمادا على شكل الذخيرة وإحصاء المداخل ، بحيث ينشد بارت إحباط وهم الموضوع المتحكم في المعنى ، وأن يظهر خلافا لذلك القوة التوليدية ، بموازاة لا محدودية المعنى ، وهو النهج الذي ساده في س/ز الذي هيأ للتقدم في كتابة القصة سارازين ، انطلاقا من الوحدات النصية الصغرى والمداخل المعجمية الغير هرمية : “16 الجمال” ، “مخيم الإخصاء” ، “18 أجيال مخصية” ، “19 المؤشر الرمز ، النقود” ، يحددها بارت في : “نمط كتابة يقود إلى تعددية النقد ، عند التحليل البنيوي للسرد ، في علم النص، في تصدع المعرفة البحثية ، تلفي هذه المجموعة لنفسها مكانا في التشيييد (الجماعي) لنظرية تحريرية للدال ” . نلاحظ بالمناسبة التعارض القائم بين البناء المعجمي ، وبين نظيره في المعرفة البحثية . إن التسلسل الكلامي هو الإستراتيجية الأخرى الملفوظة ، في ظل غياب مطلق للموضوعية ، يتعلق الأمر بإسناد الكلام إلى مخيلته بجعل الموضوع في إطاره الملفوظ ، وذلك إقرارا للاعتبارات العلمية للموضوع المتحدث . أصابتنا الدهشة في دورة “الإعداد للرواية” ، بالنظر إلى الشكل المحدد في “رولان بارت عن رولان بارت” ، بحيث تنزاح كتابة المقالات عن موقعها ليشغره مشروع السيرة الذاتية ثم إلى كتابة أدبية ، إذ يحتفظ بارت بشيء ما عن نمطه العلمي في الكتابة ، فهو يسعى إلى الاستيلاء على المذهب عبر طرح عدم ترابط موضوع الكتابة بالموضوع المكتوب ، مثل ما يوحي العنوان الذي تمثل بنيته النحوية التمييز بين الشيء والفاعل.

-دور الإطار التلفظي

نلاحظ نوعا من التنافر للإطار التأسيسي أو الافتتاحي الذي يتم فيه الكلام ، ونميز فيه بين أربع فئات :

-تمثل المقالات التي يتم نشرها في العديد من المجلات شريحة عريضة من المشهد الإيديولوجي – بعضها مجلات رائدة – المفارقة هي أن الحديث في مجلات مثل تواصل يرتبط بتدمير فكرة لغة التواصل .

-إن المؤلفات الأكثر نشرا في سلسلة “سوي” التي تهتم بالأعمال الرائدة ، تلعب دور موزع للمعنى ، وذلك بغرض الإحاطة بالموضوعية الزائفة للعلوم الإنسانية .

-المؤتمرات والندوات التي تقام في كل من مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية و كوليج دو فرنس ، تتأثر

بتناقض مماثل : أماكنها المختلطة ، للمعرفة وللمنزلة ، هي أيضا أماكن ضد السلطة . إن التفكير النقدي الذي يثبت نفسه سيغدو مع ذلك مصدر إلهام للعديد من الأعمال الأكاديمية ، وسيعود بالتالي إلى المجال التأسيسي .

-تظل جهات إيداع المعرفة العلمية واسعة النطاق (كونية) مثل الموسوعات ، يستدعي الأمر الضمني التعرض الواضح لمحتوى تصوري (مرتب منطقيا) ، لقد قام لاوران بارت بمحاولات عدة في ذلك ، من بينها المقال الذي يهمنا على وجه الخصوص .

“(نظرية) النص” : الشكل والمحتوى ، الهدف والصعوبات

ضمن المقال المكتوب للموسوعة الجامعية سنة 1973 ، القوسان (نظرية) مهمان : فهما يؤكدان التطلع الذي يقره أيضا الاستخدام المتكرر للكلمتين “علم” و “مفهوم” .

-موضوع التلفظ يراد به الجمع

يدعم لاوران بارت أعمال جوليا كرستيفا بشكل كبير ، ويشير إليها في أكثر من مناسبة لأعضاء آخرين في مجموعة تيل كيل إن ما يحرر في المقال هو أعظم من موضوع بارت ، إذ هو موضوع مشترك للعلم (جديد) .

