
تُعد مجلة العربي الكويتية واحدة من أبرز المنابر الثقافية في العالم العربي، ومُنطلقا فكريا متميزا حافظ على رسالته المعرفية لأكثر من ستة عقود. تأسست المجلة عام 1958، كنتاج رؤية طموحة لحكومة الكويت لخلق منصة ثقافية تُعبّر عن روح النهضة العربية الحديثة، وترسّخ مفهوم الهوية العربية الجامعة.
ومنذ انطلاقتها، رفعت شعار “هدية الكويت لكل العرب“، لتغدو جسرا حيويا للتواصل الثقافي بين مشرق الوطن العربي ومغربه.
- النشأة والرؤية التحريرية:
انبثقت فكرة المجلة من مجموعة من المثقفين الكويتيين العائدين من الجامعات العربية، الذين حملوا همّ مشروع نهضوي يرتكز على الكلمة المكتوبة والمعرفة المؤصلة. حظيت المبادرة بدعم مباشر من أمير الكويت آنذاك، الشيخ عبدالله السالم الصباح، الذي سارع بتشكيل لجنة تولت التخطيط لإصدار المجلة، برئاسة أحمد السقاف.
وقع الاختيار على المفكر المصري الدكتور أحمد زكي ليكون أول رئيس تحرير للمجلة، لما كان يتمتع به من خلفية علمية وأدبية واسعة، وقدرته على جذب كبار المثقفين والمفكرين من مختلف الدول العربية.
فكانت المجلة منذ عددها الأول فضاء جامعا لأسماء رائدة مثل طه حسين، نزار قباني، عباس محمود العقاد، محمد أبو زهرة، زكي نجيب محمود، فؤاد زكريا، وزكريا إبراهيم، وغيرهم من رموز الأدب والفكر العربي.
الأدوار التي لعبتها المجلة:
- التنوير الثقافي: ساهمت المجلة في ترسيخ الفكر النقدي، ونشرت مقالات علمية وأدبية وفلسفية بلغة تجمع بين الرصانة والبساطة، لتكون مفهومة لشرائح متعددة من القرّاء.
- بناء الهوية القومية: كانت “العربي” صوتا للوحدة العربية، واستعرضت التنوع الثقافي للعالم العربي من المحيط إلى الخليج، دون تحيز سياسي أو مذهبي.
- دعم الشباب والطفولة: أطلقت إصدارات موازية مثل “العربي الصغير“ و “العربي الشبابي”، واهتمت بقضايا التربية والتكوين.
- المواكبة التقنية: دخلت المجلة العصر الرقمي من خلال إصدارها الإلكتروني، وتطبيقاتها الذكية، وصفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، مسايرة التحول الرقمي في الإعلام الثقافي.
المحطات التحريرية الكبرى:
- أحمد زكي (1958 – منتصف السبعينات): مرحلة التأسيس وبناء الهوية.
- أحمد بهاء الدين (1976 – 1982): توسعت المجلة نحو القضايا السياسية والفكرية.
- محمد الرميحي (1986 – 1999): شهدت المجلة ذروتها حيث بلغ توزيعها 320 ألف نسخة.
- سليمان العسكري (1999 – 2013): تعزيز البعد المؤسسي، وتدعيم التعاون الأكاديمي.
- عادل العبد الجادر (2013 – …): رقمنة المجلة وتوسيع انتشارها عربيا وعالميا.
الأزمة والتحديات المعاصرة:
رغم استمرار المجلة ورسوخ مكانتها، فإنها واجهت صعوبات مرتبطة بالأزمات السياسية في بعض الدول العربية، مما حد من قدرتها على التوزيع في دول مثل سوريا، اليمن، العراق، وليبيا. كما تأثرت بتراجع الإقبال على المطبوع الورقي، وهو ما دفعها نحو المزيد من التحديث الرقمي والمحتوى التفاعلي.
مجلات متفرعة من “العربي”:
- العربي العلمي: مخصص للمعرفة العلمية.
- العربي الصغير: موجه للأطفال، بأسلوب تربوي وتعليمي.
- العربي الشبابي: يركّز على اهتمامات وتطلعات الشباب العربي.
خلاصة:
تمثل مجلة “العربي” الكويتية ذاكرة ثقافية جماعية للأمة العربية، حافظت على نزاهتها الفكرية واستقلاليتها التحريرية، وراكمت إرثا معرفيا لا يضاهى. إن الاستمرار في دعم هذه المجلة هو دعم للثقافة العربية في أنقى صورها. وهي اليوم تقف عند مفترق طرق، تسعى فيه إلى الموازنة بين المحافظة على إرثها الورقي والانخراط في الثورة الرقمية الجديدة، لتبقى، كما بدأت، هدية الكويت لكل العرب.
تصفح أعداد مجلة العربي منذ العدد الأول
الموقع الرسمي للمجلة