“بني كعب”: قصة إمارة منسية أكلتها الجغرافيا السياسية

لم يكن جنوب غرب إيران، المعروف تاريخيا باسم عربستان، مجرد إقليم على هامش الإمبراطوريات الكبرى، بل كان بؤرة لصراع جيوسياسي طويل بين العثمانيين والفرس والإنجليز، وفي قلب هذا الصراع برزت إمارة بني كعب، كواحدة من آخر الكيانات السياسية العربية المستقلة التي سعت للحفاظ على سيادتها وسط عواصف التوسع الاستعماري والتفكك الإقليمي.

هاجرت قبيلة بني كعب، ذات الأصول العربية العدنانية، من وسط العراق إلى عربستان في منتصف القرن السابع عشر الميلادي، واستقرت على ضفاف شط العرب ونهر كارون. سُرعان ما أسست القبيلة مدينة القبان وجعلتها عاصمة لإمارتها الوليدة.

تولى الشيخ علي بن ناصر بن محمد (من فخذ البوناصر) زعامة الإمارة سنة 1690م، ووضع أسس الحكم المحلي الذاتي للقبيلة. ومع ذلك، كانت الانطلاقة الحقيقية للإمارة في عهد الشيخ سلمان بن سلطان البوناصر، الذي حكم بين 1737 و1767، وتمكن من تحويل الإمارة إلى قوة إقليمية يحسب لها الحساب.

استغل الشيخ سلمان الانهيار السياسي الذي خلفه اغتيال نادر شاه (1747م)، ليبدأ مشروعا توسعيا استراتيجيا في شمال عربستان وشرقها. وبعد سلسلة من المعارك الناجحة، تمكن من السيطرة على مدينة الدورق، التي أعاد تسميتها بـ”الفلاحية”، واتخذها عاصمة ثانية.

شكل هذا التوسع ضربة قوية لـإمارة المشعشعين، التي بدأت بالتلاشي تدريجيا حتى زوالها، لتحل محلها إمارة بني كعب بوصفها القوة الأبرز في المنطقة.

مقاومة القوى العظمى: العثمانيون، الزنديون، والإنجليز

كانت إمارة بني كعب على تماس دائم مع القوى الإقليمية الطامحة:

كان سر النجاح في قدرة الشيخ سلمان على اللعب على تناقضات القوى الكبرى دون أن يتحول إلى تابع لأي منها، محافظا على استقلال نسبي نادر في تلك المرحلة المضطربة من تاريخ الخليج.

بلغت الإمارة أوج نفوذها في عهد الشيخ خزعل الكعبي (1897-1925)، الذي نقل العاصمة إلى المحمرة، وبدأ بتنفيذ سياسات تحديثية مهمة شملت البنية التحتية والعلاقات الدبلوماسية. سعى خزعل إلى إقامة تحالف استراتيجي مع بريطانيا، خاصة بعد اكتشاف النفط في المنطقة عام 1908.

منحته بريطانيا أوسمة مثل K.C.I.E، ووعدته بالدعم ضد أي عدوان إيراني. كما اعترف الشاه الإيراني ناصر الدين القاجاري رسميا باستقلالية الإمارة عام 1857، مما أعطاها وضعا خاصا في النظام الإيراني.

مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، تعاظم النفوذ البريطاني في الخليج، لكن مع نهاية الحرب وتزايد التهديد السوفيتي، بدأت بريطانيا تبحث عن كيان إيراني موحد يكون حاجزا ضد التمدد الروسي، حتى لو جاء ذلك على حساب حلفائها المحليين، مثل الشيخ خزعل.

ورغم أن الشيخ خزعل حاول مرارا التفاوض مع رضا خان، وحتى تقديم قضيته لعصبة الأمم عام 1924، فإن بريطانيا تخلّت عنه نهائيا.

في عام 1925، وقع الانقلاب السياسي الحاسم. خُطف الشيخ خزعل من يخته “إيفي”، ووُضع قيد الإقامة الجبرية في طهران، حيث أُعدم لاحقا سنة 1936. تم دمج الإقليم رسميا في الدولة الإيرانية، وألغيت الإمارة.

الانتفاضات الأخيرة ومحاولات المقاومة

رغم السقوط السياسي، لم تستسلم القبائل العربية بسهولة:

تحليل السياق التاريخي: هل كانت الإمارة مشروع دولة عربية مبكر؟

رغم عدم امتلاك بني كعب دستورا مكتوبا، أو مؤسسات حكم مركزية وفق النموذج الأوروبي، فإنهم أقاموا كيانا سياسيا يتمتع بخصائص الدولة:

وتُعتبر هذه الإمارة واحدة من آخر أشكال السيادة العربية المستقلة في المشرق قبل توسع الدول الحديثة.

خلاصة:

قصة بني كعب في عربستان ليست مجرد سيرة قبيلة، بل هي فصل من فصول المواجهة العربية مع أطماع الدول الكبرى، وصراع البقاء للهوية في ظل خرائط تُرسم بالدم والنفط. وما حدث في 1925 كان أكثر من سقوط أمير… كان نهاية حلم عربي مبكر بالدولة والسيادة.

قائمة المراجع:

  1. الريحاني، أمين. ملوك العرب. دار الجيل، بيروت، الطبعة الثانية.
  2. يونغ، غافين. العرب وجهة نظر إنجليزية. ترجمة أحمد محمود، المؤسسة العربية للدراسات.
  3. عبد العزيز، عبد الله. تاريخ إمارة بني كعب في عربستان. مركز الخليج للدراسات.
  4. British Library Archives on Khazal Al-Kaabi
  5. IRIS (Institut de relations internationales et stratégiques) – Ahwaz dossier
Exit mobile version