رولان بارث: من تفكيك اللغة إلى هندسة المعنى

يُعدّ رولان بارث (Roland Barthes)؛ أحد أكثر المفكرين تأثيرا في القرن العشرين في مجالات النقد الأدبي، والسيميولوجيا، ونظرية النص، والدلالات الثقافية. وُلد في شيربورغ بفرنسا سنة 1915، وارتبط اسمه بالتحول الجذري الذي شهدته العلوم الإنسانية الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية، حين انتقلت من تحليل النصوص إلى تحليل الأنساق والمعاني.

لقد جعل بارث من اللغة “نظاما من الإشارات” لا يقل أهمية عن الواقع نفسه، واعتبر أن كل خطاب – سواء كان أدبيا، أو فنيا، أو إعلاميا – يحمل بنية دلالية قابلة للتحليل والتفكيك.

بدأ بارث مشروعه النقدي من فكرة بسيطة لكنها ثورية: أن اللغة ليست أداة تواصل فقط، بل نظام أيديولوجي.
تتجلى هذه الفكرة بوضوح في كتابه الشهير:

في هذا العمل المؤسس، المنشور في مجلة Communications (العدد الرابع، باريس، دار سوي Seuil)، يقدّم بارث تصورا أوليا لعلم العلامات (السيميولوجيا) بالاستناد إلى أفكار فردينان دو سوسور.

يرى أن العلامة تتكون من دالّ ومدلول، وأن العلاقة بينهما ليست طبيعية بل اصطلاحية. غير أن بارث يذهب أبعد من سوسور، إذ يعتبر أن هذا النسق لا يقتصر على اللغة، بل يشمل كل أنظمة الرموز: الأزياء، والإعلانات، والموسيقى، والصور الفوتوغرافية.

لقد كانت هذه الدراسة بمثابة الشرارة التي أطلقت التحول السيميولوجي في النقد الفرنسي، وأسست لما سيُعرف لاحقا بـ”التحليل البنيوي للخطاب“.

يُعدّ هذا الكتاب من أكثر أعمال بارث شهرة وانتشارا، وهو نموذج تطبيقي بارز للسيميولوجيا الثقافية.
جمع فيه مقالات نشرها في الصحافة الفرنسية بين عامي 1954 و1956، تناول فيها موضوعات من الحياة اليومية مثل كرة القدم، والسينما، والطعام، والسيارات، والإعلانات، والأزياء، وحتى صور النجوم، ليثبت أن الثقافة الشعبية هي نظام أسطوري حديث.

فـ”الأسطورة” عند بارث ليست حكاية قديمة، بل خطاب أيديولوجي معاصر يخفي وراء مظاهره البريئة منظومة من القيم الطبقية والسياسية.

«الأسطوريات: نقد الأيديولوجيا في الحياة اليومية». من خلال هذا المرجع؛ كشف بارث كيف تعمل الثقافة الجماهيرية على إعادة إنتاج البنى السلطوية عبر اللغة والصورة، ليصبح النص الاجتماعي ذاته مجالا للتحليل النقدي.

في هذا العمل المبكر، يقدّم بارث ما يشبه البيان الأدبي لمدرسة النقد الجديد.
يبحث في العلاقة بين اللغة والكتابة، ويرى أن الكاتب لا يختار أفكاره فقط، بل يختار أيضا شكلا للكتابة هو بدوره موقف أيديولوجي.

يطرح بارث مفهوم “الدرجة الصفر”، أي الكتابة النقية الخالية من التزيين الأيديولوجي، حيث يتحرر الأدب من سلطة اللغة الجاهزة ومن الإملاءات السياسية والاجتماعية.

هذا العمل يمثّل بداية ما سيُعرف لاحقا بـ”موت المؤلف”، أي تحرر النص من نية صاحبه ومن سلطته التأويلية.

ترجم العنوان إلى الإنجليزية باسم Writing Degree Zero (1968)، وأصبح أحد المراجع الكبرى في النقد الحديث.

