عثمان أمين – Uthmān Amīn
عثمان أمين (1905 – 1987) هو أحد رواد المدرسة الفلسفية الحديثة التي أنشأها الشيخ مصطفي عبد الرازق، وهو معروف بالاتجاه نحو الروحية، أو الذاتية من خلال فلسفته المسماة “الجوانية”.
- حياته
ولد عثمان أمين في إحدى قرى محافظة الجيزة بمصر تسمى “مزغونة” ، ونشأ في أسرة ريفية يعمل أكثر أفرادها في الزراعة، وكان أبوه “محمد أمين حسين” إلى جانب اشتغاله بالزراعة يعمل بالتجارة، ويحفظ القرآن الكريم، ويطالع بعض الكتب الدينية.
وسط هذا الجو نشأ عثمان أمين نشأة دينية محافظة، وحفظ قدرا من القرآن على يد والده، ثم التحق بمدرسة قبطية صغيرة، تعلم فيها مبادئ النحو والجغرافيا والحساب واللغة الإنجليزية، ثم انتقل إلى مدرسة العياط الابتدائية، وأتم بها المرحلة الابتدائية.
ثم غادرها إلى المدرسة السعيدية الثانوية بالقاهرة، وفيها تفتحت مواهبه. وبعد حصوله على شهادة الدراسة الثانوية التحق بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة الآن)، واختار قسم الفلسفة للدراسة،.
وفي أثناء دراسته قرأ أمهات الكتب الفلسفية باللغة الفرنسية وتوثقت علاقته بالشيخ مصطفى عبد الرازق، وبتوجيه منه قرأ مقالات المتكلمين الإسلاميين، ودرس شيئا من مؤلفات الفارابي وابن سينا والغزالي وابن رشد، كما بدأ في نشر سلسلة مقالات تحت عنوان “سوانح الشباب” في مجلة السياسة الأسبوعية التي كان يرأس تحريرها الدكتور محمد حسين هيكل.
بعد حصوله على الليسانس من جامعة القاهرة سنة (1930م) سافر إلى باريس في بعثة دراسية أرسلتها كلية الآداب لدراسة الدكتوراة بجامعة السربون، وقضى هناك نحو سبع سنوات، وتوج عثمان أمين جهده العلمي في هذه الفترة بحصوله على الدكتوراة برسالة نفيسة عن الإمام محمد عبده.
وبعد عودته شغل وظيفة مدرس بكلية الآداب، ثم ترقى في وظائف التدريس حتى أصبح أستاذا للفلسفة الحديثة ورئيسا لقسم الفلسفة.
ولم تستأثر جامعة القاهرة بدروسه ومحاضراته، بل انتدبته كثير من الجامعات للتدريس بها؛ تقديرا لعلمه وحرصا على الاستفادة منه، فعمل أستاذا زائرا في ليبيا والسودان، والجامعة الأمريكية بالقاهرة، والجامعة الباكستانية، وحاضر في جامعات: الأزهر، وعين شمس، والإسكندرية، ومعهد الدراساتالعربية التابع لجامعة الدول العربية، ومعهد الدراسات الإسلامية
وقد لقي عثمان أمين تقدير المؤسسات العلمية في داخل مصر وخارجها، فانتخب عضوا في مجمع اللغة العربية بمصر سنة (1974م)، وانتخب عضو شرف في الجمعية الديكارتية الفرنسية، وخُصص جناح في مكتبة المؤلفات والبحوث العلمية عن ديكارت لإنتاج عثمان أمين، تحت اسم مصر، ودعي إلى المشاركة في عدد كبير من المؤتمرات والندوات وحلقات البحث العلمي التي تم عقدها في كمبردج، وهارفارد، وفينسيا، ولاهور، وتكساس، وجاكرتا وغيرها.