-خطاطة المقال

يتألف النص من أربعة أجزاء : 1- أزمة العلامة ، 2- نظرية النص ، 3- النص والعمل ، 4- الممارسة النصية.

تنبثق حركة هذه الأجزاء الأربعة من كتابة منطقية أقرب إلى الجدلية وليست سطحية .

تروم المقدمة تسليط الضوء على نقد المفهوم التقليدي والظاهراتي للنص ، كضمان لاستقرار ومشروعية المعنى.

1-أزمة العلامة : يتصدى للرؤية التي تظهر النص كمودع للحقيقة ، فالبرهان يعتمد على نيتشه ، وعلى حلقة براغ بالنسبة للسانيات ، وعلى الماركسية بالنسبة للتاريخ ، وعلى التحليل النفسي ؛ فعدم استقرار العلامة يعيد الكلام عن ما هو مختلف عن الموضوع .

2-“نظرية النص” : اقترض من جوليا كرستيفا مفاهيم عدة : الزوج الدلالي (المعنى في حركته) – الدلالة (معنى ثابت) ، الثنائي تخلق النص (كينونة النص في مادته) – خلقة النص (المعنى في طور الصياغة) . إن خلقة النص هي “مجال متنوع ، فهي فعلي وانفعالي في الآن ذاته” ، كما استعاد مفهوم التناص الذي صاغته كرستيفا نفسها في “سيميوتيكا” (1969) ، لم يعد النص حجابا للمعنى ، بل هو نسيج من عبارات آتية من خلفيات متنوعة .

3-“النص والعمل” : يقارن فيه العمل “الذي يحمل في اليد” مع النص الموجود “في اللغة” ، أحدها (العمل) سيكون منسجما مع الممارسات الاجتماعية والتحريرية المرتبطة بإنتاج موضوع الكتاب ، والآخر (النص) “متجانس مع اللغة” ، فيتصور النص بمعناه الأوسع ، ويدمج رولان بارت القراءة ضمن الممارسة النصية “موضوع إبستمولوجي جديد” يشتمل أيضا على ممارسات دلالية غير لفظية : “تميل نظرية النص إلى إلغاء الحاجز بين الأنواع والفنون” .

4-الممارسة النصية : يبدو أن التحليل النصي لا يزال إلى جانب القارئ ؛ حيث يقترض من “السيميوتيكا” مفهوما أخيرا هو التحليل العلاماتي الذي يكون فيه الموضوع هو “تقاطع النص المولد والنص الظاهر” يسمى “في ما يلي الشكلانيين الروس” ، وعند كرستيفا “العينة الأيديولوجية” ، “مفهوم يسمح بصياغة نص داخل آخر ، وبالتفكير داخل نصوص المجتمع والتاريخ” .

يعني مستقبل هذه النظرية “أن التعليق هو في حد ذاته نص” ، لكن “الممارسة الوحيدة القائمة على نظرية النص هي النص نفسه” ، إذ يجمع هذا الاقتراح الثاني بين الكاتب والقارئ في كيان واحد ووحيد ، النص ، حيث الممارسة مصحوبة بتعتيم حدود الموضوع ، مما سيضمن “الاستفادة” ؛ قد أقر بالتلميح للذة النص جد قريب زمنيا من كتابة هذا المقال ، وتم الاستشهاد به في قائمة المراجع .

تقدم المقالة إذن بنية منطقية وانعكاسية ، حيث تطرح الفقرة الأولى أسس الفقرة التي تليها ، كتعريف على نمط السببية التفسيرية ، كما تستخلص الفقرتان الثالثة والرابعة استنتاجات هذا التعريف بطريقة حالية في الفقرة (3) واستشرافية في (4) ، فالفقرة (4) ترمي لأن تكون نوعا من السمو الديالكتيكي للفقرة (3) .

(3) : “النص مفهوم علمي (…) وفي ذات الوقت قيمة نقدية”

(4) : “يميل التحليل النصي إلى استحضار [بعلم إيجابي] علم نقدي” .