يُعتبر هذا الكتاب منعطفا حاسما في مسار بارث، إذ انتقل فيه من التحليل البنيوي الصارم إلى القراءة اللذّية والتجريبية للنص.
يُميّز بارث بين نوعين من النصوص:

في هذا العمل يعلن بارث ميلاده الثاني كقارئ حر، حيث تتحول القراءة إلى فعل حسي وجمالي، وتصبح اللذة معادلا للفكر. وهذه المقاربة أثرت بعمق في الدراسات الأدبية اللاحقة، وأعادت تعريف العلاقة بين النص والقارئ.

يتناول بارث في هذا العمل شخصية المؤرخ الفرنسي جول ميشليه، من خلال قراءة سيميولوجية للأسلوب التاريخي نفسه.
فميشليه، في نظر بارث، لم يكن مؤرخا فحسب، بل كاتبا يصوغ التاريخ كخطاب رمزي وأسطوري.

يرى أن كتابة التاريخ لا تكتفي بنقل الوقائع، بل تبني خطابا ذا سلطة، يعيد تشكيل الذاكرة الجماعية.
من هنا يفتح بارث الباب أمام مقاربة جديدة للتاريخ باعتباره نصا أدبيا خاضعا للتأويل، وهو ما سيؤثر لاحقا في مدرسة “التاريخ الجديد” (New Historicism).

يُعتبر هذا الكتاب ذروة مشروع بارث التحليلي، إذ يطبّق فيه منهجه البنيوي على قصة “سارازين” للكاتب بلزاك.
يقوم بتحليل النص سطرا بسطر، ليكشف بنياته السردية والدلالية والرمزية، ويقسّمه إلى وحدات دلالية أسماها “الكسيمات” (lexies).

من خلال هذا العمل، يبرهن بارث أن النص ليس كتلة متجانسة، بل نسيج من العلامات المتداخلة تنتج معانيها عبر التفاعل القرائي.
لقد شكّل S/Z نقطة التحول من البنيوية إلى ما بعد البنيوية، حيث بدأ النص يفلت من سلطة المعنى الثابت.

من خلال هذه الأعمال التأسيسية — من الدرجة الصفر للكتابة إلى S/Z — استطاع رولان بارث أن يضع الأسس النظرية لما يُعرف اليوم بـالنقد السيميائي وما بعد البنيوي. لقد أعاد تعريف الأدب لا بوصفه وسيلة لنقل المعنى، بل كمنظومة علامات تولّد معاني متعددة وفق شروط القراءة.

 

رولان بارث: من اللغة إلى الصورة ومن الدال إلى الذات

بعد أن رسّخ رولان بارث مكانته في النقد الأدبي والبنيوية الفرنسية، اتجه في النصف الثاني من مساره نحو أفق إنساني وجمالي أوسع.
أصبحت السيميولوجيا لديه أداة لفهم التجربة الإنسانية في أكثر مستوياتها حساسية: الرغبة، النظرة، الصورة، والكتابة الذاتية.
لم يعد الخطاب عنده مجرد نظام علامات، بل فضاء تتقاطع فيه اللغة بالذاكرة، والنص بالحياة.

1. النظام الموضوي: الأزياء بوصفها لغة

يمثل هذا العمل أحد أكثر تطبيقات السيميولوجيا دقة وابتكارا.
يحلّل بارث فيه عالم الأزياء ليس من منظور الجمال أو الذوق، بل باعتباره نظاما لغويا قائما بذاته، له نحوٌ وصرفٌ ومعجمٌ خاص. يقوم بتفكيك الخطاب الموضوي كما يظهر في مجلات الأزياء، ليكشف كيف تُنتج العلامة الموضوية معاني اجتماعية وثقافية.

ترجم هذا الكتاب إلى العربية بعنوان «نظام الأزياء»، عن المنظمة العربية للترجمة، بيروت (2008).
ويرى بارث أن الأزياء ليست مجرد لباس، بل نص اجتماعي يعكس بنية السلطة والرغبة، وأن المرأة – في خطاب الموضة – تتحول إلى دالّ بصري يُعاد إنتاجه عبر الصورة واللغة في آن.

