الغزو الأمريكي لجمهورية الدومينيكان: بين “الردع الوقائي” ومأسسة الهيمنة

يشكّل الغزو الأمريكي لجمهورية الدومينيكان في أبريل 1965 واحدة من أبرز محطات التدخل العسكري الأمريكي في النصف الغربي من الكرة الأرضية خلال الحرب الباردة، ويكشف عن منطق “الردع الوقائي” الذي اعتمدته واشنطن في مواجهة المدّ الإصلاحي والوطني في أمريكا اللاتينية.

لم يكن هذا التدخل معزولا أو طارئا، بل امتدادا مباشرا لنمط استراتيجي يعود إلى بدايات القرن العشرين، حين أصبحت منطقة الكاريبي ساحة اختبار لسياسات الهيمنة الأمريكية، تحت ذرائع الاستقرار والأمن ومكافحة الشيوعية.

دخلت القوات الأمريكية جمهورية الدومينيكان لأول مرة عام 1916، في سياق أزمة سياسية واقتصادية خانقة، وانهيار في مؤسسات الدولة، وعجز في سداد الديون الخارجية، خاصة للبنوك الأمريكية.

أهداف الاحتلال الأول:

النتائج المباشرة:

مآلات الاحتلال:

انسحبت القوات رسميا عام 1924، بعد فرض نظام سياسي موال بقيادة هوراسيو فاسكيز، وبقي النفوذ الأمريكي متغلغلا في الهياكل السياسية والعسكرية.

لقد أرست هذه التجربة الأولى نموذجا أميركيا متكرّرا في التعامل مع جمهوريات الكاريبي: التدخل بالقوة لفرض الاستقرار على مقاس واشنطن.

بعد اغتيال الديكتاتور رافائيل تروخيو عام 1961، دخلت البلاد مرحلة انتقالية هشة:

فوبيا كوبا ثانية:

أثار الوضع قلق إدارة ليندون جونسون التي رأت في الأحداث تهديدا استراتيجيا قد يُفضي إلى ظهور “كوبا جديدة”. وقد لخّص جونسون الأمر بقوله:

“لن نسمح بقيام كوبا أخرى على بعد 500 ميل من فلوريدا.”

في 28 أبريل 1965، أنزلت الولايات المتحدة أكثر من 22,000 جندي في سانتو دومينغو، في أكبر تدخل عسكري أمريكي في أمريكا اللاتينية منذ الحرب ضد المكسيك عام 1846.

الذرائع المعلنة:

الحقيقة الخفية:

لم يكن الهدف مجرد استجابة أمنية، بل منع القوى الإصلاحية من الوصول إلى الحكم، وتثبيت حكومة موالية لواشنطن. رغم أن قادة التمرد لم يكونوا شيوعيين، فإن وزير الدفاع روبرت ماكنامارا اعتبرهم تهديدا محتملا في إطار ما أسماه:

“منع ظهور فيدل كاسترو جديد.”

التداعيات والنتائج السياسية

رغم انسحاب القوات رسميا عام 1966، فإن التدخل الأمريكي أسفر عن:

وقد اعتبر المؤرخ Piero Gleijeses هذا التدخل:

“اغتيالا أمريكيا لفرصة نادرة لتحقيق الديمقراطية في الكاريبي.”

الإطار النظري: بين العقيدة والسيطرة

أُعيد توظيفه لتبرير التدخلات الأمريكية باعتبار أن أي نفوذ أجنبي في النصف الغربي يُعد تهديدا لأمن الولايات المتحدة.

أسّست لمنظور جديد للتدخلات الاستباقية، يبرر استخدام القوة لحماية “الاستقرار” حتى في مواجهة تهديدات افتراضية.

الهيمنة الإيديولوجية (أنطونيو غرامشي):

تم تسويق التدخل العسكري عبر خطاب “الدفاع عن الحرية” و”حماية المدنيين”، في حين جرى سحق الخيار الشعبي والديمقراطي تحت شعارات موجهة إعلاميا.

موضع الغزو في استراتيجية الهيمنة الأمريكية

يتكامل هذا التدخل مع نمط مستقر من سياسات واشنطن في أمريكا اللاتينية:

النمط أمثلة
الانقلابات تشيلي (1973)
التدخلات العسكرية المباشرة بنما (1989)
الحصار والعقوبات كوبا، نيكاراغوا

تحليل استراتيجي:

خلاصة:

منذ الاحتلال الأول عام 1916 إلى غزو 1965، تحوّلت جمهورية الدومينيكان إلى مختبر لسياسات التدخل الأمريكي في الكاريبي. كان الغزو الثاني تجسيدا حيّا لتحوّل الولايات المتحدة من قوة تدّعي الدفاع عن الديمقراطية إلى قوة تسحقها حين تتعارض مع مصالحها.

لقد شكّل هذا التدخل:

قائمة المراجع:

  1. Gleijeses, Piero. The Dominican Crisis: The 1965 Constitutionalist Revolt and American Intervention. Johns Hopkins University Press, 1978.
  2. Office of the Historian – U.S. Department of State – “Dominican Republic Intervention (1965)”
  3. Wikipedia – Occupation of the Dominican Republic (1916–1924)
    https://ar.wikipedia.org/wiki/احتلال_الولايات_المتحدة_لجمهورية_الدومينيكان_(1916-1924)
  4. Brands, H. W. Latin America’s Cold War. Harvard University Press, 2010.
    رابط عبر Harvard Press
  5. Rabe, Stephen G. The Most Dangerous Area in the World: John F. Kennedy Confronts Communist Revolution in Latin America. UNC Press, 1999.
    رابط مباشر
  6. وثائق أرشيف الأمن القومي الأمريكي (National Security Archive)
    https://nsarchive.gwu.edu/
Exit mobile version