تماسك ووحدة الفكر البارتي : لم نبتعد عن معنيي النقد اللذان طرحا في مقال 1959 .

القضايا الرئيسية والتحديات

عندما نقوم بتلخيص هذا المقال “نظرية النص” فإنه يبطل صفة القداسة عن النص (لا يحجب المعنى) ، ويشرع في مضاعفة معناه الهائل كموضوع مطبوع للقراءة ، فهو تجاوز واسع لكل ممارسة تدليلية (لسانية أو أيقونية) يحتمل اعتبارها نصا ، تجاوز مكثف ؛ إذ يخاطر رولان بارت بعبارة “نص”نصي”” لكي يقولها ، فهناك إذن نصوص غير نصية … وكذلك عبارة “كتابة نصية” فيفترض وجود كتابة غير نصية … يتضمن هذا التجديد تقدما إشكاليا ، إذ يدعو إلى التغلب على الوهم (تسوير المعنى) لكنه يسمح ضمن التعريف بتواجد كل من مفهوم (يميل نحو الموضوعية) وقيمة ، اللذين يسمحان بإمكانية تحديد مجموعة جديرة بحق أن يتم وسمها بالنصوص ، كما يأخذ في الاعتبار نشاط القارئ بطريقة مبتكرة . لعب بارت في النصف الثاني من القرن العشرين دور معجل / محفز لنظريات القراءة ، فعدم التمييز بين الكاتب والقارئ يطرح التساؤل بشأن العواقب الجذرية التي تنتج عنه ، ضمن النص الجديد الذي أنشئ بواسطة “النص النصي” ، “لا وجود لنقد ، ليس هناك سوى الكتاب” . نذكر أيضا ثلاث صعوبات أخرى ، تؤدي لامبالاة الدعامات السيميائية إلى التصنيف دون تمييز في قسم “نص” للإنتاجات اللغوية والصور ، ويؤدي إلغاء الفروق النوعية ومستوى الخطاب لهذا الجزم في صورة تحد ؛ “لا وجود للغة واصفة” ، صيغة تدخل في تعارض أو توتر مع المقال الذي تتداخل معه ، وأخيرا فإن مفهوم النص “المتجانس مع اللغة” (الفقرة 3) يفضي إلى طعن الفكرة التي قد تكون “خارج نصي” .

أطلق دريدا سنة 1967 عبارة : “لا شيء خارج نصي” ، وذلك بعد عشر سنوات في محاضرته الافتتاحية في كوليج دوفرنس ، مستعيدا لصدى فكرة : “إن اللغة الإنسانية ليس لها خارج : فهي جلسة مغلقة” ، فكلاهما تباين في خطابه بشأن هذا الموضوع . تتناول العديد من التبعات دون تنقيب نقدي كاف في العديد من الأعمال المستوحاة من نظرية بارت ، قد ندرج ذلك ضمن “التمسك المطلق بالنصية” ؛ “الكل هو نص” .

اشتقاق التمسك المطلق بالنصية ومقابله البارتي

ربما يكون رولان بارت هنا أفضل ناقد لنفسه من بعضه قرائه فيما يتعلق بمسألة الوضع المفاهيمي للنص ، نلاحظ وجود مقترحات متناقضة تتعلق بالسياق التحريري ، فمقال 1972 يكاد يكون معاصرا بالنظر إلى مقال الموسوعية الجامعية المنشور في مجلة تواصل ، فهو يقترح الملفوظ التالي : “نتابع للحظات اليد المشتركة من مقال إلى مقال ، بعيدا عن كتابة تعريف للنص (لا وجود لذلك : النص ليس مفهوما) توصيف (سيناريو) ممارسة الكتابة ” ، ومن جانبه يتحدث مقال 1973 عن : “النص مفهوم علمي” ، لا تطور يمكن تفسيره بالنضج الزمني من ملفوظ إلى آخر ، لكن إمالة مرتبطة بسياق تلفظي ، فبالنسبة للموسوعة لا يمكن توصيفها بمقال …