من خلال هذا العمل، وضع بارث الأساس لما سيسمى لاحقا السيميولوجيا البصرية، وهو المجال الذي سيمتد إلى أعماله حول الصورة الفوتوغرافية.

2. النص في انفتاحه المتعدد: «صوت اللغة» و«حُبّ الخطاب»

هذا العمل عبارة عن مجموعة من المقابلات والمقالات كتبها بارث بين عامي 1962 و1980، وقد صدرت بالعربية بعنوان «حبيبات الصوت: مقابلات 1962-1980» (ترجمة محمد برادة، دار توبقال، 1986).

فيه يتحدث بارث عن العلاقة بين الصوت والمعنى والكتابة، مؤكدا أن النص لا يُقرأ فقط، بل يُسمع ويُحسّ، وأن اللغة تحمل نغمة وجسدا ورغبة.
إنه إعلان عن عودة الذات إلى النص بعد أن كانت مغيّبة في المرحلة البنيوية.

يُعدّ هذا الكتاب من أكثر أعمال بارث إنسانية وشاعرية، وقد تُرجم إلى العربية بعنوان «شذرات من خطاب في العشق» (ترجمة رولان بارت، دار النهار، بيروت، 1981).

فيه يجمع بارث بين الفكر الأدبي والتحليل النفسي واللغة الشعرية، ليقدّم ما يشبه قاموسا للعشق من خلال 80 مقطعا أو “شذرة”.

كل شذرة تمثل موقفا عاطفيا يعيشه العاشق في وحدته، من الانتظار إلى الغيرة إلى الفقد.
يقول في أحد مقاطعه الشهيرة:

«العاشق؛ هو من يفتقر إلى خطاب يعبّر عن ذاته، ولذلك يستعير لغة الآخرين ليقول ما لا يمكن قوله».

في هذا النص، تتحول اللغة إلى فضاء عاطفي وجودي، وتتحول السيميولوجيا إلى تحليل للذات، لا للأنظمة الثقافية فحسب. وبهذا الكتاب، تجاوز بارث حدود التحليل البنيوي نحو كتابة حميمة تجمع الفكر بالشعور.

يُعتبر هذا العمل آخر ما نشره رولان بارث في حياته، وقد تُرجم إلى العربية بعنوان «الغرفة المضيئة: تأملات في التصوير الفوتوغرافي» (ترجمة د. فؤاد شاهين، دار المدى، 1995). في هذا الكتاب، يلتقي الفكر الجمالي بالفلسفة الوجدانية.

يتناول بارث تجربة النظر إلى الصور الفوتوغرافية، وخاصة صورة والدته بعد وفاتها، ليكشف أن التصوير ليس حفظا للحياة، بل استحضارا للموت.

يقدّم مفهومي الـ Studium والـ Punctum:

بهذا التمييز، أحدث بارث ثورة في نظرية الصورة، إذ نقلها من التحليل التقني إلى التأمل الوجودي.
تبدو الغرفة المضيئة وكأنها وداعٌ فلسفي للحياة والكتابة، حيث تمتزج السيميولوجيا بالعاطفة والذاكرة.

إذا كانت مرحلة بارث الأولى مكرّسة لتحليل البنى الثقافية واللغوية، فإن المرحلة الأخيرة تميّزت بما يمكن تسميته التحوّل من السيميولوجيا إلى الذات السيميائية.

في حبيبات الصوت والغرفة المضيئة وشذرات من خطاب في العشق، لم يعد النص موضوعا خارج الذات، بل أصبح تجربة ذاتية في إنتاج المعنى.
يقول بارث في إحدى مقابلاته:

«الكتابة ليست أداة للتعبير، بل هي الشكل الذي تتكوّن فيه الذات».

من هنا يتضح أن مشروع بارث انتقل من تفكيك الخطاب الاجتماعي إلى تفكيك الذات العارفة نفسها.
لقد تحوّل التحليل السيميائي إلى تجربة وجودية، تبحث عن المعنى في اللغة كما في الصورة، في الصوت كما في الصمت.

