ورد للمفكر الإيطالي المعروف امبيرطو ايكو (Umberto Eco) مقال يوم 14مارس 2015 في موقع الكتروني (باللغة الإسبانية) حول الشاعر دانتي وتأثره بالفكر الإسلامي وخاصة قصة الإسراء والمعراج تحت عنوان: دانتي والإسلام السياسي ( وقد فضلنا هذه الترجمة على كلمة الإسلاموية نظرا لموافقة الأولى للمقام) (. Dante y el islamismo).
والكاتب يميل أكثر إلى تأكيد علاقة التأثير التي مارسها الأدب العربي على شاعر إيطاليا الأول دانتي الييغري Dante Alighieri 1321))، كما يبدو أيضا أن عملاق السيميائيات التواصلية( ايكو) قد سار على نهجه المنفتح على الآخر، بعيدا عن نظرية المركزية الأوروبية التي تزعمها بعض المفكرين الغربيين للتنقيص من جهود العرب والمسلمين في بناء حضارة الإنسان بصفة عامة. وإسهاما مني في تنوير القارئ العربي أقدم ترجمة للمقال كما يلي :
” في سنة 1919 نشر ميغيل أسين بلاسيوس(المستشرق الإسباني المعروف) كتابا حول الكوميديا الإلهية لدانتي خلف رد فعل كبير. في ذلك الحين كان الجميع يستعد للذكرى المئوية السادسة لوفاة هذا الشاعر الايطالي الكبير.
في كتابه الموسوم بـ: “فكرة الحشر الإسلامية في كتاب الكوميديا الإلهية”، خصص أسين بلاسيوس مئات الصفحات لتوثيق أوجه التشابه العجيبة بين الصعود الرمزي لدانتي من الجحيم إلى الجنة، والمسالك التي وصفت في نصوص متنوعة في الثقافة الإسلامية وخاصة تلك المتعلقة بالسفر الليلي للنبي محمد(صلى الله عليه وسلم) ومروره بالجحيم (وليس من) وصعوده إلى الجنة.
لقد كان لكلمات العلامة الاسباني وقع قوي وخاصة في ايطاليا. وكتاب أسين بلاسيوس قاد إلى نقاش محموم بين المتعاطفين مع بحثه من جهة، والمدافعين عن أصالة دانتي(من جهة ثانية). بالإضافة إلى ذلك، في ذاك الحين كان العالم الإسلامي محتقرا في الغرب وسط مناخ مطبوع بالطموح الاستعماري “المتحضر”. إذ، كيف يخطر ببال إنسان أن عبقريا ايطاليا مثل دانتي سيدين بشيء ما إلى تقاليد هؤلاء “ممزقي الملابس غير الأوروبيين”؟(هذه الأوصاف يضعها الكاتب بين قوسين، وللأمر دلالته).
في نهاية سنوات الثمانينات في مدينة بولونيا (بايطاليا)، نظمت رفقة تلاميذي لقاءات أسبوعية دارت حول مترجمي دانتي المهلوسين. وقد تم نشر كتاب عنوانه:”الفكرة المعوجة” La idea deformada ، تضمن كتابات متنوعة حول بعض هؤلاء المفكرين: غابرييل روسيتي، اوجين أروكس، لويدجي فاللي رونيه غينون، جيوفاني باسكولي. كل هؤلاء نعتوا بأنهم مترجمون مفرطون ومصابون بجنون حب الشاعر الرباني.
في تلك الأثناء حدث نوع من النقاش حول هل يتوجب علينا وضع أسين بلاسيوس في لائحة هؤلاء المنغلقين (أم لا). لكننا قررنا عدم فعل ذلك لأنه، في ذلك الحين، تم القيام بأبحاث كثيرة لاحقة بينت أن أسين بلاسيوس ربما كان متطرفا أحيانا في تأكيداته، لكنه بالتأكيد لم يكن من المهلوسين الذين يهذون.
لقد ثبت بشكل جلي أن دانتي قد تأثر بكثير من المصادر الإسلامية. ولهذا فموضوع النقاش ليس هو: هل لجأ دانتي إلى هذه النصوص مباشرة أم لا؟ وإنما كيف تمكن من الوصول إليها طيلة العصر الوسيط؟. فلقد كتب كثير من العلماء المسيحيين عن آرائهم حول العالم المقبل(الغيبي). وهذه الآراء مسجلة في كتاب: حياة القديس ماكاريو الروماني، وفي كتاب سفر براندان، و كتاب رؤية توندال، وأيضا في كتاب أسطورة البئر للقديس باتريسيو. ولكن ، بالطبع، كانت كل هذه المصادر غربية.
وقد قارن أسين بلاسيوس في كتابه بين هذه القصص وبين القصص الموجودة في التقليد الإسلامي مبينا أن هؤلاء المتنبئين الغربيين مثل دانتي قد تعلموا من هؤلاء المتنبئين من الساحل المتوسطي البعيد(أي المسلمين). في ذلك الحين لم يكن أسين بلاسيوس يعرف شيئا عن كتاب عروج محمد(صلى الله عليه وسلم) إلى السماء، و الذي تم اكتشافه مجددا في سنوات الأربعينات، وكان قد ترجم من اللغة العربية.
هل كان دانتي نفسه يعلم شيئا عن قصة سفر النبي(صلى الله عليه وسلم) إلى الحياة الأخرى؟ ربما سمع عن ذلك عبر برونيتو لاتيني أستاذه، أو كان قد قرأ النسخ العربية المترجمة إلى اللاتينية حول التاريخ وعلم الأديان الخاص بالإسلام والذي كان متضمنا في مجموعة (مكتبة) طليطلة التي كان يرأسها بيدرو الجليل رئيس الدير الفرنسي دي كلوني، وذلك قبل ميلاد دانتي.
وبالطبع فإن الاعتراف بهذه التأثيرات لا ينقص شيئا من عظمة دانتي، فكثير من الكتاب الكبار أخذوا من التقاليد الأدبية السابقة، ومن هناك أنتجوا أعمالا أصيلة بكل المقاييس. وإذاً، لماذا أثيرُ هذه الاكتشافات والمناقشات؟ لأن كتاب أسين بلاسيوس الآن قد تم إعادة نشره من طرف دار النشر الايطالية لوني.
والنسخة الجديدة فيها عنوان أكثر جاذبية: دانتي والإسلام. ويضم التقديم الممتاز الذي كتبه كارلو أوسولا لترجمة 1994. أمازال هناك معنى لقراءة كتاب أسين بلاسيوس بعد أن أيد البحث الكثير المتتابع تأكيداته؟ نعم.
لأنه كتب بطريقة رائعة، وهو يقدم كمية هائلة من المقارنات بين دانتي وسابقيه العرب، وقراءته مهمة أكثر أيضا، في يومنا هذا، في الوقت الذي- وقد اختلطت على الناس الأمور بسبب غباء وبربرية المتشددين الإسلاميين- يميل فيه الناس إلى نسيان العلاقات التي وجدت دوما بين الثقافتين: الغربية والإسلامية”.