إن المعنى العميق للنص تقريبا غير محتمل ؛ فبارت نفسه لم يطقه ، وقد ضم ذلك في مقاله : العبارة الممتعة للنص “نصي” مثلما قالها بطريقته . نسي قراء بارت هذا المعنى العميق ، وأخذوا النص بمعناه الظاهري (= الكتابة المخطوطة أو المرقونة في متناول اليد) ، لكن يستأنف ربط بعض الخصائص المذكورة في المقال ، ورغم ذلك فإن قابلية تحويل الأنظمة السيميائية (صورة ونص) وليس الكتابات في نص مشترك . ينزع ترجيح السيميولوجيا على السيمياء إلى توحيد الممارسات التدليلية ، حيث إن كبريات التحليل السيميولوجي لدى بارت عن الأساطير والإشهار ، لم يبذلوا الكثير لإحداث هذا التحول ، يرتبط السؤال هنا بوضعية الممارسات التدليلية ، منفتحة أولا على كل ما هو متباين .

يتم تحليل “النص الظاهر” المقترضة من كرستيفا على أنها “مجال غير متجانس ، فهو لفظي ونزوي” ، إننا هنا أمام مقاربة سيميائية ، ففي التعارض بين العمل والنص قيل إن “يمكن أن يحد العمل بمصطلح غير متجانس للغة (بنية التعيينات الاجتماعية والتاريخية) “خلافا للنص ، يقلل من التوتر بين الغير متجانس والمتجانس بواسطة رجحان النموذج السيميولوجي . تؤدي نظرية الصورة مثل النص إلى تعبيرات ينبغي مساءلتها ، زيادة على الصعوبة يضيف رولان بارت انعدام تجانس العمل إلى “نصوص المجتمع والتاريخ” ، وبالتالي فإنه يستوعب النص بالمعنى الظاهري والقانون بالمعنى العريض (مجموعة قواعد ، قوانين ، العادات العاملة في الحياة الاجتماعية الضمنية ، ويتخطى إطار النصوص التشريعية المحدودة) و تأخذ في شموليتها ، ففكر بارت لا ينفي التناقض بين التجانس وانعدام التجانس الضروري بلا شك لأجل التفكير في رابطة نص / صورة . نفس الأمر ينطبق على الالتباس بين مستويات الخطاب ، الذي يؤدي إلى التأكيد الذي بموجبه يغدو الكل نص ، ولا شيء غير نص ، فأدوار القارئ والكاتب باتت تبادلية ، بالعودة إلى الجملة التي سبق التعليق عليها : “يظل النص في تجانس مع اللغة ؛ فما هو إلا لغة ، ولا يمكن أن يوجد إلا من خلال لغة أخرى” . تخفي النتيجة فكرة أساسية ، هي تلك القراءة الخلاقة وقارئ ثالث ، متميزة بلغتها عن كاتب الموضوع ، لكن يظل هذا الاستطلاع إشكالية عندما يدعى كلاهما للانضمام إلى العمل على العلامة ، التي تلغي الحدود بين الموضوع تحت علامة المتعة .

تنقيح وتكملة رولان بارت لنفسه

تميل القراءة الموسعة عند رولان بارت إلى تدارك الجانب الغير مترابط لبعض التشكيلات ، إذ يشرح ذلك في صحيفة ثقافية مثل الحروف الفرنسية المعروفة بجمهورها العريض . يقترح بارت تمييزا مضادا لأحادية الخطابات ، بخصوص كتابه س/ز الذي يتأسس انطلاقا من قصة بلزاك سارازين نمطا جديدا من الكتابة ، حيث يحدد خطابه بالنظر إلى “نص كفيل” ، فهذه الدقة اللفظية غاية في الأهمية ، فهي تؤيد التمييز بين نص الكاتب ونص القارئ ، بعبارة أخرى هناك لغة واصفة .