في سنواته الأخيرة، انشغل بارث بدراسة الفنون البصرية والموسيقية والمسرحية، فكتب نصوصا مثل:

من خلال هذه الأعمال، تحولت السيميولوجيا من علم للعلامات إلى فلسفة للوجود الإنساني داخل العلامة.

تكشف لنا أعمال رولان بارث عن مفكر تجاوز حدود التحليل الأكاديمي نحو كتابة فكرية ذات نَفَسٍ أدبي وروحي. فبعد أن فكّك الأسطورة واللغة، عاد ليكتشف الإنسان في العلامة، والذاكرة في الصورة، والرغبة في الكلمة. لقد أصبحت السيميولوجيا عنده فنّا للعيش والتأمل، بقدر ما هي علم للأنساق والدلالات.

رولان بارث: أثره في الفكر النقدي المعاصر والقراءة العربية لفلسفة العلامة

بعد رحيل رولان بارث سنة 1980، لم يتوقف تأثيره عند حدود النقد الأدبي الفرنسي، بل امتد إلى مختلف الحقول الإنسانية: الفلسفة، والأنثروبولوجيا، ودراسات الإعلام، وتحليل الخطاب، ونظرية الصورة، وحتى الفكر الديني والثقافي.

لقد غيّر بارث بصورة عميقة الطريقة التي يفكر بها الباحثون في اللغة والمعنى، وفتح أمام النقد المعاصر أبوابا جديدة نحو ما سماه “المتعة في التفكير بالعلامة”.

منذ صدور أعماله الأولى في خمسينيات القرن العشرين، ارتبط اسم رولان بارث بالتحول الذي قادته البنيوية الفرنسية إلى قلب العلوم الإنسانية.

لكنه، بخلاف بعض معاصريه مثل كلود ليفي-شتراوس وميشال فوكو، لم يقف عند حدود البنية، بل قاد الثورة الثانية: ما بعد البنيوية.

في كتابه «موت المؤلف» (La mort de l’auteur, 1968)، وهو من أهم نصوص القرن العشرين، أعلن بارث قطيعة جذرية مع سلطة الكاتب على النص، معتبرا أن المعنى لا يُولد من نية المؤلف، بل من فعل القراءة ذاته.

«إن ولادة القارئ لا يمكن أن تتحقق إلا بثمن موت المؤلف».

بهذا الإعلان، مهّد الطريق أمام فلاسفة ما بعد البنيوية مثل جاك دريدا وجوليا كريستيفا وجيل دولوز، الذين طوّروا رؤيته للكتابة بوصفها حدثا دلاليا مفتوحا لا نهائيا.

وقد تجلت آثار بارث في مجالات متعددة:

لقد أصبح بارث بذلك حجر الأساس في الفكر النقدي المعاصر، ومثالا للمفكر الذي جمع بين الصرامة البنيوية ونعومة الحس الجمالي.

دخل فكر رولان بارث إلى الساحة العربية منذ السبعينيات، مع بدايات حركة الترجمة البنيوية والسيميولوجية التي قادها مفكرون عرب مثل صلاح فضل وعبد السلام بنعبد العالي وكمال أبو ديب وعبد الملك مرتاض. وقد شكّلت أعمال بارث أحد أهم المراجع النظرية التي أعادت تشكيل المناهج النقدية العربية الحديثة.

العنوان الأصلي العنوان العربي المترجم دار النشر
Le plaisir du texte لذة النص محمد البكري دار الحوار، دمشق
Fragments d’un discours amoureux شذرات من خطاب في العشق رولان بارت (ترجمة ذاتية بإشراف دار النهار) بيروت، 1981
La chambre claire الغرفة المضيئة: تأملات في التصوير الفوتوغرافي فؤاد شاهين دار المدى، دمشق، 1995
Système de la mode نظام الأزياء المنظمة العربية للترجمة بيروت، 2008
Le grain de la voix حبيبات الصوت محمد برادة دار توبقال، الدار البيضاء، 1986
Éléments de sémiologie عناصر في علم الدلالة فريد الزاهي المركز الثقافي العربي، 1999
S/Z إس/زِد عبد السلام بنعبد العالي دار توبقال، الدار البيضاء، 1990

لقد ساهمت هذه الترجمات في نقل الفكر السيميولوجي إلى اللغة العربية، ليس كمصطلحات فحسب، بل كمنهج جديد في القراءة والتحليل، يقوم على تفكيك الخطاب بدل تفسيره. وتحوّل بارث إلى أحد أكثر المفكرين حضورا في الجامعات العربية، خصوصا في أقسام اللغة والأدب والإعلام.

يمكن تمييز ثلاثة اتجاهات رئيسية في تلقي الفكر البارثي عربيا:

أ. الاتجاه البنيوي الصرف:

يمثّله نقاد مثل كمال أبو ديب وصلاح فضل، الذين اعتمدوا على مناهجه البنيوية في تحليل النصوص، خصوصا في دراسات الشعر واللغة.
أبرز ما اقتبسوه من بارث هو مفهوم البنية السردية والدلالة النصية، كما في كتاب S/Z.

ب. الاتجاه السيميائي الثقافي:

تبناه نقاد مثل عبد الملك مرتاض وعبد الفتاح كيليطو، الذين قرأوا الأدب العربي في ضوء العلامة والثقافة.
استلهموا من “الأسطوريات” منهج قراءة النص الأدبي كمنتج ثقافي يعكس الأيديولوجيا والهوية.

ج. الاتجاه التفكيكي والذاتي:

ظهر مع جيل التسعينيات من النقاد والباحثين، الذين وجدوا في بارث نموذجا للقراءة الذاتية، خصوصا في “شذرات من خطاب في العشق” و”الغرفة المضيئة”.
هؤلاء النقاد تعاملوا مع النصوص بوصفها حقولا للذات والذاكرة، لا مجرد موضوعات للتحليل.

من خلال هذه الاتجاهات، أصبح بارث حاضرا في الفكر العربي كـ جسر بين التحليل العلمي والتجربة الجمالية، وبين العقلانية الأوروبية والذائقة العربية التأويلية.

4. إرث بارث في الفلسفة المعاصرة:

لم يكن تأثير رولان بارث مقتصرا على النقد الأدبي فقط. ففي الفلسفة، ألهمت أفكاره حول الكتابة، والهوية، والمتلقي مفكرين كبارا مثل:

أما في الفكر المعاصر، فقد ساهم بارث في نشوء ما يسمى بالسيميائيات الثقافية (Cultural Semiotics)، وهو حقل متعدد التخصصات يجمع بين اللغة والأنثروبولوجيا والفن والإعلام. وتُدرّس نصوصه اليوم في معظم جامعات العالم، ويُعدّ كتابه Camera Lucida من المراجع الأساسية في نظريات الصورة البصرية.

لم يكن بارث مجرد ناقد لغوي، بل كاتبا ميتافيزيقيا للغة. فلقد حول اللغة إلى مرآة للوجود، وحوّل القراءة إلى تجربة حسيّة وفكرية في آن واحد.

رحل في مارس 1980 بعد حادث سير مفاجئ، لكن إرثه الفكري ما زال ينمو في كل حقل يتعامل مع المعنى والعلامة والتأويل.

كتب عنه المفكر الفرنسي فيليب سوليرز قائلا:

«لم يكن رولان بارث فيلسوفا بالمعنى التقليدي، بل كان كاتبا يكتب الفكر كما تُكتب القصيدة».

يقدّم فكر رولان بارث رؤية متكاملة لعلاقة الإنسان باللغة والعلامة والصورة. من الدرجة الصفر للكتابة إلى الغرفة المضيئة، تتشكل مسيرته الفكرية كرحلة من العقل البنيوي إلى الوعي الجمالي، ومن النقد الموضوعي إلى التأمل الذاتي.

لقد أسّس لعلمٍ جديد هو السيميولوجيا الحديثة، وترك أثرا دائما في النقد العربي والعالمي، بوصفه المفكر الذي جعل من اللغة مكانا لولادة العالم من جديد.

سيظلّ بارث نموذجا للمثقف الذي جمع بين صرامة العلم وشاعرية اللغة، وبين التحليل والإنصات، بين الفكرة واللمسة.

Exit mobile version