حرب فيتنام: الهزيمة الأولى للإمبراطورية الأمريكية

"كان يمكننا كسب الحرب عسكريا، لكننا خسرناها سياسيا وشعبيا"

تمثل حرب فيتنام واحدة من أكثر المحطات حرجا في تاريخ الهيمنة الأمريكية، ليس فقط لأنها كشفت حدود القوة العسكرية لأعظم إمبراطورية في العصر الحديث، بل لأنها زعزعت الأسطورة الأمريكية عن النصر الدائم، وأطلقت أولى التشققات الكبرى في جدار “الاستثنائية الأمريكية”.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، سعت فرنسا إلى استعادة مستعمرتها في الهند الصينية، بما في ذلك فيتنام. غير أن المقاومة الفيتنامية بقيادة هو تشي منه أعلنت استقلال البلاد عام 1945، مما أدخلها في صراع دموي مع الفرنسيين.

دعمت الولايات المتحدة فرنسا ماليا وعسكريا خوفا من سقوط جنوب شرق آسيا في يد الشيوعية، خاصة في ظل تصاعد النفوذ السوفييتي والصيني. وعندما هُزمت فرنسا في معركة ديان بيان فو (1954)، ورثت واشنطن دورها، فقامت بدعم نظام نغو دينه ديم في الجنوب الفيتنامي، معتبرة أن “الخط الأمامي ضد الشيوعية” بات في سايغون.

باسم نظرية الدومينو، التي تقول إن سقوط دولة واحدة في يد الشيوعية سيؤدي إلى انهيار باقي دول المنطقة، صعّدت الولايات المتحدة من تدخلها. وفي عام 1964، مُنح الرئيس ليندون جونسون تفويضا مفتوحا بعد حادثة خليج تونكين، فبدأ في إرسال مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين إلى فيتنام.

بلغ عدد القوات الأمريكية في ذروته أكثر من 540 ألف جندي بحلول عام 1968، وانخرطت في معارك دامية ضد قوات الفيت كونغ المدعومة من الشمال.

لكن حرب العصابات، والبيئة الجغرافية القاسية، ومهارة المقاومة الفيتنامية، أظهرت عجز التكنولوجيا الأمريكية عن فرض الهيمنة على الأرض.

في يناير 1968، شنت قوات الفيتكونغ وقوات الشمال الفيتنامي هجوم تيت الواسع النطاق خلال فترة العيد التقليدي، وهاجمت أكثر من 100 مدينة وبلدة جنوبية بما في ذلك السفارة الأمريكية في سايغون.

رغم أن الهجوم فشل عسكريا، إلا أن صدمته كانت نفسية واستراتيجية داخل الولايات المتحدة. بدا واضحا أن الحرب ليست قريبة من نهايتها، بعكس ما كانت تروج له الإدارة الأمريكية.

بدأت ثقة الشعب الأمريكي تتآكل، وتصاعدت الاحتجاجات المناهضة للحرب في الجامعات والمدن، وتحول الإعلام لأول مرة إلى طرف ناقد للسياسة الخارجية الأمريكية.

عندما تولى ريتشارد نيكسون الحكم، طرح استراتيجية “الفيتنمة” أي إحلال القوات الفيتنامية الجنوبية محل القوات الأمريكية. لكنه استمر في قصف الشمال بشدة، ووسع الحرب إلى كمبوديا ولاوس.

تحت ضغط الرأي العام، وقّعت الولايات المتحدة اتفاقية باريس للسلام (1973)، وبدأت بسحب قواتها تدريجيا. بقي النظام الجنوبي هشا، بلا دعم شعبي، ومعتمدا على المساعدات الأمريكية.

في أبريل 1975، اجتاحت قوات الشمال الفيتنامي العاصمة سايغون دون مقاومة تذكر. انهارت الحكومة الجنوبية، وفرّت رموزها، بينما كانت المروحيات الأمريكية تجلي آخر الموظفين من سطح السفارة في مشهد مذلّ سيظل محفورا في ذاكرة الأمريكيين.

انتهت أطول حرب في التاريخ الأمريكي (حتى ذلك الحين) بخسائر جسيمة: أكثر من 58 ألف قتيل أمريكي، وملايين الضحايا الفيتناميين، وتكاليف باهظة اقتصاديا وسياسيا.

6. تحليل استراتيجي: دروس الهزيمة

7. الأثر العالمي لهزيمة فيتنام

خاتمة:

لم تكن حرب فيتنام مجرد معركة جيوسياسية، بل كانت اختبارا لقدرة الإمبراطورية الأمريكية على فرض رؤيتها بالقوة. وقد انتهت الحرب بتأكيد حقيقة صعبة: لا يمكن لأي قوة مهما عظمت أن تهزم شعبا مصمما على حريته، ولا يمكن للإمبراطورية أن تبني السلام على حطام الشعوب.

Exit mobile version