إصدارات

“خطوط” بزمن كورونا.. النشر ركيزة أساسية لأي مشروع حضاري

 

في الوقت الذي تنهار فيه دور نشر عالميّة وعربيّة، ويتوقف الكثير منها عن طباعة الكتب وترويجها، وكذلك معارض الكتب والأمسيات، بسبب وباء كورونا الذي يستمر من نهاية العام الفائت، فإن انطلاق دار نشر “خطوط”، بداية هذا العام، وطباعتها لأكثر من ستين كتابًا خلال خمسة أشهر، هو أمر مثير للاهتمام، مما دفعنا لمحاورة الدكتورة هناء علي البوّاب، مالكة الدار ومديرها العام، والكاتب والفنان التشكيلي محمد العامري، المشرف على الجانب الفني في الدار.

  • القارئ المحترف

بسؤالنا عن الذي تعوّل عليه دار خطوط، رأت مديرة الدار بأن مهنة النشر تعتبر هي الركيزة الأساسية لأي مشروع حضاري، وتوصَف بأنها ذاكرة الصناعات الثقافيّة والمدخل الحضاري لأي تقدم أو رقيّ. وتجد البوّاب بأنه رغم التطور في حركة النشر عربيا، وتنوع وسائله وأدواته، فإنه لا يزال يعاني من مشاكل عامة كبرى، اقتصادية ومهنية وسياسية، تتعدد وتختلف باختلاف البلدان العربية، والتي تتفاوت بحسب مستوى الثقافة فيها، وخاصة اليوم في ظل “المأساة الكورونية التي جعلت العالم صنمًا لا يتحرك، وجعلتنا نخاف حتى من كلماتنا، وطرق تعبيرنا. لذلك جاءت خطوط لتعوّل على القارئ المحترف، وتنشر للكاتب المختلف، فنحن شعارنا أن يكون الكتاب بصيغة مهنية وعصرية احترافية”.

  • مرويات الفيروس!

أما عن مغامرة انطلاق خطوط خلال الوضع الراهن، فقال العامري بأنهم اتخذوا قرارًا لمواجهة الحجر الصحي الذي جاء نتيجة كونية لطبيعة الجائحة، لأن “نمارس الفعل الثقافي بأدواتنا، وطرائقنا معولين على استمرارية الفعل في مواجهة الكوارث سواء كانت أوبئة أو حروبا، أو كوارث طبيعية”.
لذلك قامت “خطوط” بنشر سلسلة تقدم فيها نصوصًا نثرية تعبر عن حالات المبدع العربي في المعتزلات الصحية.

ووفق اعتقاده فإن دار خطوط هي الأولى التي بدأت بإصدار تلك السلسلة بعنوان (مرويات الفيروس)، وسيشارك في هذه السلسلة كتاب من العالم العربي منهم: أنيس الرافعي (المغرب)، الكاتب الكردي جان دوست (سورية/ ألمانيا)، وعبد الرزاق بوكبة (الجزائر)، ومحمد العامري وكامل النصيرات (الأردن)، وعادل الأسطة (فلسطين)، وبوعلام رمضاني (الجزائر / فرنسا). ورأى أن هذه السلسلة “ستشكل ذاكرة جديدة عن تداعيات الإبداع والوباء”.

وحول الاستراتيجية التي تنهض عليها دار خطوط وتريد الوصول إليها، أضاف العامري بأن ذلك تم على مراحل. فبعد أن قاموا بمسح أفقي لطبيعة المنشورات والمشاكل التي يعاني منها الكاتب ودور النشر معا، “قمنا بانتهاج استراتيجية هادئة ومختلفة مستفيدين من التجارب السابقة للكتاب والناشرين معًا، حيث آثرنا في دار خطوط على أن تنتصر للنص العالي بعيدًا عن الفكرة التجارية التي تورطت فيها كثير من دور النشر في العالم العربي”.

واستطرد العامري بأن لديهم عقودًا قاموا بصياغتها من خلال مشاورات مع كتاب محترفين، “من باب حفظ الحقوق للكاتب والدار معًا”.

فقد وجدوا، عبر التقصي والسؤال، بأن معظم الكتّاب لم ينالوا حقوقهم المادية كمردود لبيع كتبهم من دور النشر، و”كنا في عقودنا مع الكتاب أمينين جدًا بكوننا في الأصل كتابًا، وندرك حجم الوجع الذي يعاني منه الكاتب”.