وقد خصص له المستشرق الفرنسي المعروف جاك بيرك في كتابه “قطوف من الأدب العربي المعاصر” الذي نشره سنة (1955م) مكانا للتعريف بأعماله العلمية. ووصفه إبراهيم مدكور رئيس المجمع اللغوي المصري السابق بأنه من بناة الفكر الفلسفي المصري المعاصر، كوّن رعيلا مرموقا من الباحثين والدارسين، وزود المكتبة العربية بزاد وفير من الكتب والبحوث.
- فلسفة الجوانية
وقد استخلص عثمان أمين فلسفة خاصة ابتكرها وأطلق عليها “الجوانية”، اهتدى إليها بعد إطالة النظر في أمور النفس، ومتابعة التأمل في بطون الكتب. وهي فلسفة تحاول أن ترى الأشخاص والأشياء رؤية روحية، لتنظر إلى المخبر ولا تقف عند المظهر، وتلتمس الباطن دون أن تقنع بالظاهر، وتبحث عن الداخل بعد ملاحظة الخارج.
وهي تحاول أن تزاوج بين الذات والموضوع، وأن تجمع بين العقل والقلب، وأن تؤلف بين النظر والعلم، وتدعو في سير الفكر وسلوك الحياة إلى خلوص النية، واستواء السر والعلن، ومجانبة الرياء والتظاهر، وتعتد في تربية الشخصية وتهذيب النفس بالقدوة الحسنة والمثل الطيب، اعتقادا منها أن تأثير الأفعال أشد وقعا من تأثير الأقوال.
و”الجوانية” عنده فلسفة ثورة تحقق أمرين لا بد منهما في مرحلة تطورنا التاريخي: الأول العودة إلى ماضينا ومراجعته، والآخر الاتجاه نحو المستقبل والإعداد له.
ولا تتعارض الجوانية عنده مع العقل والعلم، بل تصاحبها إلى نهاية الشوط، ثم تجاوزهما إلى الذوق الصوفي، لتكشف ما لم يستطيعا الوصول إليه، وهي من الدين وإليه، بل إنه صرح بأن هذه الفلسفة نبتت عنده من تأمل روح الدين، والأخلاق عامة، ومن تأمل آيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد ضمن عثمان أمين هذه الفلسفة كتابا بعنوان “الجوانية” عالج فيه تطبيقاتها في ميادين مختلفة، في فلسفة اللغة، وفي الأخلاق الإسلامية وفي رسالة الأمة العربية.
- مؤلفاته
كان نشاطه العلمي غزيرا ومتنوعا، ومن أهم مؤلفاته:
– “رائد الفكر المصري محمد عبده”، تعرض فيه لسيرته وفلسفته ومذهبه في الإصلاح ودفاعه عن الدين، وبين أثره في النهضة الفكرية الحديثة.
– “ديكارت”
– “الفلسفة الرواقية”، وهي دراسة فريدة في العربية تتناول هذه الفلسفة وتبين أهميتها، وتتتبع أثرها في الفكر المسيحي، والفكر الإسلامي.
-“شخصيات ومذاهب إسلامية”.
– “محاولات فلسفية”.
-“شيلر”
-“رواد الوعي الإنساني في الشرق الإسلامي”.
كما ترجم عدة كتب من نفائس الفلسفة الغربية، منها:
-“دفاع عن العلم” لألبير ماييه،
-“تأملات في الفلسفة الأولى”.
-“مبادئ الفلسفة” وكلاهما لديكارت.
-“مستقبل الإنسانية لكارل باسبرز.
-“في الفلسفة والشعر” لمارتن هيدجر.
-إلى جانب ذلك أسهم في تحرير أربعة فصول من دائرة المعارف الإسلامية المطبوعة باللغة الأردية في لاهور سنة (1960م)، و في كتاب تاريخ الفكر في الإسلام، المنشور بالإنجليزية في هولندا سنة (1958) وكتاب الشرق الأوسط المعاصر المنشور بالإنجليزية في نيويورك سنة (1965م).