في محاضرته “إعداد الرواية” لا يزال بارت يطرح الرواية مثلما يخرج عن نطاق اللغة الواصفة ، مما يعني الإقرار بوضعية اللغة الواصفة في بعض الملفوظات ، ويسجل في هذا الباب : “هناك تفشي للامبالاة الكتابات تعوقها الفئات التحريرية” . هذا الإقرار بمستويي أو شرطي الخطاب يتم التحقق منه أيضا من خلال الرغبة في التحول التي دفعت بارت في السنوات الأخيرة إلى أن يخطط لكتابة الرواية في شكل متفرد ، تم التعبير عنه في الهايكو ، سنعود للحديث في هذا الصدد لاحقا . يوجد كتابان يسلمان ضمنيا وبصورة مشتركة وجود الخارج النصي واللغة الواصفة : إمبراطورية العلامات 1970 والغرفة المضيئة 1980 . يستجيب “إمبراطورية العلامات” لأمر الناشر سويس سكيرا الذي يدعو الفنانين أو كبار المتخصصين في الفن ، إلى التعليق عن تصورهم للإبداع ، إذ تزمع الطبعة العمل على النص والصورة ، كل مساهم يجمعهما على شاكلته .

عند تحرير الكتاب ، لم يكن رولان بارت يتحدث اليابانية التي اعتبرها ” لغة غير معروفة” ، لكنه ضمن كل ما رأى وتلقى في اليابان : الوجوه – المخطط الحضري – المطبخ – الرقص أو الممارسة الرياضية ، في نظام من العلامات ، حيث قال عن هذا البلد : “وضعني اليابان في جو الكتابة” ، كما وصف وحلل وجبة يابانية كنظام استدلالي . ينحدر “إمبراطورية العلامات” بطريقة ما كذلك من سيميولوجيا الكلية ، لكن قابلية تحويل الأنظمة الرمزية تجد حدها في الترسيخ المحلي ، الذي يعينهم من جهة على عدم التجانس : “ما يمكن استهدافه في طريق الشرق (…) وإمكانية الاختلاف ، لطفرة ، لتطور على مستوى ملكية الأنظمة الرمزية” ، ما هو تحت النص سنقول عنه عن طيب خاطر نص خلفي ، يأتي كي يقلل من مدى كونية الترجمة .

يدرج رولان بارت في كتابه تأملا في الهايكو ، نسخة موجزة للهايكو ارتباطا بركنه الأساس  الهايكو ما هو إلا فرع أدبي يظهر كممارسة هائلة ترمي إلى إيقاف اللغة” : يشتمل على المعنى . لا يتعلق الأمر بالدينامية كما هو الحال بالنسبة للدلالة ، وإنما بالفراغ ؛ في اللقاء الذي استشهدت به يعلن بارت أنه اكتشف ذلك “جمالية العلامة الفارغة” ، يشير هذا الفراغ إلى المواجهة مع مرجع خارج لغوي بطريقتين :

1 –كمنتج لثقافة زين يدعمه فضاء جغرافي ثقافي

2 –شعراء الهايكو* يثيرون الإعجاب بدورهم ، فيكتفون بتسجيل الأحداث الكلية للوجود في العالم عبر التوليفة الأساسية لبعض التصورات :

“رفقة ثور على الشط / مركب صغير يخترق النهر / في طريقه نحو المطر الليلي” ، حيث يرى بارت الهايكو

“بني على ميتافيزيقا بلا موضوع ولا إله” ، أو لنقل موضوعا أدنويا ، يمتح إزاء تأمل فيما يتم طرحه أمام اللغة

كمظهر خارجي للعالم : “هذا هو ، هذا إذن ، يقول الهايكو ، هكذا” .

إن “هذا هو” ربما له ارتباط ب”هذا ما كان” التي تنبع فكرتها من التأمل في بعض الصور .

تعتمد الغرفة المضيئة على جانبان : جانب دراسي وجانب عاطفي . إذا كان الجانب الدراسي يحيل على المعرفة الثقافية ، وبالتالي على اللغات المنشأة التي من شأنها فك تشفير الصورة ، فإن الجانب العاطفي المشاهد للصور يحيل على نمط من الخارج نصي الوجودي ، الذي يلخصه من قريب أو من بعيد ، فهو يعمل أيضا على عودة ما إلى علم الظواهر مقابل العلمية التي يظهرها أيضا بحث “نِماط الصورة” المثار في “إعداد الرواية” .