  • ميزة جديدة

أما عن منشورات الدار فقال بأن الدار تنتهج نهجًا خاصًا يتمثّل في تنويع منشوراتها من تراث لشعوب كانت غائبة، منها على سبيل المثال كتاب “مَمُّ وزين” الذي يتحدث عن قصة حب صوفية كردية. ورواية أخرى من التراث الأفغاني، وكتب أخرى تنتصر للدراسات الأدبية والشعرية والسرد المحترف من معظم بلدان العالم العربي.

إضافة لذلك هناك أيضا كتب خاصة بالفنون البصرية والفلسفة، وهذا هو “جزء بسيط من استراتيجية الدار التي تطور نفسها يوميًا عبر سماع الملاحظات والبحث لكي نقدم شيئا حقيقيا للثقافة والإنسان”.

ويعتقد العامري أن دار خطوط تكاد تتميز بمسألة مهمة، وهي “تتمثل بالاتصال بالكاتب والطلب منه ليقدم كتابًا لتنشره”، على غير عادة دور النشر؛ حيث يقوم الكاتب بالاتصال بدور النشر لنشر كتبه.

بدورها أكدت الدكتورة هناء أن هناك كتابا وجودهم هو “الرافعة الثقيلة الأساسية لاسم دار خطوط، والتي تسعى دوما لأن تكون حبرًا يفيض في كل الحقول”.

واستطردت بأننا نسمع اليوم أن العلاقة جيدة في ظاهرها ما بين الكاتب ودار النشر. ولكن كثيرًا ما نسمع شكوى من الطرفين من أن الدار لا تهتم بالجودة أو الالتزام بالجدول الزمني بقدر اهتمامها بالربح على حساب الإبداع، وأنها تستنزف الأديب وتعطيه نسخا قليلة مقابل مئات الدولارات. و”هذا ما تحاول خطوط أن تستثنيه من حساباتها لتوفر للكاتب جوًا مريحًا وملائمًا لقلمه حتى يتمسك بهذه الدار”.

  • أصوات جديدة

وقالت الدكتورة هناء بأن طبعات الكتب ستكون في “شكل أنيق ومميز ومختلف لونًا وإخراجًا وتصميمًا للأغلفة، بالإضافة إلى أن عدد النسخ لن تقل عن ألف نسخة لكل طبعة”.
وأكدت أن دار خطوط التفتت إلى نشر سلسلة تهتم بالأصوات الجديدة بعنوان “سلسلة شروق”، وأن هذه تخصّ تلك الأصوات الإبداعية الشابة والموهوبة، والتي “تعاني من توهان وصدّ من دور نشر كثيرة، لذلك أنشأنا سلسلة شروق لتردم الهوة بين الأصوات الجديدة ودور النشر”.

وحول استفسارنا لكيفية بيع الكتب مع توقف المعارض ووجود الحظر والتباعد الاجتماعي، قالت الدكتورة هناء إنهم درسوا هذه المسألة بدقة متناهية؛ “فقمنا بإنشاء بعض المنصات الإلكترونية الخاصة بالتسويق”، وأعلنت الدار عن قدرتها “على إيصال الكتاب إلى بيت المقتني”، مؤكدة أن الدار باعت مجموعة من الكتب وتم إيصالها إلى القراء.

كما أبدت اهتمام الدار بالجانب الإعلاني الذي يتمثل في “صناعة فيديو تسويقي عن الكتاب المنشور، يشتمل على صورة الغلاف والكاتب وملخص عن أجواء الكتاب، وأهميته، وعن أماكن وجود منشوراتنا لدى بعض المكتبات المختصة في بيع الكتب، مثل كشك أبو علي الشهير في قاع المدينة، ومكتبة الحجاوي في العبدلي”.
وكذلك قامت خطوط بالاتفاق مع فريق “مكتبجيين” في محافظة إربد لتوزيع الكتب ونشرها، وذلك بوضع “منشوراتنا ضمن مؤسستهم لكونها مؤسسة محترفة في تسويق الكتاب”.

من جهة أخرى شعرت البواب بتفاعل حقيقي وجيد من خلال طلب عناوين محددة من الدار عبر الهاتف، لتقوم الدار بإيصالها للقارئ في بيته.

