- غواتيمالا في قبضة الإقطاع والشركات الأمريكية
في النصف الأول من القرن العشرين، كانت غواتيمالا دولة زراعية فقيرة تخضع لحكم نخب أوليغارشية متحالفة مع شركات أجنبية، أبرزها شركة الفواكه المتحدة الأمريكية (United Fruit Company)، والتي امتلكت مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة واستفادت من إعفاءات ضريبية وسيطرة على البنية التحتية.
عام 1944، أطاحت ثورة شعبية بالنظام الديكتاتوري، وأُطلقت حقبة جديدة عُرفت بـ**”عقد من الديمقراطية”**، توّجت بوصول الرئيس جاكوبو آربينز (Jacobo Árbenz) إلى الحكم عام 1951.
- مشروع آربينز الإصلاحي – تقويض الامتيازات الأمريكية
أطلق آربينز إصلاحات جذرية شملت:
- قانون الإصلاح الزراعي (1952) الذي صادر الأراضي غير المزروعة المملوكة للشركات الكبرى ووزعها على صغار الفلاحين.
- تعزيز السيادة الاقتصادية، والحد من الهيمنة الأجنبية على التجارة والنقل.
- فتح الباب أمام التنوع السياسي، بما في ذلك الاعتراف بالحزب الشيوعي، رغم أنه لم يكن هو نفسه شيوعيًا.
أثارت هذه الإجراءات قلقًا شديدًا في واشنطن، حيث اعتبرتها إدارة أيزنهاور تهديدًا مباشرًا للمصالح الأمريكية، لا سيما مصالح شركة United Fruit التي مارست ضغوطًا هائلة على الكونغرس والإعلام لشيطنة آربينز وربطه بالشيوعية.
- عملية PBSUCCESS – أول انقلاب سري للـCIA في أمريكا اللاتينية
في 1954، قادت وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) عملية سرية تحت اسم “PBSUCCESS” للإطاحة بآربينز، شملت:
- حملة دعاية إعلامية ممنهجة وصفت النظام بالماركسي والتوتاليتاري.
- تجنيد وتمويل ميليشيات غواتيمالية منفية بقيادة العقيد كارلوس كاستيو آرماس.
- هجمات وهمية وبث إذاعي مضلل عبر “صوت التحرير”، لإيهام الشعب والجيش بانهيار الدولة.
- الضغط السياسي على الجيش الغواتيمالي لوقف دعمه للرئيس.
في يونيو 1954، استقال آربينز بعد انهيار دعم الجيش له، وتم تنصيب حكومة عسكرية موالية لواشنطن بقيادة كاستيو آرماس.
نتائج وتداعيات الانقلاب – ولادة العنف طويل الأمد
- انتهت التجربة الديمقراطية الوحيدة في تاريخ غواتيمالا المعاصر، وحلّت محلها سلسلة من الأنظمة الاستبدادية المدعومة أمريكيًا.
- بدأ عهد من القمع والعنف السياسي استمر حتى التسعينيات، حصد أرواح أكثر من 200,000 مدني، وفقًا للجنة الحقيقة والمصالحة.
- أصبح الانقلاب نموذجًا أوليًا لـ سياسة تغيير الأنظمة التي تبنّتها واشنطن لاحقًا في عدة دول (تشيلي، البرازيل، جمهورية الكونغو…).
تحليل استراتيجي – الشركات والدولة العميقة في خدمة الهيمنة
- مثّل تدخل CIA في غواتيمالا أولى حالات التحالف العلني بين المصالح الاقتصادية الخاصة والسياسة الخارجية الأمريكية.
- يكشف الحدث عن استخدام أدوات “الحرب النفسية” والدعاية الإعلامية كأسلحة في الصراع الجيوسياسي.
- سلّط الضوء على مدى هشاشة الديمقراطيات الوليدة أمام التدخلات الخارجية، وعمّق فقدان الثقة بين شعوب أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة.
مراجع:
-
Gleijeses, Piero. Shattered Hope: The Guatemalan Revolution and the United States, 1944–1954. Princeton University Press, 1991.
- National Security Archive – The Secret CIA History of the Guatemala Coup, 1954
- Immerman, Richard H. The CIA in Guatemala: The Foreign Policy of Intervention. University of Texas Press, 1982.
- BBC History – CIA and the 1954 Coup in Guatemala
-
CIA Declassified Files – Operation PBSUCCESS
