البحث العلميموسوعات

موسوعة “ويكيبيديا” في الميزان الأكاديمي

ويكيبيديا؛ موسوعة حرة أنشأها الباحثان الأمريكيان “جيمي ويلز” و “لاري سانجر” دعمًا لموسوعة نيوبيديا[i]؛ وهي النواة الأول التي انبثقتْ منها ويكيبيديا؛ التي تم إطلاقُها رسميا في الـ15 من يناير 2001م. 


نالتْ موسوعة الـ “ويكيبيديا” شُهرةً عالميةً مُنقطعة النظير، إذ تُعتبر اليوم مِن بين 500 موقعٍ الأكبر في العالَم، نظرا لتبنِّيها لأزيد من 290 لغة، واحتوائِها على ملايين المقالات والبحوث، وقد ناهز عددُ مستخدِمِيها إلى حدودِ سنة 2016م نحوَ 30 مليونَ مُستخدم.


يُشرِف على الـ “ويكيبيديا” مديرٌ واحد، وتُوكَلُ عملياتُ الصيانة والتحديث والتطوير إلى جيشٍ مِن المستخدَمين المتطوعين؛ الذين يُشرفون على تسيير ومراقبة أَمْن موقع الموسوعة، وحذف الصفحات المشبوهة وبعض المواد التحريضية التي يتم الإبلاغ عنها، وغيرِها من المهام، كما تُتيح الـ “ويكيبيديا” لزوارِ موقِعها؛ إمكانية إضافة وتعديل المعلومات التي يرونَها غيرَ صائبة، أو إضافة معلوماتٍ جديدة، وتعزيز المقالات المنشورة وتجديدِ مُـحتواها.


  • مصادرُ التّمويل

الــ “ويكيبيديا” مشروعٌ غير حكومي وغير رِبـْحي؛ وتعتمد الموسوعة في تمويلِها على التبرعات الخارجية عن طريق عَقْدِ شراكاتٍ مع المؤسسات ذات الاهتمام المشترك، كما تَحصُلُ على مساعداتٍ وتبرعاتٍ فردية مِن زوار ومستخدمي الموسوعة؛ من خلال رابط التبرّع الموجود في موقع الموسوعة.


  • طُموحات مشروعِ الـ “ويكيبيديا”

أُنشِئَتْ الـ “ويكيبيديا” لتوفير موسوعةٍ حرة عِلمية عالمية شاملة؛ ذات محتوىً عِلمي جيّد وبِلُغات العالَم المشهورة، وإتاحتِها لِكل الناس باختلاف أعمارِهم وتخصصاتِهم ومستواهُم العلمي والمعرفي والثقافي.


  • العيوب الأكاديمية في موسوعة الـ “ويكيبيديا”

لا يُجادلُ أحدٌ في كَوْن موسوعة الــ “ويكيبيديا” الأشهر في العالَم، والأكثر استخداما؛ حتى ارتبطَ اسمُها بالبحث، فكلُّ مَن أراد أن يبحث في الشبكة العنكبوتية (الشابكة[ii])؛ يكتُب سؤالَه مرفوقاً بكلمة “ويكيبيديا“. إلا أن لـِ “ويكيبيديا” عُيوبا كثيرةً جدا أبرزُها؛ اعتمادُها على الكَّم على حِساب الكَيْف.


لقد بُنيَ مشروعُ موسوعة “ويكيبيديا” ابتداءً على استقطاب المقالات والبحوث في كل التخصصات وبكل اللغات (المعتمدة في الموسوعة)، عن طريق تبسيط إجراءات النشر، وجعلِه في متناول الجميع بِغَض النَّظر عما يُنْشَر ومَنْ يَنْشُر.


فأصبَحتْ موسوعة الـ “ويكيبيديا” في وقتٍ وجيزٍ جدا، الموسوعة الأكبر في العالَم من حيث المحتوى، ولكنها كذلك الأدنى من حيث الجودة، فالـ “ويكيبيديا” أشبُه بحانوتِ عِطارة حيث تجد الشيءَ وضدَّه؛ الجيِّد مع الرديئ؛ الصالح مع الفاسد، السُّم مع الدواء…،


هذا ما جعل الموسوعة غيرَ مُعتمَدةٍ في البحوث الجامعية والأوراق العلمية الأكاديمية، ويمكن اعتبارُها فضاءً لتبادل المعلومات البسيطة؛ وساحةً لإبداء الرأي على نمط المنتديات وصفحات التواصل، إذ كثيراً ما يتم نشرُ الخرافات والخطابات التحريضية والعنصرية، والكلام العادي الذي ليس بأدبٍ ولا عِلم ولا فن. إلى أن يأتي مَن يحذِفُ هذه المنشورات أو يُعدّلُها.


مِن مساوِئ هذه الموسوعة أيضا؛ أذاها البالغ الذي يلحق اللغات العالمية، خاصة اللغة العربية، فكثيرٌ مما يُنشر باللغة العربية يُشوِّه هذه اللغة الجميلة، فبعض المحتويات العربية تُكتب باللهجة المصرية أو الحجازية أو مزيج بين العربية وهذه اللهجات، كما أن بعض المقالات العربية التي تُنشَر دون مراجعة أو تدقيق لغوي؛ تحملُ من الكوارث والطامات اللغوية والنحوية والإملائية ما يَضرب اللغة العربية في الصميم.


كما أن عدد اللغات التي اعتمدتها الويكيبيديا؛ تجعل من المستحيل إجراءُ عمليات المراقبة وغربلة المحتوى قبل نشرِه؛ وإنْ كان هذا الأمر لا يندرج أصلا ضمن مشروع الـ “ويكيبيديا“. أما الضعف الأكبر؛ فيتمثل في عدم إدراج الهوية العلمية للناشرين في الموسوعة، وبالتالي عدم معرفة مصدر المعلومات التي أنتَ بصددِها.