  • مؤسسة وليست فردًا

وباستفسارنا عن عملهم كمؤسسة، حيث صارت العديد من دون النشر تتمثل بشخص مديرها، الذي يشغل في نفس الوقت كل المهام القانونية والفنية والعامة، قال العامري بأن دار خطوط جاءت استكمالًا لمشروع “بيت الثقافة والفنون” الذي يشكل مكانًا أساسيًا في الثقافة الأردنية؛ حيث تقام فيه لقاءات يومية مع الكتاب والشعراء والنقاد. لذلك “آثرنا أن تكون الدار في نفس المكان، حيث يوجد لدينا مستشارون في قراءة الكتب، وكذلك مدققون لغويون، ومحررو الدار، وقمنا أيضًا، من باب الموضوعية، بتسجيل قائمة من المستشارين للدار موزعين في الدول العربية”.

“خطوط” اسم يدل على المخطوط الذي خطّه الكاتب ليصبح كتابًا شائعًا بين الناس”

واستطرد العامري بأنه يوجد أيضا مصمم للدار ومخازن لحفظ الكتب، بالإضافة إلى رفوف لعرضها، “فنحن مؤسسة متكاملة بدءًا من دار خطوط إلى مكتبة المطالعة، وإلى صالات للمحاضرات وتوقيع الكتب ومناقشتها ومقهى ثقافي في الساحة الخارجية”.

وعن الجانب الجمالي تحدث العامري بأنهم يولون الاهتمام الأكبر والأساسي لأناقة الكتاب وجماله، فقد استعنا بفنان وكذلك بمصمم، لكي يشكلا رؤية فنية لوجه الكتاب، و”آثرنا أن نأخذ مسارًا مختلفا في إخراج الكتب، لكي نحقق هوية بصرية للدار، واستطعنا أن نحققها بفترة وجيزة، حيث تلقينا مجموعة من الملاحظات الإيجابية جدًا، والتي عبّرت، بشكل صريح، عن تميّز أغلفة الدار وأناقتها”.

هذه الضروريات يراها العامري مدخلًا جيدًا للكتاب، وابتعادًا عن تقليد دور النشر الأخرى، “حيث يستمر النقاش البصري بين الفنان والمصمم لفترة لا بأس بها في سبيل إخراج الكتاب بصورة تليق بقدسية الكتابة والكتاب”.

أما عن التصميم الداخلي فقالت البواب إن “القدسية تنطبق أيضًا على الإخراج الداخلي للنصوص؛ من خلال إيلاء الفراغ وطبيعة الخطوط والعناوين اهتمامًا خاصا، حتى يشكل الكتاب بكليّته مادة جمالية خالصة، بالإضافة إلى قيمة النص المعرفية”.

  • كتب الأطفال والقصص المصورة

وبالسؤال عن إمكانيّة تنظيم حفلات توقيع للكتب أمام الجمهور، رأت الدكتورة هناء بأنهم في بيت الثقافة يقومون عادة بعمل برامج خاصة لإشهار الكتب الجديدة وتوقيعها من قبل الكاتب، ولكن في “زمن الوباء، استعضنا عن الحضور الجسدي للكاتب بالترويج الإلكتروني لكي يصل الكتاب الجديد ليد القارئ المهتم بذلك، ناظرين إلى انفراج قريب لكي ندعو جميع الكتاب لتوقيع كتبهم والالتقاء بقرائهم”.

وهل سيكون هناك مكان لكتب الأطفال والقصص المصورة؟ قال العامري بأنه “سؤال مهم جدا، ولدينا خطة واضحة المعالم، قُدّمت لنا من قبل كتاب مختصين بأدب الأطفال، وكذلك رسامين مختصين برسوم الأطفال، وقمنا بدراسة الاقتراحات وعلى الفور بدأنا بالترتيب، مع بعض الكتاب المشهورين في هذا الجانب، لكون الطفل هو القارئ المستقبليّ الكبير، والذي سيشكل الوعي الثقافي للمبدعين اللاحقين والسابقين، فنحن نمتلك مثلما أسلفنا رؤية ثقافية بالدرجة الأولى، هي تنويرية، لإشاعة مفهوم القراءة ونشر النص المعرفي بين المدارس والمؤسسات الخاصة والرسمية”.

وفي الختام سألنا الدكترة هناء، ماذا تعني لكم كلمة “خطوط” كوصف حتى جعلتموه اسم دار النشر؟ فقالت بأنه منذ أن خُلق الإنسان (الكائن الكهفي) بدأ بخدش جسد الصخرة ليكتب عليها تمنياته وأحلامه، “فاستقينا الاسم من العلاقة البعيدة بين لسان القلم، وجسد الورقة ففي البدء كان الخط، وكان الحلم، وكانت “خطوط”. فهي اسم يدل على المخطوط الذي خطّه الكاتب ليصبح كتابًا شائعًا بين الناس”.

 

عارف حمزة

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى