وليام راندولف هيرست: إمبراطور الصحافة وصاحب مكتبة الـ7000 كتاب
William Randolph Hearst
يُعَدّ وليام راندولف هيرست (William Randolph Hearst، 1863 – 1951) واحدا من أبرز أقطاب الصحافة والإعلام في القرن العشرين، إذ أسّس إمبراطورية إعلامية شملت عشرات الصحف والمجلات والإذاعات وشركات الأفلام.
غير أنّ جانبا آخر من حياته ظلّ أقل شهرة، وهو شغفه الكبير بالكتب وجمعها، حتى أصبح يمتلك مكتبة شخصية ضخمة تتجاوز 7000 كتاب. هذا الشغف لم يكن مجرد تكديس للمجلدات، بل عكس اهتماما معرفيا وجماليا في الوقت نفسه، حيث كان هيرست يعتبر الكتاب امتدادا لسلطته الرمزية والثقافية.
- مكتبتا “كين دريم هاوس”: إرث معماري وثقافي:
في قصره الشهير المعروف باسم “كين دريم هاوس” (Hearst Castle) في كاليفورنيا، خصّص هيرست فضاءين رئيسيين لمكتبته:
- المكتبة الرئيسية: ضمّت ما يقارب 4000 مجلد تنوّعت بين الأدب الكلاسيكي، التاريخ، الفلسفة، والعلوم الاجتماعية. كانت هذه المكتبة بمثابة القلب النابض للقصر، حيث عُرضت الكتب بشكل منظم على رفوف خشبية ضخمة تعكس فخامة الطراز الأوروبي.
- المكتبة القوطية: احتوت على نحو 3000 كتاب إضافي، وجاءت بتصميم معماري مستوحى من الطراز القوطي الأوروبي، بما في ذلك الأسقف المقببة والزخارف الدقيقة. هذه المكتبة لم تكن مجرد مكان للقراءة، بل فضاء جماليا يرمز إلى ارتباط هيرست بالثقافة الرفيعة والرمزية التاريخية.
لكن، وبالرغم من هاتين المكتبتين، فإنّ مجموع كتبه تجاوز الطاقة الاستيعابية للقصر، ما دفعه إلى توزيع الكتب في أرجاء القصر، حتى أصبحت تملأ الأروقة والغرف المختلفة.
- محتويات المكتبة: بين المعرفة والسلطة الرمزية
لم تُعرف تفاصيل دقيقة عن كل مجالات اهتمام هيرست القرائية، غير أن الوثائق التاريخية والمصادر التي درست مقتنياته تشير إلى أنّ مكتبته ضمّت:
- كتبا في الأدب الإنجليزي والأوروبي الكلاسيكي، من شكسبير إلى تشوسر.
- مؤلفات في التاريخ السياسي والعسكري، وهو أمر ينسجم مع اهتمامه ببناء نفوذ سياسي من خلال الصحافة.
- نصوصا في الفن والعمارة، تعكس ذائقته في اقتناء اللوحات والأعمال الفنية الأوروبية النادرة.
- مؤلفات حول الفكر الاجتماعي والاقتصاد، ربما لتغذية مقالاته وخطابه الإعلامي في صحفه.
بهذا المعنى، لم تكن المكتبة مجرد مجموعة للزينة، بل وسيلة لتغذية مشروعه الإعلامي والفكري، حيث ربط بين المعرفة المكتوبة والقوة الرمزية التي مارسها في الفضاء العمومي.
- البعد الرمزي لجمع الكتب عند هيرست:
إذا كان مايكل جاكسون أو إرنست همنغواي قد عُرفا بعلاقتهما الشخصية بالكتب، فإنّ حالة هيرست تحمل أبعادا إضافية. فمكتبته:
- رمز للسلطة الثقافية: امتلاك آلاف الكتب داخل قصر أسطوري يعكس محاولة تأكيد موقعه كراعٍ للثقافة والفن، وليس مجرد “إمبراطور صحافة شعبية”.
- أداة للهيبة الاجتماعية: القصر والمكتبة كانا جزءا من صورة عامة أراد هيرست ترسيخها لدى زواره من النخب السياسية والفنية.
- جسر بين الإعلام والمعرفة: في زمن كانت فيه الصحافة سلاحا سياسيا واقتصاديا، شكّلت المكتبة رافدا معرفيا يعزز من حججه وخطابه.
خلاصة:
إنّ مكتبة وليام راندولف هيرست التي تجاوزت 7000 كتاب لم تكن مجرد هواية شخصية، بل عنصرا جوهريا في بناء صورته كإمبراطور إعلامي وصاحب نفوذ ثقافي. فقد جمعت بين الوظيفة العملية (التغذية المعرفية لمشاريعه الصحفية) والرمزية (التعبير عن مكانته الاجتماعية والفكرية).
ومع مرور الزمن، أصبحت هذه المكتبة جزءا من إرث “قصر هيرست” الذي تحوّل اليوم إلى معلم تاريخي ومتحف يعكس تداخل المال، الإعلام، والمعرفة في شخصية أحد أكثر الرجال تأثيرا في القرن العشرين.