مِن سلبيات هذه الموسوعة كذلك؛ أنها شجعتْ السوادَ الأعظم من التلاميذ والطلبة على الكَسَل، ووفرتْ عليهم مجهود البحث والتحري. فقنِعُوا بما تجود به عليهم هذه الموسوعة مِن معلومات، بِغضّ النظر عن صحتِها وسلامَة مَصدرِها.


كما أن البعض ينخدع بالترتيب الذي يُعطيه محرك البحث “غوغل” أو أيَّ محركِ بحثٍ آخر عند إجراءِ بحثٍ على الشابكة، فتظهر صفحات الويكيبيديا في الخيارات الأولى للأجوبة المتوفرة؛ فيَعتقد الباحث أنها الأوثق والأصح وهذا غيرُ صحيح.


فهذا الترتيب يكون بحسب نسبة التصفُّح لا بمعيار الجودة، ولأن الـ “ويكيبيديا” الأعلى والأكثر تصفحا في العالَم؛ فإنها الأولى دائما على محرك البحث غوغل.


كل هذه الأمور وغيرُها كثير جدا؛ جعلتْ الموسوعة جهة غيرَ ذات مصداقية؛ وغيرَ موثوقةٍ في الاستشهادات العلمية؛ وغيرَ مُعتدٍّ بها عِلميا؛ وغيرَ مُعتمَدَة لدى الجهات الأكاديمية.


  • البديـل

هناك عددٌ لا بأسَ به من الموسوعات العِلمية الرصينة؛ والتي تخضع للضوابط العلمية والمنهجية الأكاديمية. حيثُ تعمل هذه الموسوعات على استقطاب البحوث والمقالات؛ وإحالتِها على لِجانِ تحكيمٍ متخصصة للبث فيها ومراجعتها قبل الموافقة على نشرِها وجعْلِها في متناول الجمهور الباحث.


إلاَّ أن هذه الموسوعات غير مشهورة بالقدر الكافي؛ خصوصا في العالم العربي لعدةِ أسباب أهمُّها؛ هيمنت الـ “ويكيبيديا” على الجمهور العربي، وكذا عَدَمُ إتقانِ غالبيَّةِ الباحثين العرب لِلُّغتيْن الفرنسية والإنجليزية؛ وفراغ الساحة العربية من مثيلات هذه الموسوعات.


وكذا عدمُ وُجُود نُسخ أو إصدارات عربية لهذه الموسوعات الغربية، كما أن بَعضَها ليس متاحا بالمجان، خاصة إذا علِمنا أن المجتمع العربي معتادٌ على المجانية في الحصول على المعرفة، وليست عندَهُ ثقافة الدفع للحصول على اشتراك في موسوعةٍ أو مجلةٍ علمية.


اخترنا لكم: “موسوعة العلماء

وهي موسوعة عالمية عِلمية محكّمة، تستوفي كل الشروط العلمية والأكاديمية، ويَضطلع بها نخبةٌ من العلماءِ والخبراءِ والباحثين المشهودِ لهم في مجالاتهم العلمية، يتقدَّمُهم 16 عالِماً من الحاصلين على جائزة نوبل.


تَنشُر موسوعة العلماء؛ أفضلَ المقالات والبحوث العلمية على مستوى العالَم بلغة واحدة فقط هي الإنجليزية، ويتمحور اهتمامُها العلمي بالخصوص على الفيزياء وعِلم الفلك وعِلم الأعصاب وعِلم البرمجيات الحاسوبية. 


وهناك عددٌ لا بأس به من الموسوعات العِلمية الممتازة والجيدة؛ والتي تُغني الباحث الجاد عن الـ “ويكيبيديا” وسلبياتِها. إلا أنها مُتاحة بلغات أخرى غير اللغة العربية. في انتظار أن يتم ملء هذا الفراغ من خلال تعزيز الموجود من مواقع إلكترونية ومجلاَّت ودوريات علمية ومعرفية محكَّمة المعدودةٍ والموزعة في أقطار العالم العربي.


[i]  نيوبيديا أو Nupedia بالإنجليزية؛ موسوعة حرة متاحة عبر الشابكة، أسسَها الباحث الأمريكي “جيمي ويلز”  كانت مقالاتُها وبحوثُها تُحضَّر من طرف مجموعة علمية تضم خبراء ومختصين، استمرت في الصدور إلى حدود سبتمبر سنة 2003م ليتم تحويلُها إلى موسوعة ويكيبيديا.

الحسين بشوظ

كاتب، صحفي عِلمي وصانع محتوى، باحث في اللسانيات وتحليل الخطاب، حاصل على شهادة الماجستير الأساسية في اللغة والأدب بكُلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. مسؤول قسم اللغة العربية في منظمة المجتمع العلمي العربي بقَطر (سابقا)، عُضو مجلس إدارة مؤسسة "بالعربية" للدراسات والأبحاث الأكاديمية. ومسؤول قسم "المصطلحية والمُعجمية" بنفس المؤسسة. مُهتم باللغة العربية؛ واللغة العربية العلمية. ناشر في عدد من المواقع الأدبية والصُّحف الإلكترونية العربية. له إسهامات في الأدب إبداعاً ودراسات، صدرت له حتى الآن مجموعة قصصية؛ "ظل في العتمة". كتاب؛ "الدليل المنهجي للكتابة العلمية باللغة العربية (2/ج)".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى