المرأة والعلم في الأندلس
انتقلت مع الفتح الإسلامي تقاليد علمية وثقافية إلى هذا البلد الذي ظل يرزح تحت ظلمات العصور الوسطى الأوروبية لفترة طويلة.
وقد تسارعت خطى الحضارة الإسلامية بالأندلس التي عرفت تلاقحا ثقافيا واجتهادا علميا في مجالات العلوم الدينية واللغوية والعقلية وغيرها.
ويكفي إلقاء نظرة عن كتب الطبقات والفهارس لتكوين فكرة مركزة عن طبيعة الحركة العلمية التي عرفها تاريخ الأندلس والتي استمرت متأججة لقرون عديدة.
ومن معالم التطور الحضاري في المجال العلمي بالأندلس عدم اقتصار النبوغ العلمي على الرجال، بل كان للنساء حضور ومشاركة وتألق في مختلف مراحل هذا التاريخ. فكانت منهن العالمات والأديبات والشاعرات والمؤلفات.
من بين نساء الأندلس اللائي برزن في ميادين الحياة المختلفة واللائي احتفظت المصادر بذكرهن، مجموعة لا بأس بهن ممن انشغلن بالتحصيل العلمي والأدبي وقطعن فيهما أشواطا، وكانت لهن إسهامات في الحياة الثقافية تعلما وتعليما ومشاركة. ومنهن من رحلن للقاء الشيوخ بمدن وأقطار أخرى.
وكانت بعض النساء العالمات قد أخذن في دائرة أسرهن خاصة بالنسبة لمن كان آباؤهن من العلماء. وتزوجت بعض النساء العالمات من علماء فأخذن عنهم وازداد ارتباطهن بالعلم. وملكت بعض النساء مكتبات ورثنها عن آبائهن، ومنهن من حبست كتبها. ونبغت إحداهن في الفقه حتى نسي اسمها وصارت تعرف باللوشية الفقيهة.
ونسوق حديثا لابن حيان عن العالمة عائشة بنت أحمد القرطبية، يقف كشاهد على مستوى بعض عالمات الأندلس، قال عنها: لم يكن في زمانها من حرائر الأندلس من يعادلها علما، وفهما وأدبا وعزا، كانت تمدح ملوك الأندلس، حسنة الخط، تكتب المصاحف والدفاتر، وتجمع الكتب، وتعنى بالعلم، ولها خزانة علم كبيرة، توفيت سنة 400 هجرية.
كراسات أندلسية، العدد ـ 2ـ د. محمد المغراوي، منشورات مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، الرباط 2006.