العمل الأدبي

تستحضر هذه الرغبة في كتابة عمل بالمعنى العريض للمصطلح ، التصحيح الأوضح للتأكيدات التي قد يحسمها الخطاب النظري والنقدي . كان رولان بارت يحلم في “إعداد الرواية” ببضعة نماذج كبيرة – بروست ، تولستوي – منحهم بشكل فعال فرقا نوعيا . بكيفية أكثر إبداعا ، فقد ربط بين رغبة إعداد رواية رومانسية بالتطور في الهايكو ، ليلتقي الحجم الكبير بالحجم الصغير في هذه النقطة ؛ ترسيخ الأدب في مرجع خارج نصي : “ما من هايكو يتحمل أي عمومية” . لأنها غالبا ما تكون إسقاطات متقاطعة للمواضيع ، إذ تقر الكتابة والقراءة الأدبيتان استعمالا سيميائيا للغة خلافا ل “التمسك المطلق بالنصية” .

ما الذي يجب الاحتفاظ به من هذا التأمل في الخطاب النقدي الذي يجمع المقال عن النص والأعمال الأخرى؟يحتوي النقد على أصول النظرية ، وبما أن النظرية تتعلق بالأدب ، فإنها لها بالتالي علاقة فنية باللغة ، فلا يمكن التفكير في نموذج المفاهيم العلمية أو الفلسفية ، فبالأحرى عن التصور ، الذي هو مجموع الدلالات الملفوظة ، أو ربما إذا وددنا الإبقاء على كلمة مفهوم ، فلا شك أنه ينبغي النظر إليه من جانب روبير برادوم (2009) كنوع من الكليانية المفاهيمية القائم على تعديل دائم للمدلولات .

ووفقا لأفضليته بالنسبة لدينامية المعنى ، فإن التفكير النظري لدى رولان بارت يتبلور على ركيزة مبتكرة من الممارسات ، إذ يبدو أنه يسعى للبحث في مجموع إنتاجه النصي ، بما فيه التناقضات التي لم يتردد في طرحها . يمكن انتقاد مثالب القراءة السيئة لبارت : التمسك المطلق بالنصية ، الهيمنة دونما تشارك لنظرية التناص ، وربما المرجعية الذاتية للأدب . إنها بلا شك ثمرة تقويم وإيجاز ، يجب على العكس إعادة قراءة بارت من موقع مؤيد ومعارض له .

*نوع من الفنون التقليدية ، ويعد الهايكو شكل شعر زن الأكثر شهرة في الغرب .Japanese Zen

مسرد

 

Notion

تصور

Concept

مفهوم

Métalangage

لغة واصفة

Intertextualité

تناص

Image

صورة

Contexte

سياق

science

علم

Hors-texte

خارج نصي

Abusif

تعسفي

Roman

رواية

Lexique

معجم

Lexicologie

معجمية

étoilement

تقدير

Paradoxe

تناقض

Symétriquement

باتساق

Critique

نقد

Discriminante

تمييزية

Cognitive

معرفية

Métaphore

استعارة

Déconstruction

تفكيكية

Pluralisation

تعددية

Mythe

أسطورة

Micro-unités

وحدات دنيا

Entrées lexicales

مداخل معجمية

Engendrement

توليد

Edification

تشييد

Contre-pouvoir

ضد السلطة

Autobiographie

سيرة ذاتية

Enonciation

تلفظ

Encyclopédie

موسوعة

Tabulaire

سطحية

Dialectique

جدلية

Géno-texte

نص ظاهر

Phéno-texte

نص مولد

Iconographique

أيقوني

Idéologème

عينة أيديولوجية

accélérateur / Catalyseur

محفز

Syntagme

عبارة

Pantextualisme

التمسك المطلق بالنصية

Manuscrit

مخطوط

Convertibilité

قابلية التحويل

Hétérogène

غير متجانس

textes législatifs

نصوص تشريعية

Problématique

إشكالية

décoder

تشفير

Créatrice

خلاق

studium

دراسي

Punctum

عاطفي

Holisme

كليانية

Noème

نِماط

Conférences

مؤتمرات

Autoréférentialité

مرجعية ذاتية

 


المصدر

 

مريم الجنيوي

مريم الجنيوي: طالبة باحثة - جامعة محمد الخامس؛ كلية الآداب الرباط